لعنة أوسلو… حقائق لم تُنشر والتحدي للنرويج!

بقلم: فايز رشيد

13 سبتمبر2015 مرّت الذكرى 22 لاتفاقيات أوسلو المشؤومة. إنها أول اتفاقيات (عددها8) رسمية مباشرة بين إسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس.
شكلّ إعلان المبادئ والرسائل المتبادلة نقطة فارقة في شكل العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل"، التزمت بموجبها الأطراف بالآتي (بالترتيب):
-
التزمت منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة "إسرائيل" في العيش في سلام وأمن، والوصول إلى حل لكل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة من خلال المفاوضات، وأن إعلان المبادئ هذا يؤسس لحقبة خالية من "العنف"، وطبقا لذلك فإن منظمة التحرير تدين استخدام "الإرهاب" وأعمال "العنف" الأخرى، وستقوم بتعديل بنود الميثاق الوطني للتماشي مع هذا التغيير، كما سوف تأخذ على عاتقها إلزام كل عناصر أفراد منظمة التحرير بها، ومنع انتهاك هذه الحالة وضبط المنتهكين.
-
قررت حكومة "إسرائيل": أنه في ضوء التزامات منظمة التحرير الفلسطينية تلكالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني(ولم يُكتب تعبيرالوحيد!)، وبدء المفاوضات معها.
-
كما وجه رئيس المنظمة رسالة إلى رئيس الخارجية النرويجي آنذاك يوهان هولست يؤكد فيها: أنه سيضمّن بياناته العلنية موقفا لمنظمة التحرير تدعو فيه الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى: الاشتراك في الخطوات المؤدية إلى تطبيع الحياة ورفض العنف والإرهاب والمساهمة في السلام والاستقرار.. والمشاركة بفاعلية في إعادة البناء والتنمية الاقتصادية والتعاون. وينص إعلان المبادئ على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطينية (أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية) في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات… يتم خلالها انتخاب مجلس تشريعي.. على طريق الوصول إلى تسوية دائمة بناء على قراري الأمم المتحدة 242 و338.. بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية. كما نصّت الاتفاقية، على أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية لاحقا، بما فيها.. القدس، اللاجئون المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين.. فهذه سيتم التفاوض عليها بين الجانبين مستقبلا.
-
تبع هذه الاتفاقيات المزيد من الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات، مثل اتفاق غزة اريحا وبروتوكول باريس الاقتصادي اللذين تم ضمهما إلى معاهدة تالية سميت بـ"أوسلو 2".
إنه الاتفاق الكارثة، الذي لا بد أن تتضافر الجهود لتعبئة رأيٍ عام فلسطيني وعربيّ دائم… من أجل تمزيقه، كما سبق أن مُزّقت كلّ المعاهدات الاستعمارية الظالمة التي فرضت على أقطارنا العربية بعد الحرب العالمية الأولى.
إن سؤالا طبيعيًّا يظهر في الواقع، قبل سؤال مجموعة التفاوض الفلسطيني حول إنجازات اتفاق الخطيئة السياسية المسماة بـ"أوسلو"، سيجعلهم يقرون داخليًّا بالقيد الذي ألقوا شعبنا الفلسطيني في دياجير ظلامه عن سبق إصرار وتعمّد، وهم بذلك يظهرون غير معتبرين بالتاريخ ولا بالجغرافيا، ولا بدلائل الواقع وحركة الشعوب.. إن "أوسلو" وبعد اثنين وعشرين عامًا تضع هؤلاء الذين لم يمثلوا إرادة الفلسطينيين المناضلة والحرة…على لائحة الاتهام الدائم، بما اقترقوه من جريمة بحق شعبنا ونضالنا وتاريخنا وقضيتنا الوطنية وحقوق شعبنا.
