الانتفاضة الفلسطينية ضرورة يحكمها الزمان والمكان

بقلم: أكرم أبو عمرو

الانتفاضة الثالثة ، تعبير بدأ تداوله على كثير من الألسنة الفلسطينية خلال السنوات القليلة الماضية ، وقد جاء ذلك نتيجة التراكمات المتزايدة من ممارسات الاحتلال الاستعمارية والتي أساسها السلب والنهب ، والقمع والتنكيل ، والحصار والتجويع ، والاهم من ذلك كله سياسة إحلال الآخر ، وهو المستوطن القادم من بلاد بعيدة بدلا من المواطن الأصلي صاحب الأرض ، هذا هو ملخص واقع شعبنا منذ فترة ليست بالقصيرة ، بحيث نرى أجيالا كاملة لم تر غير هذا ، ولدت ونشأت لترى الآفاق وقد سدت أمامها ، ولم تسمع إلا عن وعود وآمال زائفة ، لدرجة أن دفعت بالكثيرين منهم إلى إلقاء أنفسهم في أحضان البحر ، وغياهب المجهول أملا في النجاة بمستقبل أفضل .
لم تنتظر هذه الأجيال طويلا وهي ترى عدوها وقد أشعل عود ا للثقاب ، ربما لاختبار مدى قدرة هؤلاء الشباب من جيل المعاناة ، حيث بدأت قطعان المستوطنين بالاعتداء على أقدس بقاع الأرض وأطهرها ، المسجد الأقصى المبارك ، حيث سارعت مجموعات الشباب إلى التصدي لهذه الجماعات المحمية من قوات جيش الاحتلال وبأوامر مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي وأركان حكومته ،وكان الصدام الذي تحول إلى مواجهات مباشرة بين الشباب الفلسطيني الأعزل وبين المستوطنين والجنود الإسرائيليين المزودين بكل أنواع الأسلحة ، حيث واجه شبابنا قطعان المعتدين بالحجارة تارة وبالسكاكين تارة ، وما هي إلا أيام بل وربما ساعات حتى اتسعت هذه المواجهات لتشمل المدن والقرى الفلسطينية في أماكن التماس مع الجيش الإسرائيلي ، وما زالت مستمرة حتى الآن .
لقد أطلق البعض على ما يجري بأنه انتفاضة ووصفها البعض الأخر بالهبة ، هلل البعض لها معتبرا إياها بداية مرحلة جديدة من مراحل نضالنا ضد عدونا ، داعيا إلى الاستمرار والتصعيد ، في حين رأي البعض الآخر بأنها أحداث أو مواجهات فردية يقوم بها بعض الشباب للتنفيس عن غضبهم ليس من الاحتلال فقط ، بل من مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، آملين في تغيير هذه الأوضاع . والسؤال الآن ، هل نحن بحق بصدد انتفاضة فعلية قد تمد طويلا ، أم نحن إمام هبة لا إرادية فردية ستهدا وتتلاشى عما قريب .
في الحقيقة الشيء الوحيد الذي يمكن استخلاصه مما يجري هو أن شعبنا في حاجة ماسة إلى إجراء كانقلاب سياسي أو ثوري لتغيير الأمر الواقع الذي أصبحنا نعيش فيه ، والجميع يعرف ويدرك حجم المعاناة التي يواجهها شعبنا بكل شرائحه ، وبنظرة سريعة على أخر الإحصاء الاقتصادية والاجتماعية يمكن معرفة حجم هذه المعاناة ، ففي قطاع غزة فقط كان هناك تقريرا امميا يفيد بان قطاع غزة سيصبح منطقة غير صالحة للسكن بحلول عام 2020 ، كما أن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في الضفة الغربية لا تختلف كثيرا عن قطاع غزة ، أمام هذا الركود السياسي والاقتصادي ، وطالما أن قيادات الشعب الفلسطيني سواء قيادات السلطة أو قيادات الفصائل الفلسطينية منشغلة بنفسها ، إعلامها ، وبرامجها ، وأدبياتها وحتى راياتها بعيدا عن المعاناة الحقيقية للشعب ، فلا بد هنا أن يأخذ الشعب الأمر بيده للتغيير إلى الأفضل اواجبار القيادات على التغيير ، وذلك عن طريق إشعال المنطقة مع العدو الرئيس لشعبنا . إذن يمكن القول بان الانتفاضة ضرورة ملحة تفرضها وقائع العلاقات اليومية سواء العلاقة مع الاحتلال ، أو العلاقات الفلسطينية الفلسطينية ، ولكن هل يمكننا توقع نجاح هذه الانتفاضة في تحقيق أهدافها ، قياسا بانتفاضتين سابقتين لها ؟
