عندما نتكلم في أمور خطيرة علينا التزام أقصى درجات الصراحة خدمة للقضية والمنخرطين في النضال من أجل إعلائها. والأحداث المندلعة في فلسطين، أي من رأس الناقورة شمالاً إلى أم الرشراش جنوباً، تتعلق بقضية شعب يناضل من أجل الحفاظ على حقوقه في وطنه، واستعادة ما أضاعه منها أعراب أنظمة سايكس بيكو وعربها، بالتواطؤ مع الاستعمار البريطاني والفرنسي والأميركي والحركة الصهيونية.
السؤال/ التساؤل الذي نود طرحه هنا: هبة فلسطين، إلى أين؟!
الإجابة تلزمنا الاستعانة بتجارب الماضي القريب، بعد تعرف القوى الموجودة على أرض المعركة.
هناك أولاً شعبنا في فلسطين المحتلة، شعب البطولات والتضحيات الجسام.
ثم هناك مختلف الحركات السياسية وقياداتها، المحتمية بالعدو الصهيوني في رام الله، وتلك المحتمية في فنادق السبع نجوم ببترودولار الأعراب التكفيريين المرتبطين عضوياً بواشنطن، وبالتالي بتل أبيب.
هذه تستمد استمرارها في موقعها من كونها خادم مطيع للسيد في تل أبيب، وتلك تستمده من ولائها المطلق لتكفيريي البترودولار.
لا فرق بينهما حيث اتفقت جميعها على الخضوع لأوامر السيد الخرِف والمراهق. كلاهما أيدا العدوان الهمجي على اليمن وشعبه. فحين لا تكون فلسطين البوصلة، فمن الطبيعي أن تكون واشنطن وأتباعها الآمر الناهي. وبينهما ثمة قيادات لا حول لها ولا قوة، وإن لا شك في صدق بعضها، وأخرى نسي شعبنا أنها موجودة مع أنه يملك ذاكرة الفيل، كما يقال!
منذ الاستسلام المخزي في عمان ١٩٧٠ وحتى أوسلو، عايشنا هبات عديدة في فلسطين المحتلة سقط فيها مئات آلاف المناضلين إضافة إلى آلاف الجرحي والمعاقين والمساجين.
وعندما نسأل: ما نتيجة سقوط كل هؤلاء المناضلين الأبطال؟ الإجابة المؤلمة: لا شيء مادياً ملموساً. المستفيد الأكبر من هذا كله كانت جماعة أوسلو التي استغلت الوضع كي تشدد من قبضتها على شعبنا وتتمادى في انصياعها لإملاءات الأعداء، وكي تعمق التنسيق مع العدو الصهيوني في محاربة المناضلين، وكي تتسول من أعراب البترودولار أموالاً إضافية لتبتاع نفوساً ضعيفة، بعد حسم حصتها وتحويلها إلى جيوبها وحساباتها المصرفية.
من البديهي أن أي نضال، حتى لو كان سلمياً، لا بد من أن يعني تقديم تضحيات كبيرة. لكن ثمة فرق بين تقديم التضحيات بالنفس والمال فقط كي يقال: قدّمنا وقدّمنا، وهو لسان كبار السحرة في رام الله وأيضاً في عواصم أعراب البترودولار التكفيريين – وكيف ننسى ما ألحقوه بشعبنا في مخيم اليرموك وكيف عضّوا اليد التي كانت تطعمهم!
مختصر القول: إن شكل النضال الحالي المتمثل في الهبة ضد العدو الصهيوني يجب أن يتم على نحو منظم ووفق برنامج محدد وأهداف واضحة تجمع كل فئات شعبنا. وفي حال غياب ذلك، تكون التضحيات قد قدمت وستقدم من دون أي نتيجة، وهذا ما حدث في الماضي.
إضافة إلى كل ما سبق ثمة أمر أشد أهمية هو فرز المناضلين ضد العدو ومن أجل حقوقنا الوطنية في فلسطين من أولئك المتعاونين معه.
إن جماعة رام الله قد أثبتت للمرة الألف، بعد المليون العاشرة، أنها لا تقف في صف شعبنا وأهدافنا الوطنية، وأن سبب وجودها في المقام الأول هو خدمة واشنطن التي وضعتها في السلطة. لذا فإن شرط نجاح أي نضال ضد العدو الصهيوني، وإن على مراحل، هو العمل على حلّ هذه السلطات الكاريكاتورية المتواطئة، ليس في رام الله فقط وإنما أيضاً في الأراضي الفلسطينية المحررة/ المحاصرة، وكل أجهزتها، الاستخبارية والأمنية والتعليمية وغيرها، ومن ثم محاسبتها على كل خطاياها. كما وجب المطالبة بكشف كل المنظمات المسماة غير الحكومية، والتي هي حكومية – أميركية/ ناتوية وكذلك أسماء الرأسماليين الخونة الذين يستثمرون الأموال في اقتصاد العدو ودولته العنصرية. أخيراً وجب تنظيم انتخابات لاختيار قيادة جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تقود نضالنا، لكن على أساس توحيد النضال مع أبناء شعبنا في الأراضي المحتلة عام 1948 وبالتنسيق مع القوى اليهودية المعادية للصهيونية فكراً وممارسة. كما وجب ضم ممثلين عن تجمعات شعبنا في كل أمكنة وجوده. ومن أجل منع ابتياع الأصوات كما يحصل دوماً، وجب عدّ المناطق الفلسطينية المحتلة دائرة انتخابية واحدة. بعد ذلك يتم اختيار قيادات جديدة لممثلي شعبنا في خارج الوطن المحتل.
سلوك طريق غير ذلك سيعني المزيد من الضحايا والهزائم.
زياد منى