حقائق أخرى في اتفاقيات أوسلو:
أولا: أن الاتفاقيات تعتبر أسوأ من "وعد بلفور" و"صك الانتداب" و"قرار التقسيم للجمعية العامة عام 1947"، فالوعد المشؤوم نصّ على "من أجل تحقيق هذه الغاية- إقامة مقام قومي للشعب اليهودي في فلسطين- يتوجب الفهم جليا أن ذلك لن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية، التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني المقيم في فلسطين". أما قرار عصبة الأمم فقد نصّ على "أن الأرض الفلسطينية هي وحدة إقليمية واحدة ولا يجوز تأجير أي جزء منها". قرار التقسيم أعطى شعبنا الفلسطيني "نصف دولة"بينما اتفاق أوسلو لم يُعطنا سوى الكوارث! ولم ترد فيه نصوص مطلقا عن أيّ حق من حقوق شعبنا! عدا عن أنه قسّم فلسطين إلى خمسة أجزاء: المنطقة المحتلة عام 1948، المناطق المحتلة عام 1967، مناطق الضفة الغربية "A". "B" ."C".. وبذلك قسمت اتفاقيات أوسلو فلسطين بشكل أكثر سوءا من التقسيمات الأولىرغم أن القيادات الفلسطينية لم تفاوض لا في وعد بلفور، ولا في صك الانتداب ولا في قرار التقسيم… فاوضنا في أوسلو… كان الوفد الفلسطيني على هامش الهامش… وكانت هذه النتيجة!؟ بمعنى آخر: عندما استلمنا زمام أمورنا، فرّطنا في كل فلسطين! تصوروا!؟.
ثانيا: نود سؤال الوفد الفلسطيني المفاوض في كل من المفاوضات السرية أو العلنية في أوسلو وواشنطن، أين شعار "الحرية والاستقلال" الذي طالما تغنيتم به، وفرّطتم فيه بتوقيع اتفاقيات أوسلو؟ ونعرف أكيدا أن كل المستشارين القانونيين الذي اصطحبتموهم في بعض من الجلسات العلنية في واشنطن فقط (وليس في أوسلو!)… نصحوكم بمذكرات قانونية أرسلت إليكم.. بعدم توقيع الاتفاقيات! ورميتم بنصائحهم في سلة مهملاتكم! ولهذا واحتجاجا على ذلك استقال رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض حينها الدكتور حيدر عبد الشافي.
ثالثا: أعطيتم شعبنا نوعا هشّا من الحكم الذاتي، اسمه الحركي "حكم ذاتي"، لكنه في الحقيقة ليس حكما ذاتيا بل "إطارا لخدمة الأمن الإسرائيلي".. والدليل هو: أن السويد أعطت 50 ألفا من الاسكيمو التابعين لها (في جزيرة غرينلند) حكما ذاتيا ولما جرى اكتشاف النفط فيها منذ خمس سنوات اشترط القائمون على الحكم الذاتي من الاسكيمو، أخذ حصة من مبيعات نفط مناطقهم! بينما ما يسمى بـ"الحكم الذاتي الفلسطيني" لا يمون ولا يمكنه التصرف بالموارد الطبيعية الفلسطينية، لأن اتفاقيات اوسلو حددت السيادة الفعلية على الأرض المحتلة عام 1967 وما تحتها وعلى معابرها وفي سمائها بالكيان "الإسرائيلي" .
رابعا: يؤكد يوئيل زينغر الذي كان مستشارا قانونيا لشيمون بيريز إبان تسلمه لرئاسة وزراء الكيان (كما مؤلفات كثيرة.. منها مؤلف تبنته الجامعة العبرية وصادر عن دار اوكسفورد في لندن): أن مرجعية اتفاقيات اوسلو هي الحكم العسكري الإسرائيلي.
خامسا: إن شرطا من شروط اتفاقيات أوسلو (جرى تثبيته في الملحق رقم 3) يتمثل في عدم مكافحة الفساد والعملاء "لإسرائيل" في السلطة الفلسطينية (تماما كما التنسيق الأمني في الملحق رقم 2).. وعلى هذا الأساس فإن "لجنة مكافحة الفساد" التي تم تشكيلها في عهد الرئيس الراحل عرفات، واستمرت حتى اللحظة لم تصدر تقريرا عما هي مكلفة به، ولم تتم محاكمة شخص من الفاسدين مطلقا. الأمر الذي يؤكد أن الرؤية "الإسرائيلية" للفساد والعملاء لها في السلطة.. شرطان وجوبيان لتنفيذ الاتفاقيات المشؤومة في اوسلو، حيث أصبحت الاتفاقيات "طريقة لتوطيد الفساد وتسييد الكساد" في السلطة الفلسطينية.
سادسا: إن منظمة التحرير الفلسطينية مثّلت ولا تزال شرعيتين، الأولى: شرعية الثورة، أما الثانية فهي الشرعية الدولية (اعتراف أكثر من 142 دولة من دول العالم بها!) اما شرعية اتفاقية أوسلو فهي مثلما قلنا: مرجعية الحكم العسكري الصهيوني للاراضي المحتلة.. المنظمة تبقى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. لهذا السبب جرى ويجري تهميش مقصود لـ "م .ت.ف" لصالح إظهار السلطة.
