لقد تصور الساسة الإسرائيليين ،وأصحاب القرار الأغبياء ،وبكل حماقة.. أن عزل الأحياء العربية في القدس ، سيكون حلا حاسما لعجز إسرائيل.. أمام التصدي للهبة الجماهيرية الفلسطينية الغاضبة التي اندلعت شرارتها هذه المرة ، إثر التصعيدات الصهيونية الأخيرة تجاه المسجد الأقصى ،والاستفزازات المستمرة من قطعان المستوطنين ،واعتداءاتهم الوحشية تجاه أبناء الشعب الفلسطيني والتنكيل بهم ، تحت حماية جيش الاحتلال ..ولكن القضية هذه المرة لم تقتصر على بقعة بعينها سواء في أراضي الضفة الغربية أو القدس.. ولكن التوسع النضالي الأخير المذهل والمخيف ،والذي انبثق من رحم أراضي ال 48 والذي بث الرعب في عمق الكيان الصهيوني .. لم يكن أبدا وليد الصدفة أو التلقائية العمياء كما يظن أولئك السفهاء والذين ساروا على ركبهم ..لا يمكن برأيي المتواضع جدا تصنيف ذاك التصدي الشرس ، للدولة الاستيطانية الاستعمارية والعنصرية أننا يمكن أن نسميه "انتفاضة " هي ليست انتفاضة فإذا كانت الانتفاضة في قاموس الاصطلاح السياسي " تعني حركة عفوية شعبية غير منظمة يقوم بها الشعب إذا رفضه لقرار أو إجراء اتخذته السلطة الحاكمة"والسؤال هنا ..هل فعلا أن ما يحدث من كفاح ومقاومة وبطولات متلاحمة من قبل أبناء الشعب الفلسطيني ، والذي دوما يتجلى بصورة متوائمة مجتمعة ،وليست منعزلة سواء بين فلسطيني الداخل أو الخارج ،هل يمكن أن نسميه مجرد حركة عفوية غير منظمة طبعا لا ..لأن ما حدث وما يحدث يخالف واقع مصطلح الانتفاضة التي ما تكاد أن تشتعل وإلا يتم إخمادها ..إذا أني أقول هنا وعبر سطوري أنها "حركة احتجاجية كبرى" لأن الهدف العام واحد والحركة واحدة من قبل جميع أطياف الشعب الفلسطيني ألا وهو ..تحرير الأرض ،ورفض الاستيطان أو التوسع الاستيطاني ، ولن تكون هناك دولتان متجاورتان على أرض الواقع أبدا .. بل دولة فلسطينية واحدة موحدة في نهاية المطاف لأن الشجرة مهما تبعثرت أوراقها وأصابها الذبول والاصفرار تبقى جذورها راسخة المعالم في عمق الأرض.. فالصراع ليس لمجرد فقط لتحرير الأراضي الفلسطينية التي احتلت ،ولا لتحرير المسجد الأقصى فقط بل أن الأمور تتهيأ لتظهر النتيجة الحتمية لمتغيرات تلك الأوضاع تحقيقا لهدف أسمى من ذلك ألا وهو.. زوال دولة إسرائيل بالكلية وتشريدهم في أصقاع الأرض ،وما أستند إليه من تلك المتغيرات الطفرية مثالا لا حصرا ..هو تلك العملية الفدائية الأخيرة المباركة والتي نفذها الشاب " مهند العقبي" في المحطة المركزية في بئر السبع ،والتي أسفرت عن قتل جنديين ، وإصابة ما يقارب 11 من الشرطة والجيش بجروح خطيرة ..هذه العملية النوعية وغيرها من عمليات سبقتها أو مما قد يلحق بها .. إنما يدل ذلك على الفشل الذريع للمنظومة الأمنية الصهيونية ..فما الذي يمكن أن تفعله إسرائيل.. بعدما دخل حصان طروادة أرض المعركة ، متخطيا كل الأسوار والحواجز والعراقيل ،والإجراءات الأمنية الفاشلة ..!! فحصان طروادة للذين لم يقرأوا التاريخ ، وإن كان جزءا من الأساطير الإغريقية ..إلا أنه اليوم بدا يتجسد بصورته وهيكله فلم ولن يكن أبدا ..هدية لا في الأسطورة ولا في واقعنا العربي ..!!
بقلم/ حامد أبو عمرة