لا أعرف ما الذي سيحمل قيادة السلطة الفلسطينية على استقبال المتصهين كيري،والذي جربته اكثر من مرة،خدعها وضللها وكذب عليها،وهي من وثقت به ووقفت ضد خيارات شعبها وحتى قرارات مؤسساتها الشرعية،وادخلها في أزمة ثقة مع شعبها،ووعدها بأنه سيأتي ب"الزير من البير" ولتكتشف هذه السلطة بانه ليس اكثر من مخادع دجال،متطرف اكثر من اكثر الأحزاب الإسرائيلية اليمنية المتطرفة تجاه حقوق شعبنا الفلسطيني،واليوم في ظل تصاعد الهبات الشعبية الجماهيرية الفلسطينية المتلاحقة،والتي طالت كل جغرافيا فلسطين التاريخية طولاً وعرضاً،وادخلت الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي في ازمة وحالة من "الهوس" والوسواس القسري،وأصبحوا يعيشون في كوابيس رعب من رؤية الطفل الفلسطيني مبتسماً او مهرولاً غير مكترثاً بكل عقوباتهم الجماعية وإجراءاتهم وممارساتهم العنصرية والإذلالية،حالة عدم الإكتراث تلك دفعت بهم لقتل وتصفية اطفالنا بدم بارد تحت حجج وذرائع الشبهة او التفكير بالطعن،وأبعد من ذلك دفعت بهم حالة الخوف والإرباك إلى طعن بعضهم وإطلاق النار لتخيلهم رؤية اطفالنا وفتيتنا وشبابنا يحملون سكاكيناً.
هذه الحالة هي من تدفع بهذا المتصهين لكي يزور المنطقة، من أجل إنقاذ حكومة الإحتلال من ازمتها وورطتها،ومن اجل منع تدهور الأوضاع وإنفلاتها على المستوى العربي،رغم كل ما تعيشه الحالة العربية من رداءة وإنحطاط وتغليب لهمومها القطرية على الهموم القومية والوطنية وإنشغالها في حروب التدمير الذاتي.
السبب الوحيد الذي يحمل السلطة الفلسطينية على استقبال هذا المتصهين،هو إستمرار سيطرة عقدة الإرتعاش السياسي المستديمة على تفكيرها وخياراتها وعلاقاتها مع امريكا ودول الإستعمار الغربي،فهي جربت هذا المتصهين وخبرته جيداً عندما ضغط عليها من اجل العودة للمفاوضات رغماً عن إرادة مؤسسات المنظمة الشرعية،محاولاً إقناعها بان سيلزم اسرائيل بوقف الإستيطان،وبالوصول الى حل تقام من خلاله دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967،ولتمضي مدة التسعة شهور للمفاوضات،ولم توقف اسرائيل الإستيطان لا كلياً ولا جزئيا ولا سراً ولا علناً،بل في خطوات ما يسمى ببناء الثقة والمتضمنة إطلاق سراح أسرى ما قبل اوسلو على أربع دفعات تلاعبت في الأسماء ومع كل دفعة اطلقت سراحها،أعلنت عن طرح عطاءات ومناقصات ومصادقات لبناء وإقامة مئات الوحدات الإستيطانية الجديدة في القدس المحتلة،ولتبلغ الأمور ذروتها برفضها لإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى من دون أن يمارس كيري أية ضغوط على حكومة الإحتلال من اجل الوفاء بالتزاماتها،وحتى لم يحملها المسؤولية عن فشل المفاوضات بعنجهيتها وغطرستها ورفضها لوقف او حتى تجميد الإستيطان ولو بشكل مؤقت.
أليس كيري من مارس التهديد والوعيد بحق السلطة الفلسطينية عندما قدمت مشروعها في اواخر عام 2014 من أجل إستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي للإعتراف بفلسطين دولة تحت الإحتلال،وتحديد سقف زمني لجلاء الإحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967،ومارس ضغوطاً على نيجيريا لكي لا تصوت لصالح المشروع الفلسطيني،وبما يضمن عدم طرح المشروع على التصويت في مجلس الأمن الدولي لعدم توفر النصاب (تسعة أصوات).
