من غير المفيد الغوص في قانونية الإجراءات التي اتخذتها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حتى تبادر رئاسة المجلس الوطني لعقد جلسة استثنائية وفقاً لمتفرع (جـ) من البند الرابع عشر للنظام الأساسي لمنظمة التحرير، فالمسألة أبعد من ذلك.
في كل الأحوال، كان أصحاب القرار قادرين على توفير المبررات القانونية وغير القانونية، ولو أدى ذلك إلى التجاوز، من أجل تنفيذ ما تراه مناسباً من قرارات أو إجراءات. لذلك لا نرى فائدة من وراء مطالعات أو قراءات قانونية يصدر بعضها عن خبراء، للتحذير من انهيار الشرعية التي تمثلها منظمة التحرير.
في الأساس فإن شرعية أو عدم شرعية المنظمة، تنبع من الدور التاريخي الذي نهضت به المنظمة منذ تأسيسها العام 1964، وخلال مرحلة الكفاح المسلح وما بعدها حتى الآن، ولأنها حقيقة قد شكلت الوعاء الوطني الجامع لكل فصائل العمل الوطني.
الشرعية التي تمثلها منظمة التحرير ليست مهددة من داخلها، حتى لو أن خلافاً واسعاً وقع بين فصائلها بشأن طبيعة الشراكة أو آليات اتخاذ القرارات، أو أية إجراءات أخرى تنطوي على جدل فالتهديد يصدر عن الانقسام الفلسطيني، الذي يترك قوى فاعلة تحوز على قاعدة شعبية واسعة، خارج اطر المنظمة، مناوئة لها ويقدم نفسه على نحو مواز.
لا بد وأن ثمة مبررات مدروسة ذات أهمية تقف وراء تقديم عشرة أعضاء لجنة تنفيذية، استقالاتهم، سعياً وراء توفير أسباب أو مخارج لانعقاد جلسة استثنائية بمن حضر من أعضاء المجلس الوطني لاختيار لجنة تنفيذية جديدة، أو تعبئة الشواغر لا فرق في الحالتين.
من الواضح أن ثمة ثورة من الغضب تجتاح القيادة الفلسطينية التي صدمتها نتائج المراهنة الطويلة على دور مهم تقوم به الولايات المتحدة في سياق العملية السياسية، وان القيادة تبحث عن وسائل للتعبير عن هذا الغضب، وربما بعضها ينطوي على عتاب، لكن المهم ألا ترتد حملة الغضب نحو الذات، بدلاً من أن تتفرغ نحو الاحتلال وحلفائه، الذين يتحملون المسؤولية عن الإطاحة بطموحات الفلسطينيين. من ذلك مثلاً، سعي القيادة الفلسطينية الجدي نحو استعادة وتقوية العلاقة مع إيران، الأمر الذي يشكل إزعاجاً كبيراً لأطراف فلسطينية وعربية وإقليمية كثيرة بالإضافة إلى إسرائيل.
اللجنة التنفيذية التي اجتمعت يوم السبت الماضي، ووضع أغلبية أعضائها استقالاتهم بتصرف رئاسة المجلس الوطني، لم تنس التذكير بقرارات المجلس المركزي المنعقد في آذار من هذا العام بشأن مراجعة مجمل العلاقات بين السلطة وإسرائيل. إذا كانت هذه اللجنة بما هي عليه تودع دورها بدون مراجعة شاملة لتجربتها، فإنها تلوح بإمكانية صدور بيان عن الجلسة الاستثنائية للمجلس الوطني التي ستنعقد قريباً، يتضمن التأكيد على ما صدر عن المجلس المركزي، ليصبح ملزماً للجنة التنفيذية الجديدة.
سياسة جديدة إذاً، خجولة ومترددة، ورسائل غاضبة بعضها مباشر وبعضها الآخر غير مباشر، لمن تعتقد اللجنة التنفيذية أنهم المسؤولون عن فشل المفاوضات والعملية السياسية، وتبديد الحقوق الوطنية الفلسطينية، غير أن حال الذات الفلسطينية، بائس ومترد إلى الحد الذي قد يجعل هذا الغضب يرتد سلبياً على المؤسسة الفلسطينية التاريخية.
من الواضح أن الطريقة أو الآلية التي اختارتها اللجنة التنفيذية (مجازاً) قد تؤدي إلى تعميق الشروخ في الجسم الفلسطيني المنهمك بكل عناوينه الفاعلة وغير الفاعلة.
مبدئياً ثمة طيف واسع من الفصائل والخبراء والشخصيات العامة والمثقفين، قد أبدوا اعتراضهم على ما يجري وانهم لا يكفون عن التحذير من المخاطر المترتبة عن المضي قدماً في هذا الاتجاه المرسوم، وبدون أن يتلقى هؤلاء شرحاً لتبرير ما يقدمون عليه.
ثمة نقد واسع بدون ردود، حتى على ما يصدر من أهل البيت وليس فقط مما يصدر عن "حماس"و "الجهاد الإسلامي"حتى بات الأمر وكأنه طلاسم من صناعة رجل واحد يتسم بكثير من الغموض أو الثقة بالنفس.
فعدا عن أية مخالفات قانونية، فإن الخلاف قد أخذ يتسع بين فصائل منظمة التحرير، وداخل كل فصيل بما في ذلك وأساساً داخل حركة فتح التي تقود سفينة المنظمة والسلطة، والأرجح أن هذه الخلافات ستتسع حين يجري اختيار الأعضاء الجدد الذين سيكون من بينهم الرئيس المحتمل القادم خلفاً للرئيس محمود عباس في حال أصرّ على مغادرة الحياة السياسية.
في الواقع فإن الرد على التخاذل الأميركي والأطماع الإسرائيلية يفترض أن يكون من خلال مراجعة عميقة شاملة للمرحلة السابقة، تستهدف استخراج الدروس، وربما إخضاع المرحلة بعناوينها الرئيسية للمساءلة والمحاسبة، تمهيداً للانتقال بالوضع الفلسطيني إلى مربع الصراع المفتوح مع الاحتلال. وكان من المفروض والطبيعي أيضاً أن يجري لم شمل الفلسطينيين وإعادة بناء مؤسسات الوحدة الوطنية، لمجابهة المخططات الإسرائيلية التي باتت واضحة، ومعروفة للجميع، لكن المسار الذي اختارته اللجنة التنفيذية، من شأنه أن يدفع الأوضاع المتردية إلى مزيد من التردي والتشرذم، والضعف. هل هناك إمكانية للتراجع؟ لم يحصل هذا عند أي من سلطات اتخاذ القرار، التي تعمل كل منها وفق أجندتها الحزبية، أو الخاصة، ولا يسمع القائمون عليها سوى صدى أصواتهم وهواتفهم الذاتية، ما يفسر الحال الذي يشكو منه جميع الفلسطينيين بكثير من المرارة واليأس.
طلال عوكل
24 آب 2015