لا تنتبه وسائل الإعلام العربية، ولا رموز النظام السياسي العربي إلى أن قضية الهجرة الجماعية والفردية، كملف كبير وخطير، مطروحة بقوة منذ الغزو الأميركي للعراق العام 2002، حيث أدى ذلك إلى، هجرة ملايين العراقيين سواء إلى دول الجوار العربي أو إلى دول العالم.
نزيف الهجرة من العراق لا يزال مستمراً حتى الآن، فيما لم يتبق من الفلسطينيين في العراق سوى أعداد قليلة، تمنعها ظروفها من المغادرة، وربما لأنهم يعرفون مصير من سبقوهم.
تتفاقم مشكلة الهجرة العربية، الباحثة عن الأمان، والهاربة من جحيم الصراعات الدموية، والحروب الطائفية، فأصبح عنوانها الرئيس العراق، سورية، والفلسطينيين المقيمين في هذه البلدان.
من يبحث عن عناوين أخرى أقلّ صخباً عليه أن يذهب إلى دول شمال أفريقيا، التي أضيفت إلى تونس والجزائر والمغرب ليبيا، هذه الدول التي تشكل خزاناً دائماً لهجرات غير شرعية.
الدوافع للهجرة الواسعة، لا تعود إلى الفقر، أو أن الهجرات الحالية تشمل، فئات اجتماعية من كافة الطبقات، وربما كان الأغنياء وميسورو الحال، هم الأسبق إليها.
إنه البحث عن ملاذات آمنة للحفاظ على الحياة، وهو أبسط وأول وأهم حقوق الإنسان.
إذا كان السبب معروفاً، فإن المتسببين في هذه الكارثة كثر، تبدأ من السلطات الاستبدادية، إلى الجماعات السياسية لتصل إلى الدول الاستعمارية التي تتباكى على حقوق الإنسان ولكنها تتغذى على دماء ودموع البشر من أجل تلبية مصالحها الأنانية.
الدول التي تتحمل المسؤولية قبل شقيقاتها من دول العالم هي الولايات المتحدة، التي لا تتوقف عن شن الحروب مباشرة، وبالوكالة، وتتصرف على أنها غير مسؤولة، ولا تبدي استعداداً لاستقبال المهاجرين كما فعل العديد من الدول الأوروبية، رغم أنها الأقدر على الاستيعاب.
ثمة مشكلة أخرى تتصل بالدول العربية، سواء منها من يشارك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في خلق المأساة، وصب الزيت على نيران الأزمات والحرائق، أو من ينأى بنفسه عن التدخل، ولكنه قادر على تقديم المساعدة.
المهاجرون ليسوا مجرمين، أو مقاتلين، ولا يحملون فيروس التمرد والثورة، فهم يبحثون عن ملاذات آمنة، ومنهم من يملك القدرة على العمل والإنتاج حين تتوفر لهم الفرصة.
بعض دول الخليج، لديها حاجة لليد الماهرة، ولديها الإمكانيات لاستيعاب الملايين، بدلاً من استقدامهم من دول جنوب شرقي آسيا ومن أفريقيا، أوليس الأقربون أولى بالمعروف؟
دول مثل الجزائر والمغرب، تستطيع استيعاب ملايين أما ليبيا فإنها بمساحتها الشاسعة وامكانياتها وقلة عدد سكانها فإنها قادرة على استيعاب كل المهاجرين.
لماذا لا يفتح السودان، أبوابه لاستقبال اللاجئين، وهو بحاجة ماسة إلى من يساعد في البناء في البلد الذي يفترض أنه سلة غذاء العالم العربي، لكنه لا يستطيع إطعام الجائعين فيه من السودانيين؟
لا أريد أن أستغرق في عرض معانيات المهاجرين، الذين لا يكاد يمر يوم واحد، دون أن تنقل لنا وكالات الأنباء، غرق، ووفاة المئات منهم ثم نسأل لماذا تهاجر العقول العربية إلى دول الغرب الرأسمالي، ويتخلون عن مسؤولياتهم تجاه شعوبهم ودولهم.
الأزمة قديمة جديدة متفاقمة وتشكل وصمة عار على جبين النظام الرسمي العربي، والنتيجة هي أن هجرة الملايين، من شأنها أن تترك الساحة للمتحاربين.
أتعتقدون أن هجرة ملايين العراقيين والسوريين، لا تخدم السياسات الطائفية؟ من لا يصدق عليه أن يفحص وسيجد أن أهل السنة هم الذين يشكلون الأغلبية من المهاجرين.
ينبغي أن يخجل أهل النظام الرسمي العربي، الذين يطأطئون رؤوسهم، والأولى أن يدفنوا رؤوسهم في التراب، حين تبادر أنظمة أجنبية لتقديم المساعدة لملايين ضحايا التخلف والقمع.
في هذا الإطار قرأت تصريحاً صادراً عن مسؤول في السلطة الوطنية يناشد المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل، من أجل السماح باستقبال اللاجئين الفلسطينيين من سورية.
لا أريد أن أذهب بعيداً في البحث عن أبعاد ما يتعرض له، اللاجئون الفلسطينيون، وأين أصبح موضوع حقهم في العودة إلى ديارهم الأصلية.
أنا أنصح المسؤولين الفلسطينيين بالاهتمام بتوفير العوامل المناسبة للحدّ من هجرة الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية، أم انهم لا يعرفون أن هناك ظاهرة متفاقمة، في غياب عوامل الصمود، وغياب المسؤولية، وفي حضور الانقسام وتداعياته الخطيرة.
طلال عوكل
07 أيلول 2015