انتفاضة القدس معركة الشعب الأخيرة

بقلم: طلال الشريف

حالة فلسطينية جديدة لاحظوا الزمن الجديد يعيد دور الشعب

أفق جديد سيستلهم الفلسطينيون التجربة النضالية الفلسطينية منذ ما قبل النكبة حتى الكتل الشعبية الضخمة المتحركة في دول الجوار .. لماذا ؟

العملية السياسية أخذت مداها وفشلت في انتاج حل لقضية فلسطين وكذلك أفشلت أو فشلت المقاومة العسكرية لنفس السبب حيث غاب دور الشعب الحقيقي في اسناد السلام أو المقاومة .. كيف ؟

أكبر أخطاء أو خطايا أصحاب مشروع السلام هي وقف الانتفاضة الشعبية التي جنوا ثمارها بترتيبات مجهولة اعتمدت على بنود حمالة أوجه سميت اتفاق أوسلو وبإنهاء فعاليات الانتفاضة الشعبية أي دور الشعب الضاغط على المفاوضين الفلسطينيين قبل الاسرائيليين وبالتالي ذهبت السلطة المفاوضة لترتيبات باتت سيفا مسلطا على حركة الجماهير إلى أن أصبح الناس منصاعين عبر تهدئة الحالة الشعبية المواجهة للاحتلال للانتباه والاهتمام بحيثيات الرفاه والأمل بأن سلطة التفاوض قد تنجز استقلالا يريح شعبنا ويؤدي لازدهار الحال مثل أي دولة مستقلة ومستقرة في العالم هكذا أصبح الامل والحلم ولعبت السلطة دورا في اقناع الجماهير بذلك وأصبحت الوظائف الجديدة في السلطة مغرية لنشطاء الانتفاضة الكبرى لبناء مشاريعهم الاسرية والمستقبلية واندمجت قطاعات واسعة من شعبنا في هذا المضمار حتى أن موعد انتهاء المرحلة الانتقالية مر على شعبنا تحت تخدير القيادات المفاوضة وفريق التفاوض بأن هناك أمل بإمكانية الوصول لاتفاق يقيم الدولة المستقلة في غزة والضفة الغربية على حدود 67 وظهر الفساد والواسطة والمحسوبية ومشاريع الكسب غير المشروع على حساب المشروع الوطني وانتبه الناس لذلك وتذمروا ولكن ليس للحد الذي جعلهم يتحركون حركة جماعية لإسقاط الاتفاق حيث أصبح عدد كبير من شعبنا له مصلحة في استقرار الوضع يحسبه أفضل من المجهول لو انتفض من جديد واستمرت عملية التخدير ولكن هنا كانت بعض المناوشات التي أرادها عرفات في حينها للضغط على اسرائيل للاستجابة وتنفيذ بنود الاتفاق وإنهاء المرحلة الانتقالية والذهاب لقضايا الحل النهائي وحاول عرفات بتشجيعه على انتفاضة الأقصى في نهاية العام 2000 ووجدها فرصة لإرجاع واستخدام دور الجمهور ولكن الأمور خرجت عن السيطرة وركبها العسكر من كل الطيف الفلسطيني وهنا كان اسرائيل تنتهز الفرصة لاستخدام عصاها الثقيلة واغتيال القيادات ودخلت عملية التفاوض في حالة ضعف في مواجهة السيطرة الاسرائيلية وضربت مؤسسات السلطة واستمرت الانتفاضة في الخبو حتى اغتيل الرئيس عرفات وضعفت السلطة كثيرا وازدهرت تنظيمات المقاومة وازدادت شعبيتها في الوقت الذي كانت السلطة وفتح تحاول بكل الطرق الاستمرار في برنامج السلام رغم تراجع شعبيتها التي توجت بنتائج انتخابات 2006 التي تفوقت فيها حماس على مجمل التيار الوطني وهنا بدأت مرحلة جديدة ولكن ظل مشروع المفاوضات في تراجع دون نتائج مغرية للجمهور .

