نكتب هذه الكلمات بعد مرور عام على انتهاء حرب ال51 يوما ، شنتها إسرائيل على قطاع غزة ، كان من نتائجها آلاف الشهداء والجرحى ، ومئات الآلاف من المشردين من بينهم ، ودمار واسع النطاق ما زالت آثاره ومظاهره ماثلة للعيان حتى اللحظة ، في كارثة من اكبر الكوارث التي لحقت بشعبنا بعد كارثة عام 1948 ، ونكتب هذه الكلمات بعد مرور 8 سنوات على كارثة الانقسام ، ونكتب هذه الكلمات بعد مرور 21 عاما على قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وما أعقبها من رحلة مفاوضات طويلة وشاقة مع الجانب الإسرائيلي ، دون أي نتائج كان شعبنا يطمح في تحقيقها . في ظل هذه الظروف التي أقل ما يقال عنا بالمأساوية ، يشهد شعبنا هذه الأيام ثلاثة أمور أخالها مثلث رعب يحيط بشعبنا وكأنه مثل برمودا قد انتقل إلى فلسطين ليبتلعها ويذهب بها إلى المجهول وهي:
- الأمر الأول ،منظمة التحرير الفلسطينية ، ولجنتها التنفيذية وما يتخذ من إجراءات تنفيذية لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة أو لانتخاب أعضاء جدد لملء الشواغر التي حدثت خلال الفترة الماضية ، ويأتي ذلك بدعوة المجلس الوطني للاجتماع في دورة طارئة أو عادية ، ما اثأر جدلا قانونيا حول قانونية انعقاد المجلس الوطني ، وإتمام عملية الانتخاب ، الأمر الذي اثأر اعتراض العديد من الفصائل الفلسطينية على مثل هذه الإجراءات ، ما يهدد منظمة التحرير الفلسطينية ، كمؤسسة جاءت نتيجة نضالات شعبنا وتضحياته لتكون عنوانا لوحدة شعبنا ، ومرجعية نضاله في طريق التحرير والعودة ، ووعاء للوحدة الوطنية الفلسطينية ، كل المؤشرات تشير إلى غياب فصيلتين فلسطينيين كبيرين عن منظمة التحرير الفلسطينية في الخطوة القادمة وهما حركة حماس التي لن تشارك في اللجنة التنفيذية ولن تنضم إلى منظمة التحرير على الرغم من أن لها أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني وهم أعضاء المجلس التشريعي عن حركة حماس ، وجاء اعتراض حركة حماس على هذه الخطوة القادمة على السنة العديد من قادتها منوهين إلى ضرورة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية حسب الاتفاقات الفلسطينية السابقة كاتفاق القاهرة ، هنا يمكن القول بأنه لا يمكن إغفال حركة حماس أو تجاهله لان حركة حماس لم تعد فصيلا صغيرا ، بل أصبحت مكونا رئيسيا من مكونات مجتمعنا ، بل أصبحت تتمع بعلاقات خارجية لا يستهان بها تقوم هذه الحركة باستثمارها بشكل جيد وهذا ما سنشير إليه في الأمر الثاني ، والفصيل الأخر هو حركة الجهاد الإسلامي ، وهي حركة كبيرة أيضا أصبحت مكونا رئيسيا من مكونات مجتمعنا أيضا ، ، محصلة القول أن انتخاب لجنة تنفيذية جديدة بدون توافق فلسطيني فلسطيني ربما يقود إلى إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية ، وجعلها تذهب في مهب الريح بما يضر بمصالح شعبنا وتراجع قضيته على الصعيد العربي والدولي .
- الأمر الثاني ،التهدئة مع الجانب الإسرائيلي ، وقد جاءت نتيجة اتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي برعاية مصرية أدت إلى وقف إطلاق النار بعد 51 يوما من الحرب الإسرائيلية على شعبنا ، إلا انه وخلال الفترة القريبة الماضية بدأت تتسرب إنباء وتصريحات عن اتصالات بين حركة حماس والجانب الإسرائيلي بواسطة أجنبية كان آخرها مع توتي بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق والمبعوث الدولي للجنة الرباعية الدولية الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط ، وقبله كانت تصريحات ميركل حول تبادلية التنمية والأمن في المنطقة ، وقبل ذلك أيضا روبرت سيري وآخرون ، أنباء أثارت جدلا واسعا في الأوساط الفلسطينية ، حيث كان العنوان الأكبر المثير للجدل هو احتمالية فصل قطاع غزة عن باقي الوطن الفلسطيني ، وبغض النظر عن توضيحات حركة حماس على لسان قادتها بين الفترة والأخرى وتطميناتهم حول هدف هذا الاتصالات والمحاولات ، إلا أن الأمر ما زال مثيرا للجدل والنقاش بسبب تفرد حركة حماس لهذه الاتصالات بعيدة عن الكل الوطني الفلسطيني ، وهذا ما أثار حفيظة العديد من الفصائل الفلسطينية .
- الأمر الثالث ، هو محاولات العودة إلى نهج المفاوضات ، وكلنا نعرف أن هذه المفاوضات قد أصبحت عبثية ومضيعة للوقت بعد مرور أكثر من عشرين سنة على بدايتها دون أي نتائج ، ومعظم جلساتها كانت تسخرها إسرائيل من اجل حماية أمنها دون توفير الأمن للفلسطيني ، عشرون سنة ولم يتوقف فيها التوسع الاستيطاني ، ناهيك عن الحصار الإسرائيلي لشعبنا سواء أكان في الضفة الغربية أو في قطاع غزة ، وما يتخلل هذا الحصار من حروب واعتداءات على شعبنا ومقدراته .
إذن هذا ما تشهده الساحة الفلسطينية الآن ، وفي اعتقادي مشهد إن دل على شيء فإنما يدل على فوضى عارمة قادمة ربما تطيح بشعبنا الذي أنهكته الحروب ، والحصار ، وتراجع قضيته في المحافل الدولية بل والعربية أيضا، أمور ثلاثة أراها كمثلث رعب يهدد شعبنا ، ما زال الفرصة مواتية للإفلات منه ، نعم إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية أمر واجب ، وشديد الإلحاح ، ولكن إصلاح يعمل على تقويتها ودعم مكانتها لتكون الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا ، إصلاح يجعلها وعاءً حقيقيا لوحدة شعبنا ،وفي اعتقادي أن غياب فصيلين كبيرين بحجم حماس والجهاد عن هذا المحفل ، واقصد محفل انتخابات اللجنة التنفيذية وجلسات المجلس الوطني ، يضر بمنظمة التحرير ، لذلك إذا كان كل من حركتي حماس والجهاد حريصان على قوة منظمة التحرير وإنها فعلا هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، فلا ينبغي الابتعاد بل يجب عليهما المشاركة ، لتفويت الفرصة على كل من يحاول اختطاف منظمة التحرير الفلسطينية ، أما على صعيد التهدئة وتثبيتها فإننا نأمل مشاركة كافة القوى الفلسطينية في أي ترتيبات أو اتصالات حماية لمصالح شعبنا ووحدته ومستقبله، كما انه حان الوقت لكي يتوقف كل من يحاول العودة بشعبنا إلى حقبة المفاوضات التي لن تؤدي إلا إلى ضياع حقوقنا ونهب أراضينا وزيادة عدد المستوطنين ، وبالتالي ضياع حقوقنا .
بقلم/ أكرم أبو عمرو