أبو مازن يتحدى!!!

بقلم: رامي الغف

لم يكن ظهور الزعيم الفلسطيني أبو مازن كقائد سياسي وطني، برهن على خبرته وحنكته وذكائه في العمل الوطني مفاجئا على واجهة الأحداث فهو سليل مجدين تاريخيين فلسطينيين، المجد الفدائي الثوري والمجد السياسي المؤسساتي، ففي الأولى هو أب الشعب الفلسطيني وأخ الرئيس الرمز الشهيد ياسر عرفات ووريث تضحيات الآلاف من شهداء وجرحى وأسرى من شعبه ضد الظلم والطغيان والاستعباد والاستبداد الصهيوأمريكي وفي الثانية هو السياسي ورجل العمل المؤسساتي على مر مراحل تأسيس الوطن الفلسطيني الحديث.

لقد أثبت أبو مازن للقاصي والداني بأن شعبه طيلة تاريخ نضالهم الطويل والمرير إنهم يستحقون بجدارة كل الاحترام والتقدير لما بذلوه ويبذلوه من جهد متواصل وشاق من أجل الدفاع عن حقوقهم وثوابتهم الوطنية المقدسة وعدم التفريط بها أبدا، على هذا الأساس فليس أمامه وشعبه وفصائله وأحرارهم وشرفائهم ومناضليهم وثوارهم، إلا أن يستجمعوا كل عناصر القوة فلسطينيا وعربيا لمواجهة تحديات المرحلة القادمة واستحقاقاتها على أساس الثابت وهو إقامة دولتهم المستقلة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية، ضمن الثوابت لهذه المرحلة التاريخية العالمية وهي الثوابت المتعلقة بالأرض والاستيطان والقدس وعودة النازحين إلى ديارهم وحقوقهم في مواردهم الطبيعية وخاصة المياه والغاز والحرية والاستقلال المتكافئ.

إن الرئيس محمود عباس وضع اليوم خلال خطابة في الأمم المتحدة أساسا لعلاقة جديدة مع الاحتلال، ورفع الغطاء عن إسرائيل ودعاها لتحمل مسؤولياتها كسلطة احتلال، ونجح في تعريتها أمام العالم، فالخطاب الذي ألقاه مساء اليوم في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة، حمل مجموعة من الرسائل موجهة للاحتلال الإسرائيلي ورسائل أخرى موجهة للمجتمع الدولي وللعالم، ورسائل موجهة لشعبنا داعية للوحدة والوفاق.

لذلك لا نبالغ لو قلنا إن خطاب الرئيس عباس كان شاملا ووضع النقاط على الحروف، كما حدد أجندة واضحة للعلاقة المستقبلية مع إسرائيل، وأعاد صياغة العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية( سياسيا، واقتصاديا، وأمنيا)، ووضع أجندة وطنية لحكومة وفاق وطني فلسطين لمواجهة المرحلة المقبلة، فالرئيس عباس دق ناقوس الخطر أيضا بأننا لا نقبل بأي شكل من الأشكال باستمرار الأمر الواقع الذي يسعى الاحتلال لتكريسه، وأن وكل إجراءات الأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل باطلة، فهو وبدعوته الأمم المتحدة للحماية الدولية، وضع المجتمع الدولي أمام تحديات أخلاقية وإنسانية ودولية، خصوصا يتعلق بالحماية الدولية، وحماية المقدسات، وإنهاء الاحتلال، والرئيس شدد على أن الأمن والسلام والاستقرار الذي يسعى إليه العالم يجب أن يبدأ من فلسطين، وخاطب العالم وخاطب الشعب الفلسطيني، ونجح نقل هموم الشعب الفلسطيني للعالم.

إن الرئيس شدد للعالم كذلك أنه لا يمكن الاستمرار بالوضع القائم، وقد أبلغ العالم قرار المجلس المركزي الذي يدعو لصياغة العلاقة مع إسرائيل بكل تفاصيلها وإذا لم تنفذ إسرائيل الاتفاقيات، وقال إن شعبنا سيقاوم الاحتلال وسيقاوم الأمر الواقع، خصوصا أن إسرائيل تنفذ نظام فصل عنصري وسياسية عنصرية بالأمر الواقع وبالتشريعات التي تفرضها على شعبنا.

إن الرئيس رفع الغطاء عن إسرائيل بعد اليوم، وعليها تحمل مسؤولياتها كسلطة احتلال، فالرئيس يعمل على تعرية الاحتلال أمام العالم والاحتلال منبوذ ويمثل عبئا على المجتمع الدولي ويشكل عبئا على السياسة الدولية، إن الرئيس عمل على تذكير العالم بتخلف الأمم المتحدة عن القيام بواجبها تجاه أكثر القضايا وأعقد القضايا في التاريخ، فهو شرح للعالم الظلم الذي وقع على شعبنا، وتحدث عن مساعي شعبنا للوصول إلى سلام حقيقي، كما أنه قدم مرافعة عن حق شعبنا في الحرية والاستقلال بشكل واضح ومفهوم للعالم، وهو خطاب متعدد الأغراض ومتعدد الوجوه ومتعدد الرسائل، والرئيس نجح بإيصال الرسائل التي وجهها لشعبه وللإسرائيليين ولمجتمع الدولي.

إن هذا الخطاب هو الأكثر إقلاقا لإسرائيل في تاريخ علاقتنا معها، فالرئيس وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الإجرائية المتعلقة بعدم قدرة فلسطين الاستمرار في الاتفاقيات، والعلاقة لم تعد تعاقدية بل نحن شعب تحت الاحتلال يحق له استخدام كل وسائل النضال المشرعة دوليا ضد الاحتلال.

إن قرار الرئيس بعدم مواصلة الالتزام بالاتفاقيات يدعمه أبناء الشعب الفلسطيني، فهو يمثل الاجتماع الفلسطيني وينطلق من قرارات المجلس المركزي، وفي مقدمة ذلك وقف العمل بالاتفاقات مع إسرائيل، يجب أن يكون في مقدمة ذلك التنسيق الأمني وغيره بالإضافة لتوحيد الجهد لإنهاء الاحتلال عن أرض دولة فلسطين المحتلة، وأن العلاقة بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل هي علاقة احتلال ومحتل، ويجب بناء جبهة شعبية موجدة لإنهاء الاحتلال.

إن الخطاب كان هام جدا، وارتكز بشكل رئيس على الإجماع الفلسطيني في المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وهو بهذا المضمون يعكس إجماع الشعب الفلسطيني، فالمطلوب الآن تعزيز الإستراتيجية الجديدة بإنهاء الانقسام وبتجاوب حماس مع رسائل إنهاء الانقسام واستمرار الجهود لتشكيل حكومة وحدة وطنية، فالوطن الفلسطيني اليوم بشعبها وقيادتها وحكومتها وفصائلها لابد وأن يقفوا كلهم صفا واحدا وجسدا واحدا لمواجهة هذه التحديات الجاثمة أمامهم من العدو الصهيوني والإمبريالي العالمي، والعمل سوية بروح الوطن الواحد فهكذا هي الأخلاق الفلسطينية، وهكذا هي صفات شعب فلسطين العظيم الشعب الذي صفحات تاريخه وحضارته منذ مئات السنين أثبتت وتثبت إنه شعب الجبارين لا يقبل إلا أن يكون رقم صعب وفوق القمة دائما أهل الكرم والحمية والنخوة والنشامى.

بقلم/ رامي الغف