اعتقد انه من الصعب التنبؤ أو توقع آية نتائج ايجابية والسبب أن هذه الانتفاضة محكومة بعاملين اثنين هما :
- العامل الزماني ، واقصد هنا الظرف الزماني وما يتضمنه من ظروف سياسية إقليمية وعربية ومحلية محيطة بنا لا يمكن أن نضع أنفسنا في معزل عنها ،
- العامل المكاني ، واقصد ظروف قطاع غزة ، ففي الوقت الذي يمكن فيه اشتعال انتفاضة شعبية سلاحها الحجارة والسكاكين ، ضد جنود الاحتلال في الضفة الغربية ، فالحد الأدنى للمواجهة هو الرصاص في قطاع غزة وبالمناسبة وللأمانة فإن هذا التعبير الحد الأدنى اقتبسه من احد الزملاء الذين تبادلت معهم الحديث حول الانتفاضة .
أما العامل الأول فإننا نرى بان انتفاضة في حالة اشتعالها ستفقد الكثير من الزخم الشعبي العربي المؤيد والداعم لها على الأقل من الناحية المعنوية ، خاصة في ظل الظروف المأساوية التي تحيط بالعديد من الدول العربية التي وقفت دائما مساندة لقضيتنا ، سوريا ، العراق ، ليبيا ، اليمن ، ومصر ـ، بسبب انشغال هذه الدول بقضاياها وظروفها الداخلية التي باتت معروفة للجميع من جهة ، والغيوم الكثيفة التي تخيم في سماء بعض العلاقات الفلسطينية مع بعض الدول العربية .
أما العامل الثاني ، وهو طبيعة الأوضاع في قطاع غزة ، حيث يخلو قطاع غزة الآن من جنود الاحتلال ، بحيث لا يوجد احتكاك مباشر مع جنوده ، ونقاط التماس موجودة على حدود عام 1967 ، وهي مناطق تفصل بينها وبين المواجهة المباشرة مع المواطنين مسافة تصل إلى 300 متر ، وبالتالي من الصعب وصول الشباب إلى نقاط التماس وان كان بعض الشباب تمكن من الوصول مندفعا إلا أنهم سيكونون عرضة للإصابة المباشرة برصاص جنود الاحتلال ، وسيعمل على زيادة بل مضاعفة الخسائر البشرية هناك ، أما استخدام السلاح فهذا أمر محكوم بالحسابات الصحيحة ، والجميع يعرف أن قطاع غزة ما زال يئن من أثار حرب ما زالت آثارها قائمة .
إننا وإذ نتابع عن كثب ما يجري فأننا نرى أن ما يجري لم يصل إلى حد الانتفاضة الشاملة ، بل هي ما زالت في طور الأعمال الفردية والجماعية الذاتية ، ولكن هناك خشية من تسلل الأجندات الخاصة لتأطيرها وحرفها عن مسارها ، ومن ثم تحولها لخدمة عدونا .
جميل أن يثبت شعبنا أن بوصلته الحقيقية متجهة صوب الاحتلال وحماية المقدسات ، وهذه فرصة ذهبية لفصائل العمل الوطني والإسلامي ، ومن قبلها القيادة السياسية الفلسطينية لاتخاذ إجراءات عملية تشبع رغبات الشباب وتطلعاته في حياة حرة كريمة آمنة مستقرة ، وهو تجسيد ما أعلنه الرئيس في خطابة الأخير في الأمم المتحدة ، لتعلن فلسطين دولة تحت الاحتلال ، ولتنهى أوسلو وتبعاتها ، ولنعمل على رص الصفوف ووحدتها ، وهاو هو شعبنا يثبت انه على استعداد لبذل الغالي والنفيس لدعم وحماية كل قرار وطني .

أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
13/10/2015