ما يحرك الدول في علاقاتها الدولية مصالحها القومية العليا وأمنها الوطني فالمصالح الاقتصادية والتجارية والعسكرية والثقافية وحماية أمنها القومي هي الدوافع الأساسية في رسم السياسات الخارجية للدول
تعتبر سوريا بقيادتها السياسية بأنها أقرب حلفاء روسيا في العالم العربي لفترة دامت أكثر من أربعين عاماً. تربطها علاقات إستراتيجية مع سوريا وقد سعى بوتين إلى استعادة مكانة روسيا كـ "قوة عظمى" مُجسداً سياستها ضد الولايات المتحدة من أجل وضع روسيا كثقل موازن للغرب في الشرق الأوسط. وتمثل سوريا موطئ القدم الأكثر أهمية في المنطقة بالنسبة لروسيا، كما أنها تعتبر ذات أهمية رئيسية في حسابات بوتين. فموقع سوريا -- المطل على البحر الأبيض المتوسط وفلسطين ولبنان وتركيا والأردن والعراق -- يجعلها ذات أهمية كبرى من أن يُسمح بخسارتها فسقوط سوريا يعني خسارة روسيا لحليفها الوحيد والاستراتيجي وما يترتب عليه من خسارة لقاعدتها العسكرية الوحيدة خارج الاتحاد السوفيتي السابق -- أي مركز التموين البحري في ميناء طرطوس السوري وخسارة اكبر مستورد للأسلحة الروسية كما يترتب علية خسارة فادحة للشركات الروسية المستثمرة بمليارات الدولارات في سوريا
تعتبر التحركات العسكرية الروسية الأخيرة في سوريا إلى كونها "جزءاً من اللعبة الدولية الكبرى (للرئيس) بوتين والتي استدعت قلق مايسمي التحالف الدولي ضد سوريا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية , واعتقد ان التحرك الروسي هو مبرر لعدة اسباب وهي ان الروس اكتفوا منذ البداية بالدعم السياسي والوجستي للنظام السوري ولم يكونوا متمسكين بنظام الأسد كنظام بل أرادوا البحث عن حلول سياسية وانتقال سلس وعلى مراحل للسلطة ولكن تعنت الدول الداعمة للمعارضة وتسليحها وأخذها باتجاه أجندات سياسية خارجية أريد منها عرقنت سوريا على الطريقة العراقية والليبية دفعها للتمسك بالنظام, وبقيت تحاول ان تلعب دور الوسيط ما بين النظام والمعارضة ومحاولة تقريب وجهات النظر منذ بدء الأزمة ولكن كل مساعيها ذهبت أدراج الرياح بسبب مواقف وأجندات الدول الداعمة للمعارضة , وما زالت روسيا مصرة على بحث الملفات السياسية المعقدة في إطار الشرعية الدولية وتحت مظلة الأمم المتحدة سواء الأزمة السورية او الأوكرانية وتطالب الدول عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها وإرادة شعوبها
واعتقد ان روسيا لن تذهب الى التدخل العسكري المباشر خوفا من الانزلاق في مستنقع خطير لا تستطيع الخروج منه وتكلفته العالية وان لا تتحول سوريا الى حجيج كل المجاهدين الذين قد يتدفقون لمحاربتها ولا تريد ان تدخل الى أفغانستان جديدة وستكتفي بالتدريب والدعم الاستخباراتي والتخطيط والضربات الجوية ولن تدخل في حرب برية على الإطلاق إذا استثنينا العمليات الخاصة والخاطفة ذات الأهداف المحددة التي قد تلجئ إليها
النقطة الثانية انضمام الآلاف من مجاهدو القوقاز والذين ينتمون الى الجمهوريات الإسلامية التي تسيطر عليها روسيا مثل الشيشان وداغستان وانجوشيا وبلقاريا فضلا عن بعض جمهوريات اسيا الوسطي أذربيجان وطاجيكستان وازبكستان وغيرها وانضمامهم إلى داعش والقاعدة ومن ثم عودتهم الى بلدانهم والتحاقهم بالتنظيمات المحلية التي تقاتل القوات الروسية والتي أعلنت بيعتها لداعش , فشل التحالف الدولي في محاربة الإرهاب بشكل جدي وتمدد التنظيمات الإرهابية بشكل مقلق احد الأسباب الرئيسية التي استدعت تدخل الروس بشكل مباشر في سوريا ومحاولة احتوائه وتصفيته ,والدعم المباشر للجماعات الإرهابية بالمال والسلاح وفتح الحدود على مصراعيها دون حسيب او رقيب للعبور والخروج وادخال الأسلحة بكافة أنواعها وتهريب النفط الى الخارج ومبادلته بالسلاح والضغط على التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاولة ايجاد حل سياسي مستغلة نتائج الحرب السلبية وما أفرزته من حالة تشرد ولجوء ملايين السورين وتدفقهم على القارة العجوز ووقوف أوروبا عاجزة عن استيعاب هذا الطوفان البشري لتحصد نتائج سياستها الخاطئة اتجاه الأزمة السورية لتبدأ في التفكير الجدي عن حل سياسي
النقطة الثالثة الموقف الميداني للقوات السورية وقدرتها على الحسم العسكري والمناورة والخبرة الكبيرة التي اكتسبها الجيش في حرب المدن وفي ادارة المعركة وفشل غرفة عمليات الأردن في فتح بوابة درعا والأتراك في إقامة منطقة عازلة , فشل التحاف الدولي في خلق معارضة معتدلة وعدم القدرة على توحيد المعرضة وتشرذمها مما انعكس على أدائها على الأرض واقتتالها الداخلي
والنقطة المهمة تحييد الجبهة الإسرائيلية من التدخل العسكري لصالح المجموعات الإرهابية وإعطائها الغطاء الناري من اجل التأثير على مسار العمليات العسكرية على الأرض وأي عمل إسرائيلي سوف يحسب له ألف حساب
النقطة الرابعة والاهم ان روسيا لن تسمح بتكرار التجربة الليبية على الإطلاق ولن تسمح بالاستفراد بسوريا ولن تترك حلفائها للقطب الأوحد وحدهم وهي الرسالة التي اراد إيصالها بوتين اليوم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ان القطبية والايدولوجيا الخاطئة لم يعد لها مكان في هذا العالم ولا يمكن ان نتحمل اكثر الظروف التي نشأت في العالم وان روسيا عادة قوية من جديد ولم تعد روسيا قبل خمس وعشرون عام وان عصر القطب الأوحد انتهى
وان الاتحاد الروسي عاد من جديد قويا كما كان ولن يقف موقف المتفرج اتجاه الأزمات الخارجية وان روسيا مازالت قوية ولاعب أساسي لايمكن تجاهله وتجاهل مصالحة الخارجية ومن حقه رسم خارطة العالم الجديد على أساس احترام الدول وسيادتها ومصالحها ونحن نقول ان التدخل الجدي للدب الروسي في وجه السياسة الخاطئة للغرب بقيادة الولايات المتحدة سيوقف نزيف الدم في سوريا وفي كل النقاط الساخنة ووضع أسس السياسة الدولية المعتدلة وان روسيا قادرة على تغيير المعادلة على الأرض وتغيير المسار العسكري عبر استخدام الأسلحة المتطورة وتقديم الدعم ألاستخباراتي
بقلم // زياد اللهاليه
[email protected]