يبدو أن العام القادم سيشهد وفقا لما سبق وتوقعناه إحكام الترتيبات النهائية لخارطة المنطقة وقد بدت معالم هذه الخارطة تتضح في الآونة الأخيرة من خلال دخول روسيا بكل ما تمثله قوة بشكل مباشر وعلني في دائرة الأحداث التي تجري في سوريا منذ أربع سنوات بحيث لم يعد الموقف الروسي كما كان يقتصر على توفير المظلة والحماية الروسية للنظام وعلى رأسه الرئيس بشار الأسد فحسب ، بل تعدى لذلك ليتقدم الدب الروسي كاشفا أنيابه من خلال إرسال الجنود الروس وترسانة لا يستهان بها من ألأسلحة إلى ميدان الصراع في رسالة واضحة مفادها أن روسيا لن تترك الولايات المتحدة الأمريكية وحدها تتحكم في رسم الخطوط النهائية لخارطة المنطقة وفقا لمصالحها بعد أن ساهمت منفردة في إثارة القلاقل ونشرت الفوضى في العديد من دول المنطقة وقد ظنت أمريكا أنها نجحت في خطتها ومسعاها لتفكيك الدول الوطنية في المنطقة بقيام دويلات تحظى بدعمها وتنفذ سياساتها لأمد طويل قادم ، في هذا التوقيت بالذات جاء التدخل الروسي يحمل رسالة مفادها أن لروسيا ولغيرها أيضا من كبرى دول العالم مصالح وعلاقات تاريخية في المنطقة تريد الحفاظ عليها، ولمن فاتته المعرفة في هذا المضمار فإن الخطة الأمريكية التي أطلق عليها في حينه مسمى الفوضى الخلاقة تقوم على تفكيك الدول وإزالة حدودها الوطنية في المنطقة وتشجيع إقامة دويلات على أساس مذهبي وطائفي وديني على أنقاضها وفقا لما نشاهده هذه الأيام في كل من العراق وسوريا وليبيا والمحاولات الفاشلة في مصر، ولتنفيذ هذه الخطة الجهنمية جندت الولايات المتحدة الأمريكية قوى الإسلام السياسي وتفرعات خرجت من أحشائه لتنفيذ هذا المشروع الخطر الذي لو كتب له النجاح سيترك إسرائيل وحدها متربعة على سدة السيطرة المطلقة في المنطقة .
في هذا السياق يمكن النظر للتدخل الروسي الذي جاء في وقت ظنت فيه أمريكا أن موعد الحصاد لما زرعته من شؤم قد أزف ، لكن دخول روسيا بهذه القوة وهذا الشكل جاء ليؤكد أن حسابات الحقل جاءت بما لا يتلاءم مع حسابات البيدر فأمريكا ليس وحدها من سيقرر في هذه المنطقة الحيوية وأن عهدا جديدا بدأت ملامحه تلوح في الأفق عنوانه الرئيسي وضع حد لمفهوم عالم القطب الواحد لمصلحة عالم متعدد الأقطاب ووفقا لهذا المفهوم يمكن إعادة رسم خارطة المنطقة ، المؤشرات التي يحملها التدخل الروسي هذا يحمل في مضمونه أيضا أنه لن يقتصر على سوريا بمساحتها الجغرافية فقط بل سيطال المنطقة برمتها وما من شك فإن طبيعة العلاقات الروسية الفلسطينية على مدار التاريخ تؤكد أن فلسطين والقضية الفلسطينية ستكون في قلب هذه الدائرة ، في هذا السياق لابد من النظر لأهمية أن تحث منظمة التحرير الفلسطينية الخطى لتفعيل دورها وتأكيد بسط شرعيتها السياسية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في مواجهة كل محاولات الشرذمة واستمرار الرقص على أنغام الرهان على مشاريع كيانات خاصة بدأت تغلق أبوابها في المنطقة ، وفي هذا السياق أيضا يمكن النظر لزيارة الرئيس أبو مازن الأخيرة لموسكو واللقاء الهام مع الرئيس بوتن وما رافقها من اهتمام واضح من قبل روسيا بالقضية الفلسطينية واستمرار الدعم للموقف الفلسطيني والمطالب الفلسطينية وقد حمل ذلك بدون شك مؤشرات هامة لابد من التقاطها والسعي دون كلل للحد من الهيمنة الأمريكية على ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والمطالبة الجادة بدور أكثر فعالية لروسيا بما في ذلك التأكيد على طلب عقد مؤتمر دولي وفقا للصيغة التي تتبناه روسيا كما كان مطروحا من قبلها في وقت سابق، والتحرك نحو عقد هذا المؤتمر بما يقود إلى عملية سياسية جادة لتحقيق استقلال دولة فلسطين وضمان حقوق اللاجئين وفقا للقرار 194 .
لذلك نعتقد أن ما يجري من وقائع متسارعة على الأرض وفي المحافل الدولية يمثل بداية لمرحلة جديدة تقتضي من الرئيس أبو مازن وهو ذاهب لإلقاء خطاب هام من على منبر الأمم المتحدة يوم الأربعاء القادم أن يلحظ ويأخذ بعين الاعتبار هذه التحولات ويحرص على أن يحجز لدولة فلسطين وفقا لما اعترفت بها الأمم المتحدة مكانا على الخارطة التي يجري رسم خطوطها النهائية ، إن إعادة رسم الخرائط في العالم يسيل من أجلها انهار من الدماء ، وقد سالت انهار غزيرة من دماء شعبنا على أمل أن تحقيق الاستقلال ويبدو أن الفرصة قد حانت فيجب أن لا تضيع ... وحتى لا تضيع نكرر القول لابد من خطوات عملية على الصعيد الداخلي وفي مقدمتها انتهاء الانقسام واستعادة الوحدة ويمكن لخطوة واحدة أن تشكل مدخلا لتحقيق الغرضين الملحين في هذه المرحلة ويتمثل الأول منها في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة ،والثاني خطوة ملموسة لتجسيد استقلال دولة فلسطين ، إن الخطوة المفتاحيه لتحقيق هذين الغرضين النبيلين تتمثل في الإعلان عن تشكيل المجلس التأسيسي لدولة فلسطين،هذا المجلس الذي سبق لحزب الشعب الفلسطيني أن قدم مقترحا تفصيلا بشانه ويضم أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني وأعضاء المجلس المركزي لمنظمة التحرير ويقوم هذا المجلس خلال مرحلة انتقالية متفق عليها بدوره كبرلمان مؤقت لدولة فلسطين لحين إجراء الانتخابات،، إن العالم يتغير بسرعة والمنطقة مقبلة على متغيرات وتطورات هامة لا بد من قراءتها وحسن توظيفها لمصلحة قضيتنا الوطنية بعيدا عن العبث والمناورات الكلامية والمراهنة على مخلفات تاريخ سقط بإرادة الشعوب .
* بقلم وليد العوض
*عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
29-9-2015
[email protected]