دعوة المجلس الوطني والتأجيل، النصف المليء من الكأس

بقلم: رشيد شاهين

لا شك ان الدعوة التي وجهها الرئيس محمود عباس لانعقاد المجلس الوطني أثارت الكثير من الجدل في الساحة الفلسطينية، وخاصة بين النخب السياسية والاحزاب والفصائل والمهتمين بشكل عام.

بغض النظر عن الاتفاق او عدمه، المعارضة او الموافقة على قرار ابو مازن فيما يتعلق بدعوة المجلس الوطني، إلا ان الأمر المؤكد، انها حركت الماء الراكد منذ سنين طويلة في الواقع السياسي الفلسطيني.

هذه الدعوة لاقت الكثير من الصخب الحقيقي كما المفتعل، كما لاقت الرفض عالي الصوت والقبول احيانا خلف الابواب المغلقة، كما لاقت في بعض الاحيان مساومات وصلت حد "الرخاصة والابتذال".

برغم كل ذلك، وبرغم كل ما ظهر من مفارقات و"مماحكات" إلا انها اظهرت ان هنالك واقعا فلسطينيا متقدما نسبيا عما يحدث في دول الجوار، واقعا يشير الى ان بعضا أو قليلا من الديمقراطية ما زال موجودا، حالة يمكن المراهنة عليها، والبناء عليها" لمن يريد البناء" من اجل الوصول بها الى اوسع المديات الممكن وصولها.

عدم الاقرار بهذه الحقيقة سوف لن يكون سوى من باب "المناكفة" و"العناد" والمكابرة، غير المستندة الى منطق معقول يمكن قبوله.

ان تأجيل انعقاد المجلس، سوف يكون بمثابة تكريس لحالة من "الديمقراطية الخاصة" في فلسطين، والتي تقول بأن عملية التوافق بين الاطراف كافة، اصبحت ضرورة لا يمكن القفز عليها، وإذا كان هنالك عملية استفراد ما في هذا الشأن أو ذاك، فان هنالك من القضايا التي لا يملك احد الحق ولا يمكنه ان ينفرد بها لانها تعني الكل والمستقبل الفلسطيني، ولأن عملية الاستفراد بها سيضر بالمصالح الوطنية العليا.

من المعتقد با ن الموقف الذي تم الاعلان عنه من قبل الجبهة الشعبية، والذي حسم موضوع عدم مشاركتها، كان على الأرجح هو السبب الأهم في تأجيل انعقاد المجلس إلى وقت لاحق، يتم تحديده بعد ان تتم عملية الترتيب لانعقاد المجلس.

تراجع الرئيس عباس عن عقد الجلسة، "برغم انه لو أراد، كان سيعقدها كجلسة عادية في حال توفر النصاب، وفي حال عدم توفره فانها ستعقد في اليوم التالي كجلسة استثنائية"، يصب في النهاية في مصلحة "الديمقراطية" الفلسطينية ويعززها، كما ويدلل على ان هنالك من القضايا التي لا يستطيعن أحد القفز عليها أو تجاهلها او رميها خلف ظهره وكأنها غير موجودة او غير ذات صلة.

عدم انعقاد المجلس، جاء على ارضية ان الرئيس عباس لم يشأ ان يذهب الى جلسة بينما منظمة التحرير غير منسجمة ومتفقة ومنقسمة على ذاتها، وهذا سيؤدي الى زعزعة مكانتها، الأمر الذي يتمناه وينتظره الكثيرين، كما انه قد يقود الى المزيد من الانقسامات في صفوف حركة فتح، التي لم تكن على قلب رجل واحد فيما يتعلق بعقد المجلس، بحسب جميع المصادر والمطلعين على فتح من الداخل.

تأجيل انعقاد المجلس يجب الا يكون تأجيلا مفتوحا إلى اجل غير مسمى، أو بدون سقف زمني أو أفق محدد، بحيث لا نرى انعقادا له الا بعد عشرين سنة أخرى. ومن هنا فان ما قيل عن ترتتيبات وتجهيزات لعقد جلسة قادمة، يجب الا يطول إلى اكثر من ستة اشهر، خاصة وان بعض القوى كانت قد دعت إلى تأجيل الجلسة لمدة شهر من اجل استكمال الاتصالات والمشاوروات اللازمة لكي يحضر الجميع، جلسة تتعامل مع الواقع الانقسامي واعادة اللحمة الى شطري الوطن، وبحضور حماس والجهاد.

من هنا فاننا نرى ان طلب التأجيل وتشكيل لجان المتابعة والتحضير، يجب ان يترجم الى ورشة عمل شبه دائمة الانعقاد، من اجل تذليل جميع العقبات "برغم عدم يقيننا بانها ستتمكن من ذلك خاصة في ظل التجارب السابقة"، حتى لا يطول انتظار الجلسة القادمة، وبحيث لا يبقى الأفق مفتوحا وبدون نهاية لما قيل عن تحضير واعداد لجلسة قادمة يتم خلالها التعامل مع كافة الملفات الشائكة والاكثر تعقيدا في الساحة الفلسطينية.

بقلم/ رشيد شاهين