أسرى إسرائيل وأسرانا... رقصٌ مع الشيطان

بقلم: أحمد فؤاد أنور

مشكلاتنا مع التيارات اليمينية المتطرفة تحت شعارات إسلامية متعددة تتنامى، وقد ثبت أنه بدلاً من أن تكافح تلك التيارات معنا لتنمية البلاد العربية وإخراجها من عثراتها متعددة الأوجه، وتحويل الهزيمة إلى نصر، كما حدث في حرب 1973 التي تحلّ ذكراها هذه الأيام، وبدلاً من أن تصد الأخطار الخارجية أو حتى تنتفض لنصرة الأقصى، تركز على القشور والنقاط الخلافية والتفتيش في النيات، وتحاول فرض رأيها بالعنف والترويع.

والملاحظ أن هذه التيارات والأحزاب، وبعضها سيخوض الانتخابات البرلمانية الآتية في مصر، تتمايز عن بقية الأحزاب الدينية في أي مكان آخر في العالم، بخاصة في إسرائيل حيث تعادي التيارات والأحزاب الدينية "الغوييم" أي الأغيار في المقام الأول، ولم نجد متطرفاً يقتل يهودياً. على مدار تاريخهم، تم قتل اثنين فقط على يد يهود (اسحق رابين في التسعينات وأحد نواب هرتزل في مطلع القرن العشرين). وفي المقابل، حدّث ولا حرج عن قتل عشرات بل مئات الآلاف من المسلمين بلا وجل أو تردد أو وخزة ضمير. ما أود أن أوضحه هنا، أن هذه التيارات هي في الواقع أسرى أفكار وأموال تسيطر على حياتها ولا تستطيع الفكاك منها لارتباطات عائلية ووظيفية ومعيشية متشعّبة. والسؤال هنا: كيف تعاملنا مع الأسرى القدامى وكيف نتعامل مع الأسرى الجدد؟ أسرى الأفكار الجامحة المدمرة، مثل المتطرف الذي لا يرى ما حوله ويتشبّث بعالمه الخاص دوماً المرتبط بالعنف والدمار.

الأسير في اللغة من الجذر "سبى"، وهو على وزن اسم مفعول، بمعنى أنه وقع عليه الفعل، ما دفع القوانين الوضعية والشرائع السماوية الى حماية الأسرى وصون حقوقهم نظراً الى كونهم أقرب الى فاقدي الأهلية. مع الوضع في الاعتبار أنه كلما زادت درجة الوعي كان من الأصعب التنكيل بالأسير أو قتله.

وقد تابعت في شكل شخصي وقائع إلقاء القبض على أسيرين إسرائيليين، كلاهما طيار، أحدهما سقط في المنصورة (شمال مصر) خلال حرب الاستنزاف، وتعرّض للاعتداء من الأهالي الغاضبين حتى أنقذه أحد الشيوخ واستدعى الشرطة العسكرية لتسلّمه، وبمرور السنوات وإبرام معاهدة السلام أصرّ الأسير المحرر على العودة وتقصّي مكان هذا الشيخ ليعبّر له عن امتنانه، لأنه كان يخشى القتل وهو ما لم يحدث. وفي واقعة مشابهة، سقط طيار في سورية عام 1973 ولم يتم اغتياله، بل طلب ماء فسقاه أحد أصدقائي السوريين الماء وأحسن معاملته. في المقابل، قتل إسرائيليون أسرى واعترفوا بذلك، وكان من بينهم عمال مناجم ومدنيون.

مثل أي أسير يجب أن تكون حقوقه ومعاملته انعكاساً للنصوص المقدسة وللضمير الإنساني، طالما لم يرسل مزيداً من القتلة لتنفيذ مهام من داخل محبسه، مع ملاحظة أن أسرى الأفكار الدامية المسكونين بالشطط والجموح يبثون مشاهد قتل أسرى متكررة على يد تنظيم "داعش" الإرهابي، ما ينم عن تفاخر ومباهاة وليس فقط اعترافاً بهذه الجريمة. ويعيد ذلك إلى الأذهان حقيقة أن أول من اعترف وتباهى بقتل أسراه هو الجانب الإسرائيلي بهدف الترويع والمباهاة أيضاً، بخاصة أن التأثر غير مستبعد سواء تم من خلال التعامل المباشر وتجنيد التنظيم لجنسيات مختلفة في صفوفه من بينها الجنسية الإسرائيلية، أو التأثر عبر مواقع التواصل في شبكة الإنترنت.

فكيف نتعامل نحن الآن مع أسرى الخروج على القانون، أسرى التطرف الذين يقبعون وسط صفوفنا والذين يسيرون وراء قطيع يدفعهم الى ارتكاب الجرائم ضد بني جلدتهم، الى درجة أن طرفة تروى أن "الدواعش سيهاجمون إسرائيل فوراً، وبكل ضراوة، إذا أشهر اليهود فيها إسلامهم"! كيف نتعامل مع هؤلاء وهم يخدمون مصالح إسرائيل ويرفضون توجيه حتى تهديد لفظي لها وهي تدنّس الأقصى ليل نهار؟ الحل من وجهة نظري هو استلهام روح نصر أكتوبر بإرادة لا تنكسر، ولا تلين، والتسامح مع من يستحق، وفي الوقت ذاته التعامل بكل صرامة مع "الأسرى" الذين يصرون على اللجوء إلى العنف سواء كان لفظياً (تحريضياً أو ببث أخبار كاذبة، وخلافه) أو مادياً بالتمويل والمشاركة في الجرائم. فلا علاج نفسياً لهؤلاء وهم في الواقع أخطر علينا من أسرى التطرف الديني اليهودي ذاته بكل أسف.

أحمد فؤاد أنور

* أكاديمي مصري