عارنا فى الأقصى

بقلم: فهمي هويدي

عارنا سجلته الصور وعممته وكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي على الكرة الأرضية هذا الأسبوع.

 إذ رأينا الدمار الذي أحدثته غارات المستوطنين داخل المسجد الأقصى منذ يوم الأحد الأسود ١٣/٩،

 كما شاهدنا صور المرابطين والمرابطات الشجعان من أبناء وبنات فلسطين ٤٨ وهم يتهيأون لصد الغارات،

 حيث افترشوا الأرض واحتفظ كل واحد منهم إلى جانبه بكومة من الحجارة ليذود عن حرمه الأقصى وكرامته، في مواجهة المهووسين المحروسين بالشرطة الإسرائيلية المدججة بالسلاح وبرعاية حكومة الدولة العبرية.

نيابة عنا جميعا، عن المليار مسلم، اختار أولئك الرجال والنساء أن يرابطوا داخل المسجد وان يحموه بمناكبهم وأجسامهم.

 حدث ذلك في حين وقفت العواصم العربية متفرجة، واكتفى بعضها بإصدار بيانات الاستنكار ونداءات الاستغاثة، التي غدت إشهارا للإفلاس وتعبيرا عن العجز عن الفعل.

قديمة قصة استهداف الأقصى ومحاولة الانقضاض عليه وانتهاك حرمته تذرعا بأسطورة إعادة بناء هيكل سليمان مكانه أو في باحته،

 لكنها تجددت هذا الأسبوع بدرجة عالية من الجرأة والوحشية في مناسبة بدء السنة العبرية الجديدة.

إذ دعت المنظمات اليهودية المتطرفة التي تطلق على نفسها «منظمات الهيكل» أنصارها للمجيء إلى ما أسمته «جبل الهيكل» أي باحات الأقصى صباح الأحد ١٣/٩ للاحتفال بالمناسبة.

وهى الذريعة التي أدرك الفلسطينيون أنها تمهيد للتقسيم الزمان للأقصى (قالها علنا وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان) بمعنى تخصيص أوقات معينة لليهود لكي يؤذوا طقوسهم وصلواتهم الدينية في باحته.

 لكي يطور ذلك في المستقبل ويتم تقسيم المكان بين الطرفين، على غرار ما سبق حين اتبع الأسلوب ذاته في تقسيم الحرم الإبراهيمي بالخليل بين اليهود والمسلمين.

لمواجهة مخطط الغارة تنادى المسلمون يوم السبت واحتشدوا حول الأقصى وتحصنت أعداد منهم بداخله من مجموعات المرابطين الذين قرروا أن يتصدوا للغزاة.

وكانت عناصر الشرطة الإسرائيلية وحرس الحدود والشاباك (المخابرات) قد توزعت على بوابات المسجد بعد منتصف الليل، ومنعت المصلين دون الخمسين من الدخول لصلاة الفجر.

كما احتجزت بطاقات آخرين سمحت لهم بالدخول وأمرتهم بمغادرة المسجد بعد انتهاء الصلاة.

وفى الساعة السابعة صباحا بدأت مجموعات اليهود في الدخول إلى باحات المسجد بزعم أنها «سياحة أجنبية»،

وكانت الشرطة الإسرائيلية قد قامت بطرد الحرس الأردني الموجود بالمكان لأول مرة، رغم أن إسرائيل منذ وقعت معاهدة سلام مع الأردن عام ١٩٩٤ تعترف بإشراف المملكة على المقدسات الإسلامية في القدس،

حدث ما كان متوقعا. إذ اشتبك المرابطون في الداخل مع جموع المقتحمين.

 الأولون لا يملكون سوى الأحجار التي جمعوها،

في حين أن الآخرين مسلحون بالهراوات والرصاص المطاطي وقنابل الغاز السام المسيل للدموع، إلى جانب قنابل الصوت.