سابعا: إن حركة حماس بمشروعها للتهدئة طويلة الأجل، فإنها بالمعنى الفعلي تدخل مطب اتفاقيات أوسلو.
ثامنا: إن اتفاقيات اوسلو قتلت المناعة العربية من العلاقة مع الكيان فنحن من اعفيناهم (العرب) من الحرج منها.. فهم لن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، مثلما يقول المثل.. ولهذا بدت محادثات انور عشقي مع دوري غولد شبه "طبيعية"! ولولا اتفاقيات أوسلو لما جرؤت حكومة عربية على المجاهرة بعلاقاتها مع "إسرائيل".
تاسعا: دخلت الحركة الصهيونية من مرحلة القتل الذي تقترفه ضد ابناء شعبنا، كما مرحلة المذابح وهدم البيوت ومصادرة الارض والاستيطان والاغتيال، وانتقلت إلى مرحلة اقتراف المحارق (الهولوكوست) ضد الفلسطينيين… لقد حاصروا الرئيس عرفات لثلاث سنوات في المقاطعة ودسّوا له السم. بمعنى ألا اتفاقيات مع الكيان كفيلة بردعه، وأن النهج الذي يمكن التعامل به معه.. هو نهج المقاومة المسلحة (المقرّة شرعيتها بقرارين واضحين من الأمم المتحدة – القرار رقم 3034 الصادر بتاريخ 8 ديسمبر 1972، والقرار رقم 3314 الصادر في 14 فبراير 1974).
عاشرا: لكل ذلك المطلوب قتل اتفاقيات اوسلو عشرات المرّات.
حادي عشر: وكدليل على حرص الحركة الصهيونية وتمثيلها السياسي "الكيان الإسرائيلي"، تم التآمر بين الموساد وجهات مخابراتية نرويجية لسرقة ملفات الاتفاقيات من إرشيف الخارجية النرويجية من مبنى الوزارة! ولم يعد باستطاعة أي باحث العثور عليها، ونتحدى الخارجية النرويجية إعادة إظهارها وإتاحة المجال لدراستها من قبل الباحثين! وهذا دليل على مدى سوئها للفلسطينيين بالشكل الذي لا يريد الكيان إظهار نصوصه السريّة للفلسطينيين والعرب العاديين.
ثاني عشر: ما تشترطه "إسرائيل" على الفلسطينيين والعرب ليس الاعتراف بـ"يهودية دولتها" وإنما "بأنها دولة الشعب اليهودي" والتعبيرالأخير تتقصد منه إعطاءها الضوء الأخضر مستقبلا لإجراء ترانسفير للفلسطينيين من أرضهم، خاصة من منطقة 48، ومطالبة الفلسطينيين والعرب بتعويضات عن مرحلة وجودهم فيها! تماما مثلما تطالب "إسرائيل" الدول العربية حاليا بدفع 4 مليارات دولار عن "حقوق اليهود العرب"، التي تدّعي (أنه جرى ترحيلهم عنوة إلى "إسرائيل")! كما تمت إثارة مسألة "حقوق اللاجئين اليهود" على هامش الدورة 68 للجمعية العامة للأمم المتحدة،أي قبل عامين.
ثالث عشر: إن اتفاقيات أوسلو اعتبرت الثورة الفلسطينية والنضال الفلسطيني "إرهابا"… التوقيع الفلسطيني عليها يعني اعترافا فلسطينيا ضمنيا بذلك! أي أن تاريخ ثوراتنا كله كان "إرهابا".
رابع عشر: إن القمع الذي تمارسه شرطة السلطة الفلسطينية ضد مظاهرات شعبنا في استنكاره للهجمة الدموية الصهيونية على الأقصى حاليا.. يعود في أحد جوانبه إلى مقتضيات نصوص الاتفاقيات المشؤومة، تماما كما التنسيق الأمني الذي تُلزم به "إسرائيل" السلطة الفلسطينية!
أشبّه لعنة اتفاق أوسلو بلعنة الفراعنة التي تصيب كل من يحاول الاعتداء على تراثهم حتى اللحظة! لعنة اوسلو أشدّ مرارة من لعنة الفراعنة… فالاتفاق هو اعتداء صارخ على حقوق شعبنا الوطنية وهو لم يُصب بلعنته فقط من وقعوه.. وإنما ستصيب اللعنة كل من تعامل ويتعامل أو سيتعامل معه سابقا والآن ولاحقا… مع فارق واحد… أن شعبنا العظيم سيُسقط هذا الاتفاق الكارثة.
كاتب فلسطيني

د. فايز رشيد