والآن في زيارته المرتقبة،ماذا سيحمل هذا المتصهين في جعبته سوى المزيد من الضغط على السلطة الفلسطينية..؟؟وإنسان وقح كهذا يطالب السلطة بأن تدين نضال شعبها المشروع في الدفاع عن وجودها وبقائها وحقوقها وكرامتها أمام عدو "متغول " و"متوحش" مدجج بكل انواع الأسلحة الحديثة،يطلق العنان لسوائب مستوطنيه لكي تنفلت من زرائبها وتمارس كل أشكال العربدة والبلطجة والزعرنة والقتل بحق أبناء شعبنا الفلسطيني؟؟وليس هذا فحسب بل يعتبر حق شعبنا في الدفاع عن نفسه ضد الحرب الشاملة التي يشنها الإحتلال عليه إرهاباً.
ما يدفعه شعبنا من ثمن باهظ بسبب الإنحياز الأمريكي السافر لصالح دولة الإحتلال وإرتكابها لجرائمها وممارساتها القمعية والإذلالية بحق شعبنا الفلسطيني،يحتم علينا ان لا نلتف الى ما يقوله هذا المتصهين،فأمريكا هي من تتبنى كامل الرواية الإسرائيلية من الأحداث والصراع،ولا تكترث لشعبنا وما يرتكب بحق أبنائه وبناته من عمليات إعدام بدم بارد،وامريكا أصغر طفل فلسطيني لا يفهم او يعرف معنى كلمة سياسية وليس من "جهابذة" الحياة مفاوضات،قادر ان يعرف ويدرك بان امريكا كل ما تريده الإستمرار في إدارة الصراع وليس حله،وكسب الوقت لكي تستكمل اسرائيل مشروعها في تهويد الأراضي الفلسطينية المحتلة،بحيث تستولي على أغلب مساحة الضفة الغربية،وما يتبقى من أراض يتحول فيها الوجود العربي الفلسطيني الى "جيتوهات" مغلقة،مع إبتلاع كامل للقدس.
أمريكا لا تريد أن يحصل الشعب الفلسطيني على دولة فلسطينية مستقلة لا بالمفاوضات ولا بالإنتفاضة والمقاومة ولا عبر مؤسسات الشرعية الدولية،وهناك من العرب والفلسطينيين المنهارين من يطبل ويزمر عند أي تعارض تكتيكي او حتى شكلي في الأولويات بين أمريكا وحكومة الإحتلال،ويشبعنا "جهبذية" وتحليلات سخيفة عن أن العلاقة بين أمريكا واسرائيل دخلت مرحلة من الخطر والتغير والإهتزاز الكبير.
المشروع الذي تتناوله وسائل الإعلام والقادم به كيري،يتوجب علينا رفضه بشكل مطلق،فنحن في مرحلة دفاع ونضال مشروع عن وجودنا وحقوقنا،وليس نضالنا عنفاً او إرهاباً،ومن يمارس الإرهاب معروف وواضح،حكومة متصهينة تمارس إرهاب دولة بحق شعب أعزل،الضوء الأخضر والدعم الأمريكي اللامحدود،هو من يشجعها على ان تبقى دولة فوق القانون، تمارس كل أشكال الإرهاب دون حسيب او رقيب،والإستاتيكو في الأقصى يا متصهين معروف،هو المسؤولية الكاملة للأوقاف الإسلامية عن المسجد الأقصى،ذلك المكان المقدس للمسلمين دون غيرهم من أتباع الديانات الأخرى،وليس الإستاتيكو الذي يحاول فرضه علينا نتنياهو بالسماح للمستوطنين بالدخول الى المسجد الأقصى وممارسة طقوسهم التوراتية والتلمودية في ساحاته.
المتصهين كيري جعبته فاضية وزيارته تاتي من اجل إنقاذ حكومة الإحتلال من مأزقها وورطتها وأزمتها،وإعادة الأمن الى المجتمع الإسرائيلي المصاب بحالة من الهوس والوسواس القصري،ومن أجل إجهاض الهبات الشعبية الجماهيرية الفلسطينية،ووقف تداعيات مفاعليها عربياً وإقليمياً ودولياً،وممارسة المزيد من الضغوط على السلطة الفلسطينية،ومن اجل قطع الطريق على أي مبادرات دولية أو من خلال الأمم المتحدة،وبما يشكل بديلاً عن أمريكا وضاغطاً عليها في طرح مبادرات دولية تلزمها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية،ولذلك من الخطأ الفاضح أن تستقبل السلطة الفلسطينية هذا المتصهين المتطرف من اكثر متطرفي حكومة الإحتلال بشأن حقوق شعبنا وقضيتنا الفلسطينية.
بقلم/ راسم عبيدات