تقاس درجة تقدم المجتمعات بمدى تأثير الرأي العام فيها، وإمكانية اختيار ممثليها عبر صناديق الاقتراع أو عزلهم عبر أول عملية انتخابية، وقد تعطلت الحياة السياسية في فلسطين بسبب عدم التقاء الأحزاب الكبيرة عند نقطة الوطن. إن تغليب المصلحة الحزبية على مصلحة الوطن أدت إلى تعطيل المسار الديمقراطي وإدخال الحالة الفلسطينية في غياهب التيه والتراجع والانحدار.
إن المتتبع لمسيرة القضية الفلسطينية يراهن بان الانقسام يأتي في درجة خطورة متقاربة لنكبة 1948 وتداعياتها وهزيمة 1967 وتأثيراتها السلبية التي ترافق الأجيال المتلاحقة. حيث هنا الجرم مضاعف والخطأ ذاتي، وقد حقق الفكر الإسرائيلي هدفاً استراتيجياً بأيد فلسطينية، سواء بوعي منا أو بغير وعي، ونال منا اكبر مبتغاه وهو الفصل جغرافياً وسياسياً بين غزة والضفة! لن يهم كثيرا من اخطأ و أين اخطأ. لن يسجل التاريخ من هزم من مِن الأحزاب والفصائل، ولن يمجد انتصارات حزبية. فهذه معركة الكل فيها خاسر، سيسجل التاريخ أن الأحزاب والتي هي فصائل بدل أن كانت رافعة للقضية الفلسطينية أصبحت معطلة للحياة السياسية وسبباً في مأساة شعب.
دول عربية وإقليمية ودولية أحجمت وعزفت تماماً عن دعم أطراف فلسطينية، ودول أخرى أحجمت عن دعم باقي الأحزاب الأخرى، ودول اقتنصتها فرصة للتهرب من مسؤولياتها وإدارة الظهر للشعب الفلسطيني تحت ذريعة الانقسام.
وعليه، فأمام هذا التعطل والانسداد السياسي والاجتماعي والثقافي والنفسي والاقتصادي الذي تمر به المرحلة، كان من الضروري تنشيط حراك شبابي شعبي يساهم فيه الغالبية من الشعب، ويشارك فيه ليس فقط المستقلين، أو الشباب الذي تضيع أعمارهم وفرص عملهم ومستقبلهم، بل طائفة كبيرة تتسع يوما بعد يوم من الأحزاب الكبرى من فتح وحماس والمسيطرين على المشهد السياسي ويملكون مفتاح الحل للخروج من المشهد السوداوي المزري، وذلك لإزالة حالة التكلس التي يعيشها القادة الذين آثروا المصلحة الشخصية والحزبية على المصلحة الوطنية. هذا لا يعني بان الحراك يسيء لأحد، هو حراك يضع النقاط على الحروف وينذر بخطورة الموقف وبان الحالة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، ويرسل رسالة بان الشعب ينضج وقد بدأ صبره ينفد، ولم يبقى في قوس صبره منزع. ولكي تؤتي جهود القوى الحراكية أكلها، يجب أن تخرج الجماهير-رافعة علم فلسطين فقط- في مسيرات منظمة وغير فوضاوية، ومخطط لها من خلال شخصيات قيادية شابة ناضجة حريصة على عدم الدخول مع أي طرف في صدامات او مشادات، حتى لا يتم وأدها في نفس اليوم،، هذه الفعاليات تنطلق في وقت واحد في غزة والضفة، ترفع شعارات "التغيير" وإنهاء الانقسام"، وإعطاء فرصة للشباب، و"إنهاء معاناة الشعب"، هذه الحراكات لا يُفهم أن تكون يوما واحدا وتنتهي، بل يجب أن تكون مستمرة بشكل أسبوعي أو شهري وتستمر في عملية الحشد واجتذاب اكبر قدر ممكن من فئات المجتمع. حتى تسبب اكبر إحراج للسلطات الحاكمة في غزة والضفة وتكون اكبر من أن تدان بأي صفة أو تجرم بأي جرم وفوق كل الشبهات. ستكون جماهير شعبية غفيرة تهدف لإزالة حالة التكلس الفكري لدى القيادات. وتحفيزها على التواصل مع بعضها البعض، لان مفتاح الحل عند القيادات وليس الشعب. يجب إنهاء حالة "الأبوية القيادية" والوصاية التقليدية" التي أكل عليها الدهر وشرب. الشعب كفيل بان يختار ممثليه في أول عملية انتخابية، فلنبدأ بالمطالبة الفورية بإجراء الانتخابات، لعلها تكون طوق النجاة وسبيل للخروج من هذا المستنقع الآسن. فنحن في حالة غرق الآن، فلنجرب هذا الخيار ولنحسن استخدامه مستفيدين من دروس الإقصاء والتهميش السابقة ومألاتها، فلن يضير الغريق البلل.
د.فهمي شراب
كاتب من فلسطين.