لم يأتي خطاب ابو مازن في الامم المتحدة بشيء مخالف للتوقعات التي بنيت على اساس التحليل الواقعي للتصريحات المتتابعة , ولم يختلف الخطاب كثيرا عما صرح به الرئيس و حذر منه قبل فترة ليست بسيطة فبعد ان اقرت المحكمة العليا الاسرائيلية هدم مباني في منطقة B , C , وحتى منطقة A قال الرئيس "ان اسرائيل هدمت كل الاتفاقيات الموقعة بيننا وبينها " اعتقد ان الخطاب جاء بعد تراكمات كبيرة سببت مرحلة الاحباط الحالية التي دفعت بالفلسطينيين من اقصاهم التي اقصاهم لعدم الاقتناع بان اسرائيل و واشنطن خلفها يمكن ان ينحازوا يوما من الايام لحل الصراع على اساس الشرعية الدولية, بل ان الفلسطينيين تأكدوا ان اوسلو اخر اتفاق يمكن ان تعقده اسرائيل مع الفلسطينيين وبالتالي اخذت ما تريد منه و تركت ودمرت ما لا تريد وخاصة المرحلة التي تنقل السلطة الى دولة .
ان خطاب الرئيس ابو مازن تضمن اعلانين هامين يتعلقا بالشأن السياسي و طبيعة الصراع مع اسرائيل والشأن الداخلي ,اولها ان العلاقة مع اسرائيل التي بنيت على اساس اتفاقية اوسلو سوف تتغير وان السلطة الفلسطينية لم تعتد تنتظر لان تلتزم اسرائيل بالاتفاقيات وما جاء فيها , فقد انتظرت القيادة الفلسطينية اكثر من خمس عشر عاما بعد انتهاء الفترة الانتقالية في العام 1999 واليوم اصبح لا امل في ان تجلس اسرائيل على الطاولة وتقر بحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير ,بل انها تعمل على عكس كل المبادئ والمشاريع التي حددت طبيعة حل الصراع الطويل واهمها مبدأ حل الدولتين , والاعلان الثاني هو فلسطين دولة تحت الاحتلال منذ هذه اللحظة وعلى العالم ان يتعامل معها من هذا المنطلق, وهذا يعني ان فلسطين دولة عضو بالأمم المتحدة محتلة من قبل دولة عضو اخر بالأمم المتحدة وهذا من شانه ان يحرج رئاسة الامم المتحدة ان لم تحشد دوليا لإنهاء الاحتلال الطويل على الفلسطينيين , وهذا الاعلان يعنى ان حكومة الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال هي اللجنة التنفيذية وبرلمانها هو المجلس الوطني وهذا برايي يعيد الهيبة والقرار في الصراع لمنظمة التحرير الفلسطينية , وبالتالي فأن العالم عندما يتعامل يجب ان يتعامل مع منظمة التحرير باعتبارها الدولة الفلسطينية .
نعم الخطاب حدد معالم مرحلة جديدة قد تفتح اسلوبا مختلفا للصراع على الارض والصراع امام هيئات ومنظمات المجتمع الدولي باعتبار اسرائيل سلطة احتلال نافذة ومتصرفة في كل شيء , و المرحلة القادمة يصبح شكلها معقد بعض الشيء فقد ترد إسرائيل على كل الاجراءات الفلسطينية التي ستتخذ شكل التدرج في التحلل من اسلو والاستعداد لمرحلة مفاوضات ليس بين طرفين وانما بمشاركة عربية ودولية واسعة وقد تكون تلك المفاوضات بين المجتمع الدولي وإسرائيل باعتبار 5+1 التي قادت المفاوضات مع ايران و وصلت لاتفاق تاريخي للنووي الايراني هي انجع اسلوب للتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الطويل . اما على الارض فاعتقد ان اسرائيل ستدفع بكل ما تملك من قوات لتجعل احتلالها للأرض الفلسطينية محكما وتسحب صلاحيات منحتها لقيادة السلطة على اعتبار ان السلطة تراجعت عن الاتفاقيات معها وقد يصل الامر لإعادة احتلال بعض محافظات الضفة الغربية , وستبقي الحصار مشددا على غزة مع بعض المرونة فيما يتعلق عقد تهدئة طويلة الامد مقابل ميناء ومطار واعتقد ان اسرائيل هنا ستحاول تغذية اي اتجاه فلسطيني يحاول ان يجد طريقا ليكون البديل عن منظمة التحرير الفلسطينية او يعيق ما مسيرة تحقيق الدولة و عاصمتها القدس الشرقية .
مرحلة انهاء الاحتلال وحصرة وعزله دوليا قد بدأت وخطاب الرئيس كان هذا الاعلان , وعلي المجتمع الدولي من الان ان يستعد لما ستتمخض عنه المواجهة مع هذا الاحتلال فقد ندخل في دائرة دم جديدة على اعتبار اسرائيل اول ما تفكر فيه القوة العسكرية لإخضاع الشعب المحتل لاحتلالها واخر ما تفكر فيه الحلول السلمية والعيش ضمن منظومة سلام عادل ودائم وبالتالي فان المجتمع الدولي اليوم مطالب بالبحث عن الطريقة السلمية التي من خلالها ينهي اطول احتلال في العصر الحديث وينفذ كل قرارات الشرعية الدولية ويعيد ثقة الشعوب بجدوي وجود هذه المنظمة و هيئاتها , فقد يلجا المجتمع الدولي الى مبادرات سلام جديدة تحقق اتفاقيات دائمة لحل الصراع على اساس تطبيق حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية , وهذا سوف يأخذ زمن قد لا يشهده الرئيس ابو مازن من اسس لتلك المرحلة وحقق لان تصبح فلسطين دولة عضو بالأمم المتحدة ويرتفع علمها الى جانب باقي دول العالم .
بقلم/ د.هاني العقاد