لماذا لا يتحمس السيد الجبير وحكومته لفلسطين وثورتها بالقدر نفسه؟

بقلم: عبد الباري عطوان

اتمنى على السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي ان يأخذ اجازة، ولو لبضعة ايام، من الحديث عن الملفين الايراني والسوري، لان من يتابع تصريحاته هذه الايام يخرج بانطباع بأنه بات “مهووسا” بهذين الملفين، وان هذا الهوس يتحول الى حالة مرضية، ويعطي نتائج عكسية تماما، ويكشف عن جهل بالتطورات العالمية الجذرية، التي غيرت معادلات هذين الملفين.

ايران تتدخل فعلا في شؤون دول المنطقة العربية، وهذا تدخل مرفوض ومدان، ويعكس نزعة اقليمية توسعية، ولكن هناك سؤالين اوجههما للسيد الجبير، ومن يرسمون له سياساته، ويلقنوه بما يقول، وما يجب ان لا يقول، الاول: هو عن الطرف الذي سمح لايران بالتدخل بالطريقة التي نراها حاليا؟، والثاني: من الذي لا يتدخل هذه الايام في الشؤون العربية ودولها؟ في سورية، وليبيا، والعراق، واليمن، والقائمة تطول.

***

نحن العرب الذين سلمنا العراق لايران، ونحن الذين سلمنا فلسطين لحلفاء ايران ايضا، ونحن الذين سمحنا لايران ان تتمدد في اليمن ولبنان، والسعودية تتحمل المسؤولية الكبرى في هذا المضمار، لانها تربعت على قيادة المنطقة طوال العشرين عاما الماضية دون منازع، ولعبت دورا كبيرا في تسهيل غزو العراق واحتلاله، واستعانت عن دعم المقاومة الفلسطينية بمبادرة سلام لم تستطع فرضها، رغم كل ما حملته من تنازلات، وارتكبت اخطاء تاريخية في اليمن، تكللت بتدخلها العسكري فيها، الذي لم يحل مشكلة، بل خلق عدة مشاكل اخرى في المقابل، ولا نريد الاطالة في هذا الموضوع.

السياسة الخارجية السعودية باتت محكومة بالانفعالية وردود الفعل، وليس القراءة الصحيحة والمتأنية للوقائع، وبما يؤدي الى اعادة تصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح، وخاصة في فلسطين المحتلة وسورية واليمن.

امريكا الدولة الاعظم في التاريخ الحديث تراجع سياساتها في معظم هذه الملفات، والسوري منها على وجه الخصوص، واكد جون كيري وزير خارجيتها امس انه سيجري محادثات مع روسيا وحلفائها في المنطقة في محاولة لتجنب الدمار الشامل، لبحث الخيارات التي يمكن ان تتيح اطلاق عملية يمكن ان تفضي الى انتقال سياسي في سورية، ولم يتحدث كيري مطلقا عن شرط رحيل الرئيس السوري، لانه يعلم ان هذه الاسطوانة باتت قديمة، لا تطرب احدا بعد التدخل الروسي، فهل التقط السيد الجبير وحكومته هذه الرسالة؟

ما يقلق امريكا واوروبا هذه الايام امرين رئيسيين: الاول هو الهجرة السورية نحو الغرب، والثاني انهيار مؤسسات الدولة السورية، وتكرار النموذجين الليبي واليمني، وقبلهما العراقي، وبما يصب في نهاية المطاف في مصلحة “الدولة الاسلامية” وشقيقاتها.

نشعر بالغصة عندما يقف فرانك فالتر شتاينماير، وزير خارجية المانيا التي استقبلت دولته مليون لاجيء، الى جانب السيد الجبير في الرياض، ويطالب حكومته ودول خليجية اخرى باستيعاب لاجئين سوريين، وينتقد تقصيرهم في هذا المضمار، مثلما يتحدث مع العاهل السعودي عن انتهاكات حقوق الانسان في بلاده، ويفتح قضية النشطاء المعتقلين المطالبين بالاصلاح السياسي دون مصوغات قانونية، او محاكمات عادلة، ولا يعرف السيد الجبير ما يجيب، غير القول بأن المجتمع الدولي يريد بقاء الرئيس الاسد في المرحلة الانتقالية حفاظا على مؤسسات الدولة.

في فلسطين ثورة.. وشهداء يسقطون دفاعا عن الحرم القدسي الشريف في مواجهة عمليات التهويد الاسرائيلية المستمرة، والتحرك الوحيد الذي قام به السيد الجبير وحكومته هو الاتصال فجرا بالرئيس عباس لمطالبته بالتهدئة، استجابة لضغوط امريكية واسرائيلية.

***

عندما تنحرف بوصلة الحكومة السعودية عن فلسطين، فان هذا يخلق فراغا يدفع بقوى اقليمية مثل ايران لملئه وتوجيه انتقادات شرسة لها، تجد اصداء في الشارع العربي، خاصة ان الاعلام السعودي الذي هيمن على المنطقة لسنوات بدأ يفقد مفعوله، كما ان اساليب الردح والشتائم بدأت ترتد سلبا على الذين يقفون خلفها ويهبطون الى مستواها.

ان اقوى واطهر ما في هذه الانتفاضة الفلسطينية، ان قيادتها الشابه لم تطالب القادة العرب مطلقا بالتدخل لدعمها، بل العكس تماما، اي انهم يتهمونهم بالتواطؤ مع العدو الاسرائيلي ضد انتفاضتهم ودماء شهدائهم.

مرة اخرى نقول ان السياسة الخارجية السعودية، مثل نظيرتها الداخلية، بحاجة الى مراجعة جذرية، والخطوة الاكبر لمواجهة ايران وحلفائها هي العودة الى الثوابت العربية، واولها قضية فلسطين، وهذا يتطلب نهجا آخر، ومنفذين آخرين، والامر لا يحتاج الى الكثير من الشرح.

عبد الباري عطوان