الرئيس السوري بشار الأسد في العادة وفي الأوضاع الطبيعية مقل في زياراته الخارجية،ولا يخرج في زيارات علاقات عامة او من اجل الإستجمام على شواطىء البلدان الغربية بحاشية تزيد عن (1000) شخص تحجز وتغلق له الشواطىء العامة ويبذر المال العام بالمليارات على ملذات وشهوات وحسناوات الغرب والفساد،كما يفعل ملوك وامراء وشيوخ مشيخات النفط والكاز العربي،وخروجه بالعادة يكون في إطار زيارات العمل وما يخص قضايا شعبه او قضايا الأمة العربية،فكيف وسوريا تشن عليها حرب كونية تشارك فيها أكثر من ستين دولة تزج فيها سلاحاً ومالاً وبشراً من اجل تدمير سوريا وتفكيكها جغرافيتها وجيشها واسقاط قياداتها وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد،فأي زيارة للرئيس الأسد عدا عن المخاطر المحدقة بمثل هذه الزيارة في ظل اجواء عربية وإقليمية ودولية محيطه معادية وما يعنيه ذلك من إمكانية كبيرة لتعرض طائرة الرئيس وحاشيته المرافقة للإستهداف من اجل التخلص منه ومن النظام السوري بالكامل،فالأسد لم يخرج من عرينه إلا لأمر خطب وجلل وكبير،وعلى درجة عالية من الأهمية،أمر يستدعي قدومه هو شخصياً الى بيت حليفه الإستراتيجية بوتين،الذي وفر له كل ممكنات الدعم والتسليح العسكري بأسلحة نوعية،وكذلك الحماية العسكرية،وحتى المشاركة في قصف وتامين الحماية الجوية للقوات السورية في معاركها مع كل الجماعات الإرهابية والتكفيرية في سوريا "داعش" "جبهة نصرة"،جيش الفتح،جند الشام،أحرار الشام وغيرها من متفرعات القاعدة والفكر الوهابي التكفيرية والإرهابية.
المسألة المحسومة بأن خروج الأسد مع تامين حماية روسية جوية وبحرية له خروجاً وعودة لم تكن لبحث قضايا لها بعد عسكري بالمطلق،فهذا الهدف متحقق والقوات والأسلحة والبوارج والطائرات الروسية جزء من معركة سوريا في الحرب على الإرهاب،وهناك مشاركة مباشرة في ذلك،ولذك نرى بأن هناك مواضيع على درجة عالية جداً من الأهمية والحساسية استدعت خروج الأسد الى الكرملين،لكي يجري بحثها وتداولها مع الرئيس السوري مباشرة كرجل صاحب قرار،ولذلك الزيارة التي أحدثت صدمة كبيرة بعد نشرها لدى الدوائر الأمريكية والمروحة الواسعة المعادية لسوريا من دولة الكيان الصهيوني الى تركيا فمشيخات النفط والكاز العربية،وفي مقدمتها السعودية وقطر بالإضافة لفرنسا وبريطانيا،هدفت لبعد اعلامي واضح،كما انها حملت رسالة عميقة لأمريكا وكل محورها من اعداء سوريا عرب وإقليميين ودوليين،بأن التحالف الروسي- السوري عميق واستراتيجي،،وسيستمر في تحقيق اهدافه بتخليص سوريا من الطحالب والسرطانات الإرهابية ،وهذا ما بدى واضحاً في 30/9/2015،بداية توجيه الضربات الجوية الروسية لأوكار الجماعات الإرهابية والتكفيرية بمختلف مسمياتها وتلاوينها في سوريا بطلب مباشر وشرعي من الدولة السورية.
واضح بأن الهدف الأساس من لقاء الأسد مع بوتين هو سياسي بإمتياز،حيث أن روسيا في إطار حربها على الإرهاب في سوريا تريد ان يترافق ذلك مع حل سياسي للأزمة السورية،حل سياسي توافق عليه القيادة السورية،بخطوطه العامة وحتى في تفاصيله،قبل اللقاءات التي سيعقدها بوتين ولافروف مع الولايات المتحدة وتركيا والسعودية ولاحقاً مع الأردن،وكذلك لا بديل من دخول ايران ومصر على خط الحل السياسي،فهناك العديد من المبادرات السياسية التي تطرح للأزمة السورية،وهناك مواقف دولية وإقليمية وعربية متقلبة من الأزمة السورية،وهناك من يعتقد بأن بأن سوريا مزرعه خاصه به او ساحة لتدريب خيوله،ويريد ان يحدد مصير الأسد نيابة عن الشعب السوري،وامريكا واوروبا الغربية ومحورها من جماعة التتريك ومشيخات النفط،بعدما تراجعوا خطوة عن موقفهم ورؤيتهم بان يكون الحل السياسي تحت سقف النظام السوري وبقيادة الأسد لفترة مؤقتة،ولكن بعد الضربات الجوية الروسية والتي طالت المنظمات الإرهابية جميعها دون إستثناء،وكذلك قصف البوارج الروسية من بحر قزوين لمواقع داعش وجدنا بأن امريكا وحلفائها قد حذروا من أن التدخل الروسي في سوريا خطير ويعقد الحل السياسي وبأن روسيا لم تتعلم من تورطها في أفغانستان،ورداً على قصف روسيا لمواقع "جبهة النصرة" على وجه التحديد،فإن هناك أسلحة متطورة وكاسرة للتوازن سيتم تسليمها من قبل أمريكا وحلفائها للجماعات الإرهابية،وهذا يعني تحذير وانذار وتهديد لروسيا بالتراجع،وخرجت علينا السعودية وقطر وفرنسا للقول بأنه لا مكان للرئيس الأسد في أي حل سياسي مستقبلي،ولكن مع إستمرار تقدم القوات السورية وتحرير مساحات كبيرة من الأراضي السورية التي استولت عليها الجماعات التكفيرية والإرهابية،ومع اقتراب "ام المعارك"،معركة حلب،وجدنا ان القلق والخوف والإرباك بدا على الدول الداعمة لهذه الجماعات التكفيرية وإلارهابية وبالذات تركيا والسعودية،وعاد الحديث عن الموافقة على حل سياسي،يكون فيه بقاء مؤقت للرئيس الأسد لمدة ستة شهور،،ومن ثم يسلم البلد الى " أسيادها الجدد" من النصرة والدواعش وغيرها ما يسمى بألوية وكتائب إرهابية تتبع مموليها العرب والأتراك.
زيارة الرئيس الأسد الى روسيا،هي زيارة تاريخية بكل المعاني والمقاييس،وهي تاتي بعد انتصارات عسكرية كبيرة تتحقق،تلك الإنتصارات التي ستفرض طبيعة الحل السياسي في سوريا،وهي التي ستفرض على مكونات