لكي لا تتحول "فتنة بيت لحم" الى "فتنة " أعم وأشمل

بقلم: راسم عبيدات

بداية قبل أن نتطرق الى "فتنة بيت لحم" والتي قد تقود معالجاتها الخاطئة،او محاولة تبسيطها وتسفيهها الى مجرد خطأ او تصرف فردي في ظل سيادة نظرية القاع النسبي بين طرفي الإنقسام (فتح وحماس)،إلى تطور وتصاعد الأوضاع والإحتقان الداخلي،ونقل حالة الصراع من الإشتباك مع العدو الجاثم على صدورنا إلى صراع داخلي مدمر،والى "فتنة" أعم وأشمل،وهذه النظرية بلغة الصديقة ريما المسروجي، قائمة على اعتبار أي تحرك جماهيري ضد سلطتيهما ومشروعهما الخاصين من قبل الجماهير او قوى حزبية أخرى،هو تحرك "مشبوه" وله اهداف واجندات ليست "وطنية"،على اعتبار ان مشروعيهما يتصفان ب"القداسة"،وما يمارس من قبلهما على صعيد الهم الوطني العام أو على الصعد الإقتصادية والاجتماعية والخدماتية ،هو فقط هدفه الأول والأخير "المصالح الوطنية العليا" للشعب الفلسطيني،بدلالة إحتدام الصراع بينهما على سلطة منزوعة الدسم منذ سبع سنوات،ولذلك لا يحق للجماهير والقوى الأخرى القيام بأية تحركات أو اعمال او نشاطات او فعاليات،سواء كان هذا الفعل او التحرك على شكل احتجاجات شعبية وجماهيرية على ظواهر ومسلكيات وتصرفات أو اجراءات او مس بالحقوق والحريات تقوم بها عناصرها وأجهزتها الأمنية وغيرها مثل مأسسة الفساد والهيمنة والتفرد في القيادة والقرار،أو التظاهر ضد سياسات وإجراءات تمس بحقوق الناس في الجوانب الإقتصادية او الإجتماعية او حالة الهبوط والبهتان في المواقف السياسية،او تقديم المصالح الخاصة والفئوية والأجندات والعلاقة بالمحاور والتحالفات العربية والإقليمية على المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني،أو عدم التعبير عن نبض الشارع وهموم الجماهير في مرحلة العدوان على شعبنا الفلسطيني،سواء في القدس او الضفة او القطاع،في إطار النكاية او المناكفة وغيرها،حيث كل طرف لديه جوقة من المطبلين والرداحين الذين سرعان ما ينبرون للدخول في جولات من التحريض والردح والإتهامات بالتخوين والتفريط والتنازل او خدمة هذا الطرف او ذاك،والدفاع هنا،ليس بغرض الدفاع عن الجماهير ومصالحها وحقوقها،فالدفاع هنا بقصدي حماية المشروع الخاص والمصالح والإمتيازات ولا علاقة للمشروع الوطني بذلك لا من قريب او بعيد.وفي إطار ردات الفعل تلك وخصوصا من قبل من هم ناطقين باسم هاتين الجهتين،تجد بأن هناك غياب كلي للمودة السياسية،وبأن الحقد الداخلي والكراهية تتغلب على الحقد على الإحتلال والثورة والتحريض عليه او الكره له،وما يقوم به ويرتكبه من جرائم بحق شعبنا.

ما حدث في بيت لحم ليس مجرد خطأ امني او سلوك خاطىء إنتهى باتخاذ العقوبة الإدارية،وكون هذه العقوبة بحجم الخطأ او الجرم المرتكب ام لا،وما هي الأسباب والدوافع لمثل هذا السلوك والتصرف،لكي يؤدي الى فعل او عمل غير وطني ،في ظل وضع يفترض فيه ان تكون اجهزة الأمن حامية للوطن والمواطن،وخصوصاً بأن الجماهير مشاعرها محتقنة ومن الضروري ان تكون جزء من فعل إسنادي لهجمة شاملة يتعرض لها المسجد الأقصى،وواجب القوى الأمنية ان تفسح المجال لها للتعبير عن مشاعرها.

