الشباب سادة الشارع، الفصائل على الهامش

بقلم: رشيد شاهين

امس الثلاثاء، أظهر بدون مواربة عجز الفصائل الفلسطينية بدون استثناء وبَيّنَ تأثيرها المحدود في الشارع، حيث كانت الفصائل الفلسطينية "وطنية وإسلامية"، قد أصدرت بيانا دعت فيه الجماهير، للتجمع عند مدخل مخيم قلنديا اليوم الساعة الثانية عشرة ظهرا.

فماذا حدث عند وصولنا إلى هناك؟ هل نقول صادما، أم نقول يدفع على الإحباط، ام انه لم يكن مستغربا؟ لقد تواجد رموز وممثلي الفصائل، بما في ذلك حماس وفتح، لكن بدون جمهور يذكر، وكان ملاحظا ان عدد الصحفيين ووسائل الإعلام الأخرى أكثر من عدد المتواجدين.

كان لافتا، ان عددا من الشبان اخذوا بالهتاف ضد رموز الفصائل الموجودين، وقام بعضهم بالتندر بالقول "لماذا تقفون هنا، لماذا لا تتقدمون إلى الأمام، أم ترى هنا يوجد كاميرات تلفزيونية"،هذا ربما اجبر الموجودين على السير أماما نحو المعبر على بعد حوالي 400 متر.

وما ان وصلنا إلى مسافة 100 متر عن المعبر، حتى تم غمر المكان بقنابل الغاز المسيل للدموع، وهنا أيضا قام بعض الشباب "بالتندر" على الموجودين من ممثلي الفصائل "هيا يا أعضاء التشريعي، لماذا لا تتقدمون أماما، أم انه لم يعد هناك كاميرات تتحدثون أمامها".

ما كان لافتا أيضا هو ان الفصائل عجزت عن جمع أكثر من 50 إلى 60 شخصا، وان "القوات الضاربة" لهذه الفصائل غير موجودة. وان من قام بالاشتباك هم مجموعات من أبناء المخيم الذين لا نعتقد بان لهم صلة بالفصائل، وإن كان هنالك أية علاقة فهم لم يأخذوا "إذنا أو أمرا" من فصائلهم للاشتباك مع قوات الاحتلال.

ما يجري على الأرض الفلسطينية المحتلة، هو مقاومة تستمد قوتها من كل ما سببه الاحتلال من ضغط وقهر وقمع وقتل واستهتار، وفقدان الأمل لدى هؤلاء الشباب في ظل انسداد كل ما له علاقة بالعملية السلمية، بالإضافة إلى الشعور الذي ساد بعد جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وما قيل فيها من "خطابات" وكلمات، والشعور العام بان العالم قد أدار ظهره للقضية الفلسطينية واعتبارها في "مؤخرة" اهتمامات العالم.

الشباب الفلسطيني المشتبك مع قوات الاحتلال، في ظل كل هذا الإجرام الصهيوني غير المسبوق الذي يتم على شاشات التلفزة، والعقلية المنحرفة التي تحكم قادة الكيان، وكل ما يجري من تهويد للقدس ومحاولات السيطرة على الأقصى أو تقسيمه ، هؤلاء الشباب، هم في الحقيقة من جيل جديد، يشعر بان الأمل في عيش كريم أصبح شبه معدوم، وهو جيل افقده الاحتلال عمليا، الشعور بعدم إمكانية وجود أفق او مخرج لهذا الاحتلال.

ما عرض بالأمس والتنكيل بالفتى مناصرة وما دار حوله وتركه ينزف على الأرض، لا يمكن أن يمر هكذا بدون ردود فعل، حيث اثبت الشريط، أن العقلية التي تقابل الفلسطيني لا تقل إجراما وانحرافا عن العقلية النازية، عقلية المحرقة والمعسكرات النازية.

الهبة، الانتفاضة، "أو سمها ما شئت" الحالية، لا تختلف عن سابقاتها، حيث كان الشباب هم من يقرر في كل مرة، أن يأخذ زمام المبادرة، وإذا كانت غزة مهد انطلاقة الأولى، فإن القدس، عروس المدن العربية، هي من أطلق شرارة الأحداث الحالية، حيث تحاول دولة الاحتلال "الاستفراد" بالقدس، وكأنها ليست جزءا من الأراضي المحتلة.

الشباب الثائر في الشوارع، يتحدى ليس فقط الاحتلال، وإنما كل من يحاول ثنيه عن الاستمرار في ثورته، ويرسل رسالة الى العالم وفي المقدمة أمريكا، انه طالما بقي الاحتلال فستستمر المقاومة، وإن بهتت او خمدت في بعض الأوقات، وانه طالما هنالك احتلال، فلا بد من وجود مقاومة.

سلمية هذه الهبة، تربك الحسابات الصهيونية، وتجعلها غير متأكدة في كيفية الرد على ما يجري، كما ان محاولات نتانياهو وصم ما يجري بأنه إرهاب، لا يقنع أحدا في العالم، ولا حتى الصهاينة أنفسهم.

ما يجري على الأرض هو الرد على السياسات العنصرية الصهيونية، وعلى الإعدامات الميدانية، و"استرخاص" الدم الفلسطيني، هو عمليا الثمن الذي لم يتعود ان يدفعه المجتمع الصهيوني، فالاحتلال شعر لفترات طويلة بانه "مرتاح" وليس هنالك ثمن لدفعه، وهذا أحد أهم أسباب التعنت الصهيوني على مدار سنوات بضمنها سنوات "المفاوضات، ولو كان الاحتلال يدفع مثل هذا الثمن، ويشعر ان الاحتلال مكلف، لاختلفت الظروف، ولأعاد قادة الكيان النظر في موقفهم من بقاء الاحتلال.

الشعب الفلسطيني يعي ان من حقه الدفاع عن نفسه ومقاومة الاحتلال، وهو يمارس ذلك الآن بدون تردد أو وجل. ولم يعد يستمع إلا الى نداء الوطن، ولدماء الشهداء الذين اعدموا بدم بارد، من هنا يأتي الرد على الجرائم بالشكل الذي يجري، حيث يقوم الشبان حيثما أمكن بعمليات طعن أو دهس أو إطلاق نار، هي في المجمل تكون بعيدة عن الفصائل، وهذا احد أهم أسباب الإرباك لأجهزة الأمن الصهيونية التي لم تتعود على مثل هذه الأعمال الفردية التي تجري بعيدا عن عيون وعملاء الاحتلال المزروعين في كل مكان.

الهبة الحالية، ستقلب موازين الفهم الصهيوني لعملية احتلال ارض الغير وقمع شعب لآخر، وسيصبح شعار أو واقع"احتلال بدون كلفة" من الماضي، ليتحول الى شعار "احتلال عالي الكلفة"، في هذه الحالة فقط يمكن لقادة الاحتلال إعادة النظر في ما يفعلونه على ارض الواقع.

بقلم/ رشيد شاهين