أزمة مباراة أم أكثر؟

بقلم: أسامه الفرا

لم يعد الحديث حول مباراة كرة القدم التي تجمع المنتخب الفلسطيني بنظيره السعودي حديثاً رياضياً، والمفارقة في الأزمة التي سبقت المباراة أنها إمتدت لأسابيع عدة دون أن نجد مخرجاً يجنبنا خسارة تضر بنا كثيراً، لا شك أن الكل الفلسطيني يتفق مع رئيس اتحاد كرة القدم "اللواء جبريل الرجوب" في تسخير الرياضة الفلسطينية لخدمة القضية الفلسطينية، وطالما وضعنا ذلك قاعدة عمل ننطلق من خلالها فهذا يتطلب في المقام الأول ألا يغرد إتحاد الكرة بمعزل عن الرؤية السياسية، التي نستمد صورتها من حقنا التاريخي دون أن نهمل تأثير علاقاتنا بالدول المختلفة عليها.
لا نختلف حول قرار اتحاد كرة القدم الفلسطيني بأن يكون لنا ملعب بيتي أسوة بباقي الدول وأن تأتي الفرق الدولية للعب على أرض فلسطين، ولا يمكن لنا أن نتفهم الأصوات التي تصف ذلك بأنه بوابة للتطبيع، كيف يمكن لنا أن نصرخ بأعلى صوتنا في وجه العالم بأسره من جراء سياسة التهويد التي تنتهجها حكومة الاحتلال في مدينة القدس، وفي الوقت ذاته نجد من يطالب العرب والمسلمين بعدم زيارة القدس تحت حجة التطبيع؟، ألا يشترك هؤلاء من حيث لا يعلمون مع سياسة حكومة الاحتلال التي تعمل على تفريغ القدس من سكانها الأصليين؟.
نعم من حقنا أن نصر على الملعب البيتي لما في ذلك من تجسيد للدولة وإن حمل الطابع الثانوي، ولعل تواجد منتخب دولة الإمارات الشقيقة على أرض فلسطين أدخل بعض الفرح على الشعب المكلوم بمآسيه، وزيارتهم للمسجد الأقصى فرصة لأن يطلعوا على واقع المأساة التي يعيشها شعبنا، والتي من المفيد لنا أن يراها العالم باسره وليس فقط العرب، حيث أن الصورة هي التي تبقى عالقة في الذاكرة بتفاصيلها الدقيقة التي تعجز الكلمات عن إيصالها مهما امتلكت من حجة وفصاحة.
لكن الأزمة المتعلقة بمباراة منتخبنا مع نظيره السعودي لا يمكن لنا تسويقها من خلال حرصنا على الملعب البيتي، حيث بات من الواضح أن إصرارنا على ذلك سيولد أزمة حقيقية مع الشقيقة الكبرى السعودية تتجاوز بكثير جوانبها الرياضية، ومن غير المعقول أن نلحق الضرر بعلاقتنا مع المملكة بسبب مباراة كرة قدم، ولسنا بحاجة للتذكير بما تقدمه المملكة السعودية للقضية الفلسطينية سواء تعلق ذلك بالجانب المادي أو السياسي المستند على ثقلها الإقليمي والدولي، لا يمكن لفلسطين أن تجازف ولو قليلاً بعلاقاتها مع السعودية، سيما وأن السياسة الفلسطينية على مدار العقود العدة السابقة وضعت من علاقتها مع كل من مصر والسعودية ركيزتيها في المنطقة لإدراكها بأن خسارة اي منهما يعني خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها، وهي الفلسفة التي إعتمدها "أبو عمار" حين كان يحط رحاله فيهما بين الفينة والأخرى لإطلاع قيادتيها على مستجدات القضية الفلسطينية.
الواضح أن العلاقة الفلسطينية السعودية ليست في أحسن حالاتها، خاصة في ظل التعقيد المركب من جراء الاستقطاب في المنطقة، ونحن بحاجة لكل ما من شأنه أن يعزز من قوة العلاقة، لا أن نسمح لبعض القضايا الثانوية أن تسممها، ومن الجهل السياسي أن نمضي بعنادنا في مباراة كرة قدم لا تقدم لنا ولا تؤخر شيئاً وتؤثر سلباً على علاقتنا بالحليف الأهم في المنطقة، وفي ذات الوقت تفرض أزمة مبارة كرة القدم تساؤلات لا بد منها، لماذا ترك الرئيس الأزمة تتفاعل على مدار أسابيع عدة دون تدخل حتى وإن كانت قوانين الفيفا تفرض عليه ذلك؟، وهل كان الأخ جبريل الرجوب سيمضي في عناده لو تعلق الأمر بفريق دولة أخرى مثل قطر؟، هل هي فعلاً أزمة مباراة أم أكثر من ذلك؟.

د. أسامه الفرا