انه المسلخ القديم، المنزرع في ذاكرة مليون فلسطيني دخلوا سجون الاحتلال واقبية التحقيق منذ عام 1967، سجن المسكوبية في القدس، خارطته الملتوية المجهولة اتضحت سنة وراء سنة قهرا وتعذيبا، وكلما سقط اسير في التحقيق، او تعذب او صرخ اصبح واضحا، ممراته، زنازينه المتراصة والمتباعدة، ساحة الشبح، اسماء المحققين المتعاقبين، صوت الحديد والقيود، قرع الابواب في منتصف الليل، خربشات الاسرى على الحيطان المدببة، شعارات وقصائد واسماء محفورة بالاسود او الابيض او الاحمر.
المسكوبية مركز تحقيق سجل في ظلماته تاريخ دموي، منذ الشهيد قاسم ابو عكر حتى عبد الصمد حريزات، وخرج منه الاسرى اما ابطالا، او شهداء او مصدومين مجروحين في ارواحهم، وعند كل اسير حكاية عن تلك الليالي القاسية في عالم المسكوبية والمحققين، وهم يتقنون اصطياد البشر باساليب تعددت، من الشبح الى التعليق من الارجل الى الضرب العنيف، الى الهز، الى العزل، الى الحرمان من النوم والطعام وزيارة المحامي، الى تعريض الاسير للبرد الشديد، الى اعتقال الزوجة او الام، والى الضغط النفسي والتهديد، ولا رحمة، فكل اشكال الخداع تمارس في عالم المسكوبية.
الساعة العاشرة ليلا بتوقيت المسكوبية حقق مع الاسير احمد نعمان ابو شرخ ابن ال 15 عاما، ضربه المحققون على وجهه ورأسه، صفعات قوية، لكمات على البطن والخاصرة، ولم ير المحققون ان الذي امامهم طفل بريء، فقاموا بشده بقوة من يده بواسطة القيود، وانهالوا عليه بأقفال من الحديد، اصيب بالورم والجروح، صراخه لم يسمعه احد في ذلك الصدى المرتجف، والمحققون يهددون إما ان تعترف والا سندخل العصا في ...........
الطفل احمد ابو شرخ، لم يعد يسمع بعد ان صفعه احد المحققين على اذنه ، لا يستطيع الوقوف ولا العودة الى المدرسة، خائف من كل شيء، بعد ان نادى على امه وابيه ولم يستجب له احد.
الساعة العاشرة ليلا بتوقيت المسكوبية، حقق مع الاسير حمزة عسلية ابن ال 17 عاما، تعرض للضرب الشديد على رأسه، وقع على الارض، وهناك وعلى مدار جولات تحقيق ليل نهار، سمع الشتائم القذرة، وتعرض جسمه للضربات المبرحة، مقيدا، مشدودا على كرسي محني الظهر، جوعان، رأسه يكاد ينفجر من الالم، سقط مغشيا عليه، ولم ير تلك الظلال السوداء التي احاطت به.
عندما استيقظ حمزة، دخل عليه محققان الى الزنزانة، انهالوا عليه ضربا بالعصي، اصيب بجروح بالغة في ظهره وقدمه، ودخل في حالة هستيريا، هستيريا الضحية المعذبة التي تنتهك روحها وجسدها واحلامها في عالم المسكوبية.
الساعة العاشرة ليلا بتوقيت المسكوبية، مكث الاسير محمود ابو اصبع 30 يوما في التحقيق، انتقل من زنزانة الى زنزانة، ومن شبح الى آخر، ضرب حتى طفح جسده وجعا وتخدر جسمه، هجم عليه احد المحققين واخذ يضربه بالقيود الحديدية، اصيب بنزيف حاد، نقلوه الى مستشفى هداسا بالقدس، فاستغرب مدير المستشفى عن تصاعد الحالات القادمة من المسكوبية الى المشفى، واعلن حالة الطواريء.
الساعة العاشرة ليلا بتوقيت المسكوبية، وفي غرفة رقم(4)، تم ادخال الطفل احمد عدنان منى (16) عاما، الى الحمام، فقام احد المحققين بوضع رأسه داخل المرحاض، ثم رفع قدميه ووضعها فوق رأس الاسير وضغط عليه ليدخل رأسه اكثر في المرحاض القذر ذو الرائحة المقززة، ثم قام هذا المحقق بتشغيل (السيفون) عدة مرات ورأس احمد داخل المرحاض، امتلأ وجه احمد بمياه المرحاض، ودخلت المياه القذرة الى فمه وانفه، شعر بالاختناق، لا هواء في المسكوبية، إما ان تعترف او تموت.
الصغير احمد منى، فقد الوعي في صمت المسكوبية وفي ذلك المرحاض، وادرك ان دولة اسرائيل تكره الاطفال وترى في كل طفل فلسطيني خطرا يهدد حياتها القادمة ، فهي لا تحتاج الى ضوء في العتمة، ولا تحتاج ان شرائع حقوق الانسان، هي دولة تريد التحشيد والتجنيد والحرب.
الساعة العاشرة ليلا بتوقيت المسكوبية، وصل الصليب الاحمر الدولي، رائحة وحوش في المكان، أوراق نصوص القانون الدولي يدعس عليها جهاز الشاباك كما يدعسون على رؤوس الاسرى، وشعر مندوبو الصليب الاحمر بالخطر، حالات التعذيب تتصاعد، حصانة مباديء حقوق الانسان تسقط في المسكوبية.
ولم يعد الامر نقاشا مهنيا او اخطاء فردية، انها سياسة منهجية لدولة قررت ان تفجر كل فلسطيني وتحطم حياته ومستقبله، انها المسكوبية، رائحة جرائم تنزع شارة الصليب الاحمر وتغلق الابواب.
الساعة العاشرة بتوقيت المسكوبية، تعرض الاسير رشيد الرشق لحفلة متواصلة من الضرب الشديد، بالاقدام والايادي، بطحوه ارضا وقيدوا قدميه بكرسي، وجهوا له الركلات على بطنه والصفعات، احدهم ضربه بشدة على عينه مما سبب له آلام قوية وانتفاخ، لم يعد يرى شيئا.
احد المحققين قام بإحضار علبة زرقاء كبيرة تمتد منها اسلاك من النحاس، وقام بتوصيل الاسلاك بأصابع الاسير الرشق، ثم قام بتشغيل الكهرباء، اهتز جسم رشيد الرشق، ارتجف وجعا وشعر بآلام رهيبة تسري في مفاصله، تكرر ذلك، والمحقق يصرخ اعترف والا سأشعل النار في جسدك، واشتعل الجسد، واشتعلت المسكوبية.
الساعة العاشرة ليلا بتوقيت المسكوبية، الزنزانة ضيقة، مليئة بالروائح الكريهة، الحيطان مدببة، الفرشة مبلولة وقذرة، لا شباك ولا فضاء، ضوء اصفر باهت يتسلط على العينين والنوم واحلام اليقظة، جرذان وصراصير في الزنزانة، باب مصفح بالفولاذ يردد اوجاع المحشورين في عالم المسكوبية.
الساعة العاشرة ليلا في المسكوبية
رأيت روحي على الحائط
محققون يصرخون
خرجت روحي الى القدس
تحية وبرقية
بقلم/ عيسى قراقع