إن المنطقة العربية على صفيح ساخن منذ عدة سنوات، ومن المشاهد أن الصفيح يزداد سخونة يوماً بعد يوم، والسبب المصالح ما بين ائتلاف ومعارضة. منذ الربيع العربي المزعوم؛ بات الشرق الأوسط البقعة الساخنة. قد انتهى زمن عمالقة العرب الذين حكموا شعوب الأقزام، وبدأ عهداً جديداً تكاد تكون ملامحه ضبابية لا أكثر، ويشوبه الحروب والأزمات المتكررة.
لا زال الحديث عن تدخلات أجنبية لحماية مصالح في دول لا تعتبر ذات قوة، إلا أن مركز قوتها برز في السنوات الأخيرة، وفي التدخل الروسي في الشرق الأوسط وسوريا تحديداً خير مثال.
إن ما يشغل الساحة السياسية في الشرق الأوسط –منها إسرائيل - هي أمور عظام أبرزها الملف النووي الإيراني، فبات التهميش هو نصيب القضية الفلسطينية. لقد تابعت أسماعنا وأذهاننا بشغف تركيز خطابات الدول العظمى ذات الثقل والقرار السياسي أمام الأمم المتحدة وتركيزها على الملف النووي الإيراني، وتهميش القضية الفلسطينية تهميشاً غير مسبوق.
إن غزة إحدى البقع التي لفحتها حرارة الصفيح، فخلال السنوات الثماني أو التسع الأخيرة وفي ظل حصار مطبق؛ تعرضت غزة لثلاث حروب شنها الاحتلال الإسرائيلي إلى جانب نزاع داخلي (فصائلي) مسلح، أي بمعدل كل عامين أحداث طارئة تعادل أزمة أو كارثة حقيقية على الشعب الفلسطيني انعكست آثارها في شكل انتكاسة على كافة الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية... الخ.
فرضت ظروف الاحتلال أن يكون مجتمعنا الفلسطيني من المجتمعات المتضررة وعرضة ًللأزمات التي يمكن أن تحصد خسائر في الأرواح والممتلكات، ومن المعلوم أن أزمات الحروب هي الأكثر تواتراً وتؤثر بشكل كبير وملموس على أوضاع الفلسطينيين. يؤدي عدم اتباع إجراءات السلامة والوقاية إلى الاعتماد على إجراءات علاجية متأخرة، وهو ما يؤخر جداً المضي قدماً في تحقيق الأهداف الإنمائية.
إن ثقافة السلامة العامة والضوابط وإجراءات الوقاية في المجتمعات العربية هي ثقافة منتقصة وغير واعية تماماً ويشوبها سوء الفهم. إن هذا المخزون الثقافي بمقداره وقدره سيؤثر حتماً على طريقة تفكير الفرد والمؤسسات والمجتمع بشكل عام في الأزمات الكوارث ومن المرجح أن يؤدي إلى تصرفات سلبية لا تعطي النتائج المرغوبة.
ويبقى السؤال: في حال تعرض غزة للطوارئ أو أزمات جديدة كحرب تشير الدلائل أنها غير مستبعدة؛ ما مدى الجاهزية للمواجهة؟ هل هناك جهات ومؤسسات من المجتمع المحلي والمجتمع الدولي يمكنها أن تقوم بدور مساند؟ طالما أن الحكومة أياً كانت هي ذات إمكانات محدودة دوماً. إذاً من المسؤول في عدم وجود جهة فاعلة يمكن أن يتوجه إليها الأفراد والمؤسسات الناشطين في أحوال الطوارئ والأزمات؟
يدفع غياب مثل هذه الجهة إلى ضرورة إيجاد جهات ومؤسسات على مستوى عالٍ من الجاهزية في أحوال الكوارث والطوارئ لا تمتلك الرؤية فقط، ولكن أيضاً إمكانيات إغاثية تسطيع تقديم الدعم اللازم للمنكوبين أثناء الكوارث ولديها المقدرة على التشبيك مع مؤسسات العالم الخارجي لتأمين إغاثة أو حماية المتضررين والأبرياء.
يقع على عاتق الحكومة وبالتعاون مع الوكالات الإنسانية، ومنظمات المجتمع المحلي والمجتمعات الدولية والأفراد - وأي جهات أخرى ذات علاقة - تشكيل هيئة لإدارة المخاطر والأزمات تكون بمثابة أطراف فاعلة تكون قادرة على التأهب للكوارث والطوارئ لديها القدر الكافي من القدرات والعلاقات والمعارف اللازمة للتأهب للكوارث والنزاعات والاستجابة لها بطريقة فعالة.
أثناء الكوارث لن يكون هناك متسع من الوقت للبحث عن مصادر تمويل أو مصادر للاستنجاد بها، حيث أن عامل الوقت لا يخدم. تبرز الحاجة هنا إلى أهمية تقديم التوعية للأفراد والأهالي والمؤسسات حول أفضل إجراءات السلامة والوقاية التي يجب أخذها بعين الاعتبار في ظروف الطوارئ والكوارث.
يعتبر تعزيز جودة الاستعداد والاستجابة الحد الأدنى من معايير الجودة في التعامل مع الأزمات، ويتجسد تحقيق هذا المعيار من خلال وجود هيئة بهيكلية واضحة من المؤسسات المحلية والدولية التي يمكنها تقديم يد العون والمساعدة أثناء فترة الطوارئ وما بعدها، ضمن خطة استراتيجية وطنية تحدد دور كل طرف من الأطراف في محاولة لتجنب أو التخفيف من آثار الكوارث الناجمة عن الأخطار.
بالارتكاز على الدروس والعبر المستفادة من الكوارث السابقة، ينبغي أن ترتكز الخطة الوطنية الاستراتيجية على وجود عدد من السيناريوهات المحتملة لمواجهة الكوارث والأزمات وتهديدات محتملة بهدف تخفيف المخاطر، وتتضمن الإمكانات المتاحة، وآليات الاستعداد والتطبيق.
يقع على عاتق هذه الجهة أو الهيئة تحديد الاستراتيجيات والتدابير اللازمة وإعداد خطة مدروسة على المستوى الوطني من أجل إدارة الأزمات والكوارث يكون كل طرف فيها على دراية تامة بدوره في تنفيذ الخطة وبكافة المعايير والالتزامات من أجل تحقيق النتائج المرجوة. على أن يراعى في الخطة أن تكون محددة وواضحة، قابلة للتطبيق، مرنة، معلومة ومفهومة لجميع الأطراف، ويتم تحديثها من حين إلى أخر مع ضمان المساءلة والتنسيق الوثيق بين الأطراف ذات العلاقة.
حقيقةً إن غياب الخطة الوطنية يعني زيادة فرصة الإرباك في صفوف السواعد والجهود المبذولة أثناء وقوع الكوارث، وتعارض أو ازدواجية الجهود وسوء استخدام الموارد المتاحة.
وهذا يدعو لمطالبة الحكومة والوكالات الإنسانية، ومنظمات المجتمع المحلي والمجتمعات الدولية والأفراد إلى تشكيل هيئة لإدارة المخاطر والأزمات وإعداد خطة وطنية استراتيجية من أجل التأهب والاستجابة بطريقة فعالة والتحرك بالسرعة الممكنة لتحفيف الأضرار في حال حدوث كوارث أو طوارئ.
أ. سلوى ساق الله