ما حصل لا يمكن من خلال "البروباغندا" وضخامة الإمكانيات والسيطرة على فضاء الإعلام تحميله للقوى السياسية لكونها مارست حقها في الإحتجاج على ما حصل، وما تبع حالة الإحتجاج من بعض السلوكيات الخاطئة التي جاءت كرد ونتاج لما قامت به الأجهزة الأمنية من إطلاق للنار في المخيم.

فما قامت به الأجهزة الأمنية،هو جريمة سياسية وامنية واخلاقية لا يجوز لأي كان ان يبررها او يختزلها بمجرد حادث فردي او عرضي.

في جريمة بيت لحم ، جريمة الإعتداء على الفتى حمامره،علينا ان نقف بشكل جدي على أسبابها ودوافعها الحقيقية،وطبيعة التعبئة السياسية التي باتت مسيطرة على ثقافة الأجهزة الأمنية في ظل الإنقسام والإختلاف السياسي،والتي تخون الآخر ولا تعترف بحقه بالنقد أو التعبير عن وجهة نظره،فهي تعتبر نفسها المالك للحقيقة دون غيرها،وطبعاً هذا معمول به هنا وفي القطاع،وتبرير القمع واستخدامه مرتبط بما يمارسه الطرف الآخر للإنقسام،فهو مصدر تبريره وإستخدامه للعنف.

حسنا ًفعلت فصائل بيت لحم في نزع فتيل الأزمة،لكي لا تتطور الأوضاع نحو الأسوء،ولكن المعالجة لمثل هذه الأزمة بالضرورة ان يكون سياسياً ومن قمة الهرم السياسي القيادي الفصائلي،لأن ترك الأمور في حالة من الغليان والإحتقان قد يدفع بها الى انفجار لا تحمد عقباه،وخصوصاً ان اكثر من ظاهرة وإشكالية حدثت وفي اكثر من منطقة،ولم تجري لها معالجات جدية لها من رفح وحتى جنين،بفعل التجاذبات والصراعات السياسية،والساحة الفلسطينية تعيش حالة محتقنة،ليس فقط بفعل إجراءات الإحتلال وممارساته وجرائمه،بل الأخطر هو ما يحدث في الداخل،حيث التجاذبات والصراعات الداخلية على أشدها،وكل طرف يسعى لكي يجد حواضن وغطاء لمن هم محسوبين عليه او ممولين منه.

الان نحن على مفترق طرق وتتعالى الدعوات في الساحة الفلسطينية،من اجل بناء استراتيجية جديدة،إستراتيجية تقوم على إحداث حالة قطع مع النهج والخيار السابق،بحيث يجري العمل كجزء من هذه الإستراتيجية وتنفيذاً لقرار المجلس المركزي في (4 +5) من العام الحالي وقف التنسيق الأمني مع الإحتلال واجهزته الأمنية،وهذا يعني بأنه يفترض ان يكون هناك تلاحم ما بين القوى والجماهير وهذه الأجهزة،لأنه حينها يصبح الجميع في دائرة الإستهداف من قبل الإحتلال.

لذلك حري بكل القوى ومنظمة التحرير والإطار القيادي المؤقت أن تعمل على وضع حلول جدية وجذرية لمثل هذه الإشكالات والخلافات فعوامل التفجير قائمة،يغذيها الإنقسام والتحريض والتحريض المضاد والمناكفات،و"الهوبرات" الإعلامية،والفزعات العشائرية والفصائلية،ولعل "فتنة" بيت لحم كشفت الكثير،فهناك من وصف رداً على تصريحات عضو اللجنة التنفيذية تيسير خالد وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية،تيسير خالد وتنظيمه بانهم مجموعة من "الطراطير"، وكذلك،هناك من تعرض بالشتم والقذف للشهداء الحكيم وابا علي مصطفى وهذه اللغة الخشبية التي تعود عليها البعض هنا وفي غزة،يجب ان لا تسود في الساحة الفلسطينية،فالتسييد هنا يعني المزيد من الشرذمة والإنقسام،ونشوء ظاهرة المليشيات العصبوية،وتغيب وتعطيل لغة القانون والمحاسبة،ويصبح الكل يغني على مواله.

والخطر قادم ومن لا يراه يصبح شريكاً في الخطايا المقبلة.

بقلم/ راسم عبيدات