تحولت باحة المسجد القبلي بالأقصى إلى ساحة قتال، لم تهدأ وتيرته إلا في الساعة الحادية عشرة صباحا، وهو الموعد الذي حدده الإسرائيليون للانصراف،

 إذ أرادوا أن يكون لهم الحق في أداء طقوسهم اليومية ما بين السابعة والحادية عشرة كل يوم.

في المعركة سقط ١١٠ فلسطينيين جرحى، وتم إحراق أو إتلاف ٣٢ نافذة للمسجد،

 كما دمر أحد أبوابه، واحترق السجاد في ١٢ موقعا.

ونقل عن رضوان عمران رئيس قسم المخطوطات والتراث بالأقصى أن الدمار الذي حدث لا يمكن إصلاحه وإعادة المسجد إلى حالته الطبيعية قبل مضى ثلاث سنوات.

منذ ذلك الوقت وطوال الأسبوع استمرت الاقتحامات والاشتباكات، بالمقابل يتولى المرابطون والمرابطات مراقبة مداخل الأقصى،

وحين يشتبهون في الداخلين فإنهم يرفعون أصواتهم بالنداء «الله أكبر»،

ومن ثم يتجمعون لقطع الطريق عليهم والاشتباك معهم لمنعهم من ممارسة الطقوس داخل المسجد،

وفى تقرير نشرته صحيفة «الحياة» اللندنية ذكرت إحدى المرابطات، اسمها سناء الرجبي، «نحن قلقون على الأقصى لأن إسرائيل ترغب في إفراغه مثلما ترغب في إفراغ مدينة القدس من المسلمين، وإذا كنا لا نذهب للصلاة عند حائط المبكى، فلِمَ يجب أن يصلوا هم في الأقصى؟».

في حين تتسارع خطى تهويد مدينة القدس، فإن ما حدث يوم الأحد الماضي وتكرر بعد ذلك يعد أولى خطوات تهويد المسجد الأقصى، بتقسيمه بين المسلمين واليهود.

وقد ذكرت وسائل الإعلام أن اعتداءات اليهود تشكل أكبر عملية تخريب للأقصى منذ عام ١٩٦٩، الذي جرت فيه محاولة إحراق المسجد، وهو ما أثار غضب العالم العربي والإسلامي آنذاك وأدى إلى عقد القمة الإسلامية، التي أنشأت ما يعرف حاليا بمنظمة التعاون الإسلامي.

لقد أرادت إسرائيل في مناسبة رأس السنة العبرية أن تعلن على الملأ ليس فقط سيادتها على القدس، وإنما أيضا التأكيد على أن مفاتيح المسجد الأقصى بأيديها، وإنها هي التي تقرر وتنظم حق العبادة فيه.

من ثم فما جرى ليس مغامرة لمجموعة من المتطرفين الصهاينة، وإنما هو إحدى حلقات التهويد والهيمنة التي تستثمر أجواء الانكفاء والانبطاح المخيمة على الفضاء العربي.

وهو ما أصابنا بإحباط يدفعنا إلى المراهنة على المرابطين والمرابطات الذين يحرسون الأقصى ويدافعون عه بمناكبهم وبقطع الحجارة، بأكثر من المراهنة على النظام العربي الذي أصبح لافتة بلا معنى أو مضمون.

حتى الآن سمعنا كلاما من بعض العواصم العربية ولم نر فعلا، في تأكيد لفكرة «الظاهرة الصوتية» التي أصبحت إحدى عاهات عالمنا العربي.

وقد قرأنا أن السيد محمود عباس قال إن تهويد الأقصى «لن يمر»، ولم يقل لنا كيف؟

 ــ والسؤال مطروح على كل الزعماء العرب، خصوصا الذين يمثلون دولا لها علاقة بإسرائيل، حيث لم يعد مقبولا منهم أن يكتفوا بالشجب والاستنكار، ولديهم فرصة أوسع بكثير للتعبير عن غضبهم وغيرتهم.

بقلم/ فهمي هويدي