ليس هناك شك بأن الحصار الشامل الذي فرض على الاقتصاد الفلسطيني يمثل أشد صدمة شهدها هذا الاقتصاد على مدى العقود السابقة, وخلال السنوات التسع السابقة فقط, شهدت الأراضي الفلسطينية تدهورًا غير مسبوق في النشاط الاقتصادي, وجاء ذلك نتيجة طبيعية لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي في فرض حصار شديد على قطاع غزة منذ العام 2007, وسيطرته على أجزاء كبيرة من الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية, بما فيها المنطقة "ج" والقدس الشرقية, واستمرار الاحتلال الإسرائيلي في بناء جدار الفصل العنصري وبناء المستوطنات ومصادرة الأراضي, ومحاولات عزل وتهويد القدس الشرقية ومقدساتها, كما لا يزال الاحتلال يتحكم بمقدرات الشعب الفلسطيني من حدود وأراضي زراعية وموارد طبيعية وأجواء, ويقطع أوصاله ويقيد تجارته وحركته, ملحقًا بذلك الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي.
وإمعاناً في التعنت الإسرائيلي واستمرار سيطرته على الأجواء البرية والبحرية والجوية, ونواياه في خنق الاقتصاد الفلسطيني وشكل خاص في قطاع غزة, تمادت إسرائيل في إجراءاتها القمعية للقطاع, حيث قامت بشن ثلاث اعتداءات متتالية على القطاع تكبد خلالها الاقتصاد الفلسطيني خسائر بشرية ومادية كبيرة, الأمر الذي أدى إلى تعميق المأزق الاقتصادي الفلسطيني, وارتفاع معدلات البطالة وازدياد الفقر, وانخفاض الاستثمار, وزيادة العجز في الميزانية.
وفي هذا السياق يشير التقرير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) إلى أن قطاع غزة قد يصبح غير صالح للسكن بحلول عام 2020 إذا استمرت الحالة الاقتصادية على ما هي عليه, كما أشار التقرير من ناحية أخرى إلى أن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع والاعتداءات الإسرائيلية الثلاثة فتكت بقدرته على التصدير والإنتاج وحطمت بنيته التحية, ولم تترك مجالا لإعادة الإعمار أو الإنعاش الاقتصادي.
وعليه يمكن القول أن الحصار الشامل بكافة أشكاله وأدواته يمثل عقبة أساسية في وجه التنمية, وبالتالي من الصعب وضع خطط تنموية اقتصادية في ظل الحصار, خاصة وأن نجاح عملية التخطيط للتنمية وتنفيذ برامجها تحتاج إلى تحقيق شرط ضروري وهو الاستقرار السياسي والأمني, وحرية الحركة والنفاذ للأفراد والبضائع ورأس المال.
لذا فإن مواجهة الحصار وآثاره القاسية يحتاج إلى وضع الأسس لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة تقضي على الاختلالات الهيكلية وتعمل على رفع مستوى دخل الفرد وتحقيق مستوى رفاهية ملائم للمواطن الفلسطيني, وهذا يتطلب إستراتيجية طويلة المدى قد تمد إلى عقود, بحكم طبيعة العملية التنموية, ولكن على المدى القصير يمكن معالجة الوضع الراهن من خلال آليات آنية وفورية لحماية الشعب ومؤسساته بحيث تشمل إنهاء الانقسام بشكل نهائي وتمكين حكومة التوافق من مسؤولياتها والعمل على فتح المعابر وإصلاح الأضرار وتعويض المتضررين والتركيز على دعم القطاعات الإنتاجية واستغلال المساعدات الخارجية استغلال أمثل والحفاظ على البنى التحتية وحمايتها من التفكك والانهيار والاهتمام بالبرامج الخاصة بتطوير رأس المال البشري والاجتماعي الذي تراجع وتآكل بشدة جراء الحصار وآثاره القاسية.
بقلم //
رائد محمد حلس
باحث في الشؤون الاقتصادية
غــــزة – فلسـطـــين