قد تكون المرة الأولى لرئيس أمريكي يعتلي منصة الأمم المتحدة لم يتطرق في خطابه إلى القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، تناول الأزمة السورية وتنظيم داعش والاتفاق مع ايران حول ملفها النووي والعلاقة مع روسيا، ولم يترجل من على منصة الأمم المتحدة دون أن يستعرض عضلاته حين فال بأنه لن يتردد في استخدام "أقوى جيش في العالم" للدفاع عن حلفائه، لم تسقط القضية الفلسطينية من خطاب "أوباما" سهواً، بل في ذلك إشارة واضحة المعالم مفادها أن الفضية الفلسطينية لم تعد ضمن أولويات وإهتمامات الإدارة الأمريكية.
كأن الرئيس الفلسطيني بحاجة إلى جرعة اضافية من الإحباط ولمزيد من الخذلان الأمريكي له، سواء عبر الرئيس الفلسطيني صراحة عن إحباطه أم حاول الثبات في مربع التفاؤل من باب مكانته التي تفرض عليه ذلك، فالمؤكد أن خيوط الاحباط تنسج من حوله واقعاً من الصعوبة بمكان طمس معالمه، فمن جهة قبلت القيادة الفلسطينية على مدار السنوات السابقة أن تلعب الإدارة الأمريكية دور الخصم والحكم، ورغم ذلك لم تتمكن الإدارة الأمريكية من كبح جماح الغطرسة الإسرائيلية، وعجزت حتى عن إجبار حكومة الاحتلال على تجميد الإستيطان، ولم تقف عند هذا الحد بل انصاعت السياسة الخارجية الأمريكية لإرادة حكومة الإحتلال حين تجاهلت في الآونة الأخيرة ملف القضية الفلسطينية، ومن جانب آخر لم يعد خافياً على أحد بأن حكومة الإحتلال تخلت عن فكرة الدولتين، وهو ما عبر عنه نتانياهو صراحة أثناء حملته الإنتخابية.
على صعيد الواقع العربي الصورة تجاه القضية الفلسطينية لا تحمل القليل من المبشرات، فالقضية الفلسطينية باتت في ذيل قائمة إهتمامات العرب، والصراع الداخلي في الدول العربية التي دخلت طاحونة الربيع العربي بات يستقطب إهتمامهم الأول والأخير، حتى شبكة الأمان التي تعهدت بها الدول العربية للسلطة الفلسطينية بات من الواضح أنها أضغاث أحلام، فيما المجتمع الدولي وبالتحديد دول الاتحاد الأوروبي من الواضح أنها تحاول معالجة تأنيب الضمير من خلال إعترافات معنوية بالدولة الفلسطينية والعمل السلحفائي فيما يتعلق بمقاطعة منتجات المستوطنات.
والوضع الداخلي ليس بأفضل حال، فالإنقسام تحول إلى مرض مزمن، ما أن نشعر بتحسن في صحة المصالحة حتى نستفيق على انتكاسة صحية بفعل سياسة المناكفة البندولية، ومشاكل وهموم الوطن من زيادة مضطردة في الفقر والبطالة وتراجع عجلة الاقتصاد، كل ذلك من شأنه أن يفاقم من المنسوب الإحباطي.
لا شك أن الخيارات أمام الرئيس ليست متعددة، والقليلة التي يمكن له أن يختار من بينها تتطلب دراسة متأنية والأهم من ذلك أنها بحاجة لأن يلتف الكل الفلسطيني حولها، لذلك من المستبعد أن يحمل خطاب الرئيس في الأمم المتحدة الطابع الإنفجاري، سيما وأن "اوكازيون" التنبؤات من قبل القادة الفلسطينيين حول ما يتضمنه الخطاب يؤكد على عدم اطلاع القيادة الفلسطينية على فحوى القنبلة، والأقرب إلى المنطق أن الوضع الداخلي الفلسطيني ومعه الوضع العربي والإقليمي والدولي كلها تصب في إبطال عمل الصاعق التفجيري، لذلك فإن الحديث حول قنبلة ستوضع على منضدة الأمم المتحدة هو سقطة سياسية ما كان لها أن تكون، حتى وإن كان الهدف منها الجانب التهديدي لا الفعلي.
الحقيقة التي يجب أن نقف أمامها بكل جرأة وموضوعية تتمثل في النقاط التالية:
أولاً: أن الرئيس لم يخدع يوماً ما شعبه في تبنيه مسار المفاوضات مع حكومة الاحتلال ونبذ العنف ورفض المقاومة المسلحة، وهذا ما تضمنه برنامجه الانتخابي الذي إنتخب على أساسه.
ثانياً: آن للرئيس أن يصارح شعبه بعد عشر سنوات من العمل، أين نقف اليوم؟ وهل حقاً نتقدم بإتجاة الدولة المستقلة؟ وهل هناك جدوى من استمرار العمل بذات المنهجية والوسائل والمحددات؟.
ثالثاً: في المقابل هل حققت البرامج الأخرى تقدماً نحو الحرية والاستقلال؟ وهل فعلاً الحروب المتتالية على غزة زادتنا فوة وصلابة؟ وهل استطعنا أن نترجم تضحيات شعبنا الجسام إلى مكتسبات وطنية على أرض الواقع؟.
رابعاً: إنجاز المصالحة الفلسطينية وطي صفحة الانقسام لم تعد فقط من ضرورات تخفيف الأعباء عن كاهل شعبنا، بل ضرورة أكبر لوقف تآكل الوطن، خاصة وأن الانقسام دفعنا لأن نلهث خلف هموم المطالب الحياتية.
خامساً: لم يعد مقبولاً أن تبقى المطالبة بإجراء الانتخابات محكومة بثقافة المناكفة، ولم يعد مقبولاً الإبقاء عليها ضمن مفردات الترف السياسي القابلة للتداول بين الفينة والأخرى، بل باتت ضرورة ملحة تفرضها طبيعة المرحلة، وليقل الشعب كلمته ويحدد خياراته وليعطي ثقته لمن يشاء، فعجلة الزمن لم تترك شرعية على حالها.
د. اسامه الفرا
[email protected]