واضح بأن هناك تبدلات وتحولات وتغيرات جدية في المواقف الأمريكية والأوروبية الغربية وتوابعهما من جماعة التتريك والمشيخات النفطية العربية من الأزمة السورية،بعد ان كانت تلك المواقف طول الفترة السابقة مشوشة ومرتبكة ومتناقضة،بحيث كان يجري التعبير عن الموقف من ثم يجري التراجع سريعاً عن هذا الموقف،وحتى اتخاذ موقف مغاير للموقف المتخذ،ولكن هناك جملة من المتغيرات فرضت مثل هذه التحولات التي لا يمكن الرجوع عنها فيما يخص الحل السياسي للأزمة السورية،فلم تعد الإشتراطات للحل برحيل الرئيس السوري،ولم يعد الرئيس جزء من الأزمة بل هو عنوان الحل.
هذه التبدلات والتحولات في المواقف من الأزمة والمشهد السياسي في سوريا،أملتها جملة من الظروف والتطورات بحيث تجعل العودة عنها شبه مستحيلة،ويقف في مقدمتها النقلة النوعية الروسية في التعاطي مع هذه الأزمة،حيث نشهد تدخل عسكري روسي مباشر في محاربة الإرهاب،من خلال الأسلحة والقوات المرسلة الى سوريا جوية وبرية وبحرية،فروسيا في محاربتها الى جانب القوات السورية وقوى المقاومة الأخرى للتنظيمات الإرهابية،تدرك بأن ذلك يشكل جزء من دفاع عن أمنها القومي،وليس فقط الدفاع عن حليفها،فسوريا معقلها الرئيسي والوحيد في المنطقة المطل على البحر المتوسط،وكذلك المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية،عدا عن كونها تقف على بحيرة نفطية في سوريا والعراق،فهي تسيطر على خطو إمدادات خطوط النفط والغاز الروسي،وكذلك الجماعات الإرهابية القوقازية والشيشانية،قد يجري توظيفها من قبل امريكا والغرب الإستعماري ومشيخات النفط الخليجي للعبث بالأمن القومي الروسي،ولذلك هذا التدخل الروسي من شأنه تقوية النظام الروسي،وخصوصاً ان روسيا تقول بأن مساعدتها العسكرية لروسيا تجري ضمن ميثاق الأمم المتحدة،حيث الحكومة السورية الشرعية هي من طلبت تلك المساعدة،ولا شرعية في سوريا سوى للجيش السوري وقيادته،هذا التغير النوعي الروسي من الأزمة السورية،احدث تبدلات مهم في المواقف الأمريكية والأوروبية الغربية والتركية وحتى الغنوشي أحد قادة الإخوان المسلمين،بحيث بات مصير الأسد يقرره الشعب السوري،وللتخفيف من حدة التراجع في المواقف،جرى ويجري الحديث عن دور للأسد في المرحلة الإنتقالية.
والعامل والموقف الروسي ليس الوحيد الذي لعب دوراً هاماً في مثل هذه التغير في المواقف لمكونات العدوان على سوريا،ولكن توقيع الإتفاق النووي الإيراني،وتزايد تأثير العامل الإيراني على المواقف الأوروبية الطامحة كل منها بأن تنال حصتها من الإستثمارات الإقتصادية والعقود للأعمار في ايران بعد رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عنها،وما ترتب على ذلك من اعتراف أمريكي- أوروبي غربي بالمصالح الإيرانية في المنطقة،وبأن ايران جزء من الحل وليس الأزمة في سوريا،وهذا ما تبدى من قول وزير الخارجية الأمريكي كيري بأنه سيعرض على نظيره الإيراني محمد جواد ظريف رؤيا وتصور أمريكي لحل سياسي للأزمة في سوريا على هامش اجتماعهما في الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة،وسبحان مغير الأحوال كيري يعرض وظريف يرفض او يوافق او يعدل..؟ما لم يكن مقبولاً قبل أشهر أصبح مدماك الحل الان.
وأيضاً بسبب ما ترتكبه من جرائم وفظائع الجماعات الإرهابية والمتطرفة وفقدان الأمن ومقومات الحياة في المناطق التي تسيطر عليها،رأينا نزوحاً كبيراً وواسعاً نحو البلدان الأوروبية بمئات ألآلاف،هذا النزوح الذي أقفلت في وجه حدود البلدان العربية التي تورطت في مد وتزويد تلك الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح والرجال،لكي تدمر بلدهم وتجبرهم على الهجرة ،تحت يافطة وشعار جلب الحرية والديمقراطية لهم،من قبل بلدان ليس لها علاقة بالحرية او الديمقراطية كمفاهيم وقيم،أحدث ضغطاً وتوترات كبيرة بين الدول التي نزحت إليها أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين،وكذلك تنامي النزعات العنصرية بين مواطني تلك الدول،وما قد يحدثه هذه اللجوء بهذه الأعداد الكبيرة من تأثيرات ديمغرافية في تلك البلدان،وكذلك ما يترتب على ذلك من عدم إستقرار.
وهناك عامل ومتغير هام آخر هنا،ألا وهو الجماعات الإرهابية التي شاركت في الحرب والقتال الى جانب الجماعات المتطرفة في سوريا من سكان تلك الدول،حيث ان عودتها وعدم القدرة على ضبطها،كما حدث مع العرب الأفغان والجماعات الإرهابية التي تمردت على مشغليها،ونقلت الإرهاب الى الدول التي عادت اليها ولغيرها من الدول،فهذا خطر جدي على استقرار وأمن تلك البلدان،وبالتالي أسهم ذلك في التحولات في المواقف من الأزمة والحل السياسي في سوريا.
ولعل العامل المهم جداً هنا هو الصمود غير المسبوق للجيش العربي السوري وتماسكه وقدرته وخبرته الطويلة في محاربة تلك الجماعات الإرهابية،والتفاف الشعب السوري حوله وحول قيادته الشرعية،هي من العوامل الهامة في إحداث مثل تلك التغيرات والتحولات.
نحن اذا أمام متغيرات دراماتيكية في المواقف من الأزمة السورية والحل السياسي لها،بحيث أصبح الرئيس السوري جزءاً وعنواناً لحل سياسي يجري تحت سقفه،بعد ان رحيله شرطاً للحل،وهذا التغير الان واضح بأنه من الصعب التراجع عنه في ظل التراجعات في القدرة الأمريكية على فرض حلولها في المنطقة،حيث لم تحقق نجاحات تذكر في حل تلك الأزمات وفق إرادتها ومصلحتها،ولكون روسيا أضحت لاعباً مهماً في الحلبة الدولية،وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط،ولذلك في القريب العاجل سنشهد حجيجاً اوروبياً وعربياً لدمشق وفي ظل قيادة الأسد الذي صمد ورحل العديد من الزعماء الذين اعلنوا عليه الحرب.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
28/9/2015
0524533879
[email protected]