أما على الجانب الآخر جانب المقاومة العسكرية فقد كبرت شعبية فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس والجهاد الاسلامي وتوسعت امتداداتها بين جمهور الشباب الذي فقد الأمل ببرنامج السلام والابتعاد عن السلطة بل ومناوئتها ومعاداتها في مرحلة تراكمية لاحقة انتهت بالاستيلاء على السلطة في قطاع غزة وطرد السلطة المركزية منها وحدث الانقسام وللتاريخ كانت العمليات العسكرية لكل من حماس والجهاد الاسلامي متواصلة مع كل جولة جديدة للمفاوضات ليس بالتنسيق لتقوية المفاوض الفلسطيني الذي كانت السلطة سببا في عدم احتواء ذلك واستخدامه لتقوية مواقفها بل كانت السلطة مستمرة لا تحسب لهؤلاء حساب بل تقمعهم لتهيئة الظروف لبرنامج السلام وهذا كان خطأ كبيرا وفوجئت السلطة في غزة بسحب البساط من تحت أقدامها على خلفيات كثيرة أهمها عدم انجاز اتفاق سلام مع اسرائيل وازدهرت المقاومة في غزة وتسلحت بكل أنواع القوة العسكرية والمالية ودخلت في صراع كبير مع جيش الاحتلال قامت اسرائيل بثلاث حروب كبرى على حماس والجهاد والشعب في غزة وهنا أيضا جاء دور خطأ المقاومة حيث انعزل أو عزل جزء كبير من الشعب ولم يتفاعل عن رضى مع فصائل المقاومة بل مجبرا وقت الحرب وما ان كانت تنتهي حرب حتى يبتعد الناس عن حماس كونها تمارس السلطة ولم تلب احتياجاتهم على الأقل بل ذهبت لأبعد من ذلك وتركت معاناتهم وتاخر الاعمار وارتفاع معدلات البطالة وفي عالب الاحيان زادت العبء عليهم بفئوية الوظائف وفرض الضرائب التي ألغتها سلطة رام الله واحتكار التجارة وجني ثمار الانفاق لصالحها وليس لصالح المجموع السكاني فلم ترصف شارعا ولم تفتح مدرسة ولم تقم العدل الاجتماعي فذهب الناس عنها واعتزل معظم الناس الحالة الثورية المقاومة للانتباه لحيثيات حياتهم الصعبة بدل أن تعطيهم حماس وتستقطبهم ليكونوا سندا تستخدمه على الأقل في حركة جماهيرية مناهضة للاحتلال وتقوي شوكة المقاومة وبقي الوضع على ذلك حتى الآن بل زاد الاستقطاب في مسرح العمل المقاوم في غزة حيث الحالة في الضفة جنحت للهدوء التام بسبب القنع .. وبذلك وضح سبب فشل المفاوضين والمقاومين على خلفية غياب البعد الشعبي لإسناد أيا منهم المفاوض والمقاوم .

منذ نهاية الحرب الثالثة على غزة منذ عام ونيف حاول المنقسمون التصالح الصوري حيث ان كليهما يعاني من أزمات خانقة مع الجمهور في غزة والضفة الغربية لقمعهم الناس وعدم تلبية احتياجاتهم وتحول كل من الحكمين لدولة بوليسية لا هم لهم سوى الضغط على الناس وتعمقت الأمراض الاجتماعية والسياسية في كلا المجتمعين وأصبحت الهجرة حلما للشباب لعدم وجود فرص العمل والقمع البوليسي الشديد وضعف الخدمات وأصبحت غيوم الاحباط السوداء تتدافع في أذهان الشباب الفلسطيني فكانت العمليات الفردية ضد المستوطنين وخاصة في مدينة القدس الأقرب لإمكانية الوصول من الضفة الغربية وازدياد هجمات المستوطنين على المسجد الأقصى وتدرج الشباب إلى حالة القيام بالحل الذاتي الشخصي لكل شاب فلسطيني بالهجوم على الاسرائيليين السبب الرئيسي في نكبتهم ومأساتهم حتى وصل الحال لجو نفسي عام لكل الفلسطينيين بالشعور الملح للخلاص بعد أن فشل قادتهم في انجاز خلاص جماعي وما يتمنون بل زادوا العبء عليهم وانتبهوا لمصالحهم الخاصة والحزبية ودخلوا في مناكفات مزمنة أضاعت الوقت الكبير ولم يقنعوهم بما يفعلون من أجلهم ومن أجل فلسطين وإنهاء الاحتلال ورأينا في المقابل في غزة هروب الشباب عبر الحدود للكيان الاسرائيلي وهو أيضا محاولة للحل أو الخلاص الذاتي الشخصي كما هو الحال لهجومات القدس على المستوطنين والسبب واحد هو فقدان الأمل بالسلطتين وغطرسة الاحتلال.

وجاءت اللحظة النفسية المتناغمة الآنية المتوحدة مع المجموع الفلسطيني في كل مكان ولهذا فانتفاضة القدس هذه ان استمرت أو انطلقت في وقت آخر سوف تستقطب جموعا كبيرة من الناس تريد الخلاص من الاحتلال وستتصاعد هذه الحالة بالتصعيد الاسرائيلي لقمع الانتفاضة سواء بالاشتباك داخل القدس أو في بلدات الضفة وغزة باحتلالها من جديد أو مهاجمتها جوا أو برا.

في هذه الانتفاضة ستختلف طريقتها وأساليبها وستتطور هذه الانتفاضة إلى جماعات كبيرة للاشتباك في مرحلة لاحقة مع المحتلين وسوف تشهد جماعات عابرة للحدود في مرحلة أخرى سواء من غزة أو الضفة الغربية أو الحدود العربية فهذه هي سمة الحراكات الشعبية في السنوات الأخيرة وسيفعلها الفلسطينيون هذه المرة نتيجة لفقدان الأمل بالحل السلمي والحل العسكري وستكون القدس محور الاستقطاب سيلتحق بها عرب ومسلمون على شاكلة الجماعات الشعبية في سوريا وليبيا والعراق والانتفاضة الأولى في فلسطين وستستمر الحالة في تصاعد حيث لا أمل في حلول لقضية فلسطين وشعبها عند الفصائل والقادة هنا وفي دول العرب والمسلمين حتى تحقيق الهدف الفلسطيني بالتحرر والاستقلال.

بقلم/ د. طلال الشريف