قراءة سريعة في وصايا الشهيد بهاء عليان

بقلم: رشيد شاهين

ليست المرة الأولى التي يترك فيها شهيد فلسطيني وصية لمن تركهم ينعمون بالحياة، سواء كان هؤلاء من الأهل والأحبة والأصدقاء، أو من الرفاق على درب مسيرة النضال المستمرة طالما بقي الاحتلال. وقد ساد هذا النمط بشكل كبير خلال سنوات الانتفاضة الثانية.

في الواقع، إن ما ميز وصية الشهيد بهاء، هو كتابته لوصيته على صفحته قبل حوالي عام من استشهاده، وهذا يختلف بشكل عام عن وصايا الشهداء الآخرين، الذين عادة ما كتبوا وصاياهم، قبل فترة قصيرة وربما قصيرة جدا من تنفيذ عملياتهم.

لقد كان لافتا ان بهاء كتب في أولى وصاياه العشر، رغبته عدم تبني الفصائل لاستشهاده، وأكد ان موته كان للوطن وليس للفصائل، وهذا ما يشير إلى انه أدرك وهو ابن الاثنتين وعشرين عاما، ان هذه حالة مرضية سادت بين الفصائل، على مدار أعمارها، وكانت في أحيان كثيرة، سببا في إرسال الكثيرين لموت مجاني، بدون تخطيط او استطلاع او تسليح وتدريب وإعداد حقيقي، يتناسب مع حجم التضحية. بالإضافة الى ما تحمله من بعد استخباري، حيث توفر على مخابرات العدو، الكثير من الجهد.

كما أكد في وصيته الثانية، انه لا يريد "بوسترات" تحمل صورته، لأنه لا يرغب ان تكون ذكراه على الجدران، وهذا يعني رغبته ان تكون ذكراه في القلوب وليس لمجرد الاستعراض بكثرة الصور الملصقة على الجدران، وهذا يؤشر على فهم عميق للكيفية التي يتم التعامل بها في أحيان كثيرة مع صور الشهداء، التي تتحول من قبل البعض الى مجرد صور أو أرقام يتم الحديث عنها من قبل هذا الفصيل او ذاك على انها مجرد إحصائيات أو أرقام، ويخلوا الحديث في أحايين كثيرة من أي نوع من "الحميمية".

وكان هنالك إدراك عال للدور الذي تقوم به بعض وسائل الإعلام، وذلك حين تحدث في وصيته الثالثة للمراسلين، طالبا منهم عدم إرهاق والدته بالأسئلة واجترار أحزانها ودموعها من اجل تسجيل "سبق" او خبر يستدر المزيد من المشاهدين أو القراء.

وفي الرابعة، يمكن ملاحظة فهم انساني عميق، حيث يطلب من الجميع عدم تعبئة ابنه بأي نوع من أنواع الحقد، وان يترك له حق تقرير ما يريده مستقبلا، هذا الفهم للوعي الانساني المفقود لدى الأعداء في الطرف الآخر، الذين يعملون على تعبئة أطفالهم بكل انواع الحقد، وفي هذا الإطار تقول غولدا مئير، "ان من حق اليهود بعد الهولوكوست، القيام بأي شيء دون ان يسألهم عن ذلك أحد"، هذا هو الفرق بين بهاء عليان وبين حقد غولدا مئير، وهذا ما يضع بهاء في أسمى المراتب الأخلاقية برغم صغر سنه. هو يريد ان يكبر ابنه ويحدد خياراته دون تدخل عامل خارجي، وان يترك له حق اكتشاف وطنه والقتال من اجل هذا الوطن وليس من اجل الانتقام لموت الوالد.

ويتحدث بهاء بعمق فلسفي في وصيتيه الخامسة والسادسة، ففي الخامسة يقول، ان أرادوا هدم بيتي فليهدموه، فهو ليس أغلى من الروح، في مؤشر على تسامي بهاء عن الدنيا بشكل نادر الحدوث.

وهذا ينطبق على السادسة، حيث وبنفس منطقه الفلسفي يقول "لا تحزنوا على استشهادي، بل احزنوا على ما سيجري لكم من بعدي"، وهل هناك أعمق من هذا الوعي لشاب نذر نفسه للوطن، نعم علينا ان نحزن على ما سيجري لنا، وفي هذا رسالة تموج بالحكمة وبعد النظر، ومحاولة للقول ان أوضاعنا بما نحن فيه من شقاق وتشتت وانقسام، هي من يدعو الى الحزن والرثاء.

أما في السابعة، فانه يمكن قراءة ما هو أعمق في تفكير بهاء، فهو يقول" لا تبحثوا على ما كتبته قبل استشهادي، ابحثوا عما وراء استشهادي"، وهذا ما يؤكد البعد الفلسفي العميق في فكر هذا الشهيد اليافع، وهذا ليس مستغربا عندما نعلم انه كان يتميز بالقراءة ويلتهم بنهم كل ما يقع بين يديه من كتب وأبحاث التهاما.

وفي الوصايا الثلاث الأخيرة، فان بهاء لديه قناعة راسخة بانه ذاهب الى الجنة، وهذا مؤشر على حالة ايمانية عميقة، كما ويطالب بالا تتدافع الجماهير خلال جنازته.

واخيرا، فهو وبحكم معرفته بالعقلية التي نتمتع بها،" لا تجعلوا مني رقما من الأرقام، تعدوه اليوم وتنسوه غداً"، وهو هنا يشير الى ان علينا ان نكون فعلا على قدر ما نردد من شعارات ونهتف من هتافات، وان نبقى مخلصين للشهداء فيما نردده من شعارات، العهد هو العهد، والقسم هو القسم، وبأننا سنكون الأوفياء للشهداء.

بهاء عليان، من خلال وصاياه، يضع اصبعه برغم استشهاده على جروح كثيرة، ويؤشر على العديد من النقاط وأماكن الخلل التي تسود المجتمع بعامة والفصائل بخاصة، وهو بذلك إنما يريد من الجميع، ان يتعلموا الدروس، وأن يأخذوا العبر، فهل نقرأ وهل نسمع؟!

بقلم/ رشيد شاهين