انعقاد المجلس الوطني؛ الصفيح الساخن فلسطينياً!!

بقلم: حسن عطا الرضيع

تثير قضية إمكانية عقد المجلس الوطني الفلسطيني لدورة عادية في أيام 15-14 سبتمبر للعام 2015 الكثير من التساؤلات والانتقادات والجدال الواسع في الأراضي الفلسطينية حول قانونية هذه الجلسة من جهة والأسباب الرئيسية التي كانت سببا في ذلك ولماذا تعقد في هذه الأثناء الحرجة حيث تفاقم وتعمق الانقسام السياسي وتفرد حركة حماس في السيطرة على غزة وكذلك تفرد حركة فتح بالسيطرة على الضفة الغربية, وتفرد الرئيس محمود عباس للسلطة والمنظمة ومؤسسات السلطة الاقتصادية والمالية؛ حيث لا زال هذا المجلس يثير الدهشة وذلك كونه لم يُعقد منذ العام 1996 منذ أن انتهت زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون وتغيير الميثاق الوطني الفلسطيني, عشرون عاماً مرت ورغم الأحداث الكبيرة التي حدثت في الأراضي الفلسطينية والمفصلية منها فلم يتم عقد أي دورة للمجلس رغم أهميته ودوره في تشكيل لجان منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الرئيسي للشعب الفلسطيني والذي يُعتبر الإنجاز الأهم للفلسطينيين , ولكن مع إنشاء السلطة الفلسطينية في العام 1994 بدأ التراجع في دور المنظمة لصالح مؤسسات السلطة الفلسطينية السياسية والاقتصادية والأمنية؛ وبعيداً عن الآثار الخطيرة المحدقة بتراجع دور المنظمة وتفرد الرئيس وتشكيله لجنة تنفيذية للمنظمة بعيداً عن الإجماع الوطني وعدم تمثيلها للكل الفلسطيني؛ فإن ذلك ينذر بإعطاب وتراجع الموقف الوحدوي والكلي للفلسطينيين إلى قرارات فردية, مما يعني تراجع مساهمة ومشاركة الفلسطينيين سياسياً ويشكل ذلك الضربة الأسوأ في القضية الفلسطينية, أما عن أعضاء المجلس الوطني فلا زالت المعلومات عن ذلك محدودة فيشير البعض أن عدد الأعضاء يبلغ 776 عضواً , قد توفى 150 منهم خلال الأعوام العشرين الأخيرة, ويبلغ متوسط أعمار هؤلاء الأعضاء 75 سنة, راقب الفلسطينيين عن كثب تفاصيل ذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك, حيث تنوع الأسلوب الساخر من ذلك, من التعليقات من يقو ل أن أعضاء المجلس الوطني قد وافقوا على حضور الجلسة في منتصف هذا الشهر وذلك بعد موافقة المجلس على إنشاء عيادة طبية لأمراض القلب والضغط والسكر حيث أن الأعضاء الباقين على قيد الحياة يعانون من أمراض مزمنة إضافة لمن رحل بروحه إلى الرفيق الأعلى, كذلك هناك من غرد قائلاً أن المجلس الوطني الفلسطيني مجلساً شاباً وفتياً وواعداً وحيوياً ويحتاج لعقود لكي يشيخ, وأنه الأكثر إنتاجاً حيث لم يعقدوا جلسات لنقاش أحداث مرت بها القضية الفلسطينية منها قضية حصار غزة والانقسام السياسي الفلسطيني ومعاناة غزة من 3 حروب أودت بحياة الآلاف وأفقدت عشرات الآلاف لفرص عملهم, وتأخر الإعمار ومشاكل الاستيطان بالضفة الغربية واستمرار التهويد ونهب وسرقة موارد الفلسطينيين, ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية وأوضاع فلسطيني الشتات ومحاولة البعض إذابتهم وإلغاء معالم اللجوء إضافة للعديد من التغيرات التي كانت تستوجب عقد جلسات طارئة أو على الأقل جلسات دورية , كذلك لم يعقد هذا المجلس لبحث بعض القضايا بعمق كموضوع الفساد في أجهزة المنظمة والسلطة وتنظيم الاستثمارات والاهتمام بالشأن الاقتصادي سواء بالداخل أو بالخارج, فمثلا لم ينعقد ليبحث عن استثمارات الصندوق القومي الفلسطيني وحجمه وطبيعة أنشطته وكيف يمكن توجيهها للاستفادة منها فلسطينيناً, وحجم استثمارات السلطة في الأراضي الفلسطينية والبالغة حسب إحدى الدراسات 32 مليار دولار منها 2 مليار دولار في داخل الأراضي الفلسطينية والباقي في الخارج, وكيف يمكن إعداد خطط وإستراتيجيات للنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي في الأراضي الفلسطينية, حيث تبلغ استثمارات الفلسطينيين بالخارج قرابة 80 مليار دولار, كما لم يتم لغاية الآن عقد دورات لمعرفة حجم غاز بحر غزة وكيف يمكن الاستثمار به بأيدي فلسطينية وأثر ذلك في نمو الاقتصاد الفلسطيني, حيث تشير بعض التقارير أن عوائد غاز غزة سنوياً تبلغ 3 مليار دولار والكميات المكتشفة تكفي إلى 22 عاماً, في حين أن قطاع غزة ومنذ العام 2006 يعاني من أزمة انقطاع التيار الكهربائي, كما لم يوفر هذا المجلس وسيلة الحكم الصالح والمتمثلة بالإدارة السليمة, والتي لو توفرت كان على الأقل عرف الفلسطينيين حجم استثمارات الصندوق القومي الفلسطيني بالخارج, وماهية الموارد الاقتصادية المتاحة, وكم دولاراً دخل الأراضي الفلسطينية وأين تم استثمارها, وكذلك حجم الأموال التي دخلت غزة والضفة فترة الانقسام السياسي , وأسباب التفرد العقيم لفتح وحماس للسلطة كلا في منطقة سيطرته.
والأهم من كل ذلك ما هي عدد جلسات المجلس الوطني الباحثة غي مسببات البطالة والفقر في الأراضي الفلسطينية وتحديداً التشوه المستمر والمتنامي في سوق العمل, وارتفاع نسب معدلات بطالة الخريجين لحدود قياسية هي الأعلى عالمياً, وفي قطاع غزة تحديداً, إذ يبلغ عدد الخريجين العاطلين عن العمل قرابة 100,000 عاطل, وتبلغ البطالة في صفوفهم قرابة 70% , في ظاهرة هي الأسوأ فلسطينياً مما يعني أننا في كل حفل جامعي لتخريج أفواج من الخريجين أمام واقع مرير عنوانه " زادت نسخة في السوق", و " خريجي غزة باحث ومفكر ", وهذه عبارتين استخدمها واصفا واقع بطالة الخريجين, تلك العبارتين تؤكد حجم المعاناة التي وصل إليها خريجي قطاع غزة, فما أن يتخرج الطالب بعد عناء وجهد وتكاليف 4 سنوات في مرحلة البكالوريوس إضافة إلى 12 عام ما قبل الثانوية العامة تبدأ المأساة؛ من يرى الارتفاع التراكمي والمتنامي لتلك الظاهرة ؛ وتعميمها لتصيب كل أسرة غزية يذهل ويحبط , ومع هذا الإحباط هناك صمت وتراجع وعي للجماهير والقوى الضاغطة وللحراك الناقد للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية , وعليه فإن ما يمكن قوله في هذا الصدد أن متخذي القرار السياسي والاقتصادي في الأراضي الفلسطينية يعانون من عقم مزمن في إيجاد أية حلول أو على الأقل وضع رؤية وتصور عن حلول وفقاً للإمكانات المتاحة, خريجين أصبحوا يمتهنوا مهنتي البحث والتفكير, باحث عن فرصة عمل ومفكر بشكل قصري بالهجرة ؛ هجرة ليست للبحث عن رغيف الخبز بقدر ما هي الهروب من واقع الموت ببطء, بعد سنوات من سلق الضفادع.
وفي الختام أيعقل أن تكون المرأة الفلسطينية عقيمة ولم تنتج وتنجب منذ عقود ؟ واكتفت ببعض الأبناء الهارمين والذين شاخت عقولهم وقلوبهم وفكرهم, أم أنها تعاني من حالة عقم أدت لعدم ضخ دماء جديدة, وفي كل الأحوال تبقى معاناة الفلسطيني الفاقد للأمل والغني باليأس والإحباط رهينة للتجاذبات السياسية وللتناحر على السلطة والثروة والنفوذ وجميعها في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي وتحقيقه لمكاسب جمة من استمرار التيه السياسي والانقسام التي يعاني منه الفلسطينيين الفاقدين للبوصلة, فما تجبيه إسرائيل من احتلالها للأراضي الفلسطينية سنويا 7مليار دولار , وتتفاقم تلك المكاسب مع مرور الوقت ويتراجع بالمقابل مستوي معيشة الفلسطينيين في علاقات لا زالت غير ندية وغير متكافئة أشبه ما تكون علاقات المركز المتقدم بالأطراف الأكثر تخلفاً حيث سياسات للضم والإلحاق وضرب بني الاقتصاد الفلسطيني وإضعافه وبأيدي فلسطينية وخلق واقع صعب تفسيره وأن يتلاءم بكل حرية بالسوق والاقتصاد الإسرائيلي الذي يبلغ متوسط دخل فرده 23 ضعف الفلسطيني, و40 ضعف الفرد في قطاع غزة.

بقلم / حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي_غزة