روسيا ...والنقلة النوعية في التعامل مع الأزمة السورية

بقلم: راسم عبيدات

روسيا حسمت موقفها بشكل قاطع لا يقبل أي شك او تأويل بأنها تقف الى جانب القيادة السورية والرئيس الأسد في حربهم على الإرهاب،فلا رشاوىِ سعودية او قطرية،او حروب ومقاطعة اقتصادية او تهديدات امريكية بقادرة على تغيير موسكو لموقفها من حليفها الإستراتيجي أو التخلي عنه،وهي لم تكتف بالمواقف النظرية المعلنة،بل انها قالت لزوارها الرسميين العرب،بأنها ستخطو خطوات كبيرة وواسعة في إطار علاقتها في سوريا،فيما يخص محاربة الإرهاب،وهي لن تحاربه على الطريقة البلهلونية الأمريكية،بل ستكون مشاركة فعلية الى جانب الجيش السوري وقوى المقاومة الأخرى في الحرب على تلك العصابات التكفيرية والإرهابية،وروسيا عندما تخطو خطوات عسكرية واسعة تجاه علاقة استراتيجية مع سوريا،فهي تعتبر سوريا بمثابة أمن قومي لروسيا،وبأن الجيش السوري في حربه الطويلة والمستمرة على تلك الجماعات الإرهابية والتكفيرية،إنما يدافع عن امن روسيا في وجه تلك الجماعات الإرهابية التي اختبرتها موسكو في حربها على الإرهابيين الشيشان.

روسيا عندما تصدر توضيحات تندرج في سياق تأكيد عزمها على تشريع نوع من الحضور العسكري في سورية سلاحاً وقواعد تندرج ضمن الانتشار الاستراتيجي من جهة،وتجعل ما هو قائم أقرب إلى انتشار عسكري روسي استراتيجي يشبه الانتشار الأميركي في الخليج وتركيا وأوروبا،وهذه الخطوة النوعية الروسية في علاقتها مع سوريا والمشاركة فعلية الى جانب الجيش السوري في محاربة الجماعات الإرهابية،تعني كسر قواعد اللعبة على الأراضي السورية،وهي كذلك تثير قلق دوائر القرار الإسرائيلي والأمريكي الأوروبي الغربي،فامريكا طلبت من اليونان والمجر منع الطائرات الروسية التي تحمل المساعدات من إستخدام اجوائها للمرور الى سوريا.
القرار الروسي اتخذ بالمشاركة العسكرية لتسريع الحسم العسكري من خلال عملية عسكرية واسعة يجري التنسيق لها مع طهران وقوى المقاومة الأخرى وعلى رأسها حزب الله،حيث أن روسيا ضاقت ذرعاً بالمماطلة الأمريكية ومشيخات النفط العربية (قطر والسعودية) ومعهم تركيا من الحل السياسي في سوريا،ومن الطريقة البلهوانية الأمريكية في الحرب على "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرها من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية والتي تثبت من جهة عدم جدية الموقف الأمريكي ومن جهة اخرى فشل هذه السياسة الأمريكية.

روسيا تقول بأنها ستعطي كل الأطراف المتورطة في الحرب على سوريا مهلة حتى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل للانخراط في التسوية المقبلة في سوريا، والتي تحظى بموافقة دول رئيسية في العالم".
المسؤولين العرب لم يخفوا ذهولهم من الرد الروسي،بأنها ستحارب الى جانب الجيش السوري الجماعات الإرهابية والتكفيرية،وستزود سوريا باحدث الأسلحة،وستعمل على إقامة قواعد عسكرية روسية هناك،والذهول والهلع والخوف لدول الجوار العربي لسوريا نابع من الخوف على انظمتهم ودولهم،حيث ان تلك الجماعات الإرهابية التي إحتضنوها ومولها وزودها بالأسلحة وبالمعلومات الإستخبارية ووفروا لها الملاذ والقواعد الآمنة من اجل ممارسة القتل والتدمير في سوريا،سيكون فرارها تجاه أراضيهم ودولهم،وبما يزعزع امن دولهم وعروشهم وإستقرارهم.

في ظل هذا التطور والنقلة النوعية الإستراتيجية الروسية في التعاطي مع الأزمة السورية، فسوريا ليست فقط تؤمن لروسيا حضوراً بحرياً على البحر المتوسط،بحيث يكون مدخلها القوي الى أمن شمال افريقيا واوروبا،بل اهمية سوريا تتأتى من موقعها وحدودها المشتركة ودورها المحوري في الحرب على الإرهاب والتوازنات في التحالفات.

الخطوة النوعية الروسية هذه أحدثت حالة من القلق والخوف عند الأطراف المشاركة في العدوان على سوريا والداعمة للتنظيمات الإرهابية على أرضها،فالسعودية يزداد غرقها في المستنقع اليمني،وبحاجة الى من ينزلها عن قمة الشجرة التي صعدت إليها،وخصوصا انها بعد أكثر من خمسة شهور من العدوان المتواصل على فقراء اليمن،لم تفلح في تحقيق أية إنجازات جدية،تفرض على اليمنيين من جماعة أنصار الله "الحوثيين" وغيرهم من المركبات السياسية اليمنية القبول بشروطها للتسوية،بل نرى ان خسائرها البشرية هي ومن يسمون بقوات التحالف العربي في إزدياد مستمر،في حين تركيا بعد سحب "الباتريوت" من قبل امريكا وألمانيا من منطقة الحدود السورية – التركية،ورفض إقامة ما يسمى بالمنطقة العازلة في الشمال السوري،وتصاعد المقاومة من جانب حزب العمال الكردستاني،فإن ما ينتظر أردوغان وحزب العدالة والتنمية التركي المزيد من الخسارة في الإنتخابات المبكرة التي ستجري في تشرين ثاني القادم.
في حين نرى بأن مشيخة قطر تبحث لها عن دور،يسلط عليها الأضواء مجدداً،فهي أينما تحل يحل الخراب،حيث هي تريد ان تنقل الفوضى الى الساحة اللبنانية من خلال دعمها لواحدة من مجموعات الحراك الشبابي هناك جماعة "ريحتكم طلعت"،فهي تحاول استثمار تلك الجماعة خدمة لأهدافها في أخذ لبنان الى خانات الفوضى،وكذلك إثارة الفتنة الطائفية في سوريا،من خلال قتل أحد أبرز قيادات الموحدين الدروز الشيخ وحيد بلعوس،من قبل عضو فيما يسمى بجبهة النصرة الممولة من قبل قطر،وهي كذلك تقوم بمثل هذه الأعمال والممارسات من أجل وضع العصي في دواليب الحوار اللبناني،ومنع حدوث أي تسوية للملف اليمني،حيث تجري محادثات ومباحثات في مسقط من أجل إيجاد تسوية هناك،تسوية توافق عليها القوى السياسية الأساسية في اليمن وفي المقدمة منهم جماعة انصار الله "الحوثيين".
واضح بأن روسيا ستنزع "قفازيها "الناعمين وتكسر قواعد اللعبة العسكرية في سوريا،من خلال مشاركة روسية فاعلة وميدانية الى جانب الجيش السوري في الحرب على الإرهاب وتنظيماته في سوريا من "قاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و"جبهة نصرة" وغيرها،بالإضافة إلى إقامة قواعد عسكرية روسية على الأراضي السورية،تمكنها من الدفاع عن مصالحها وامنها.

 

بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين

9/9/2015
0524533879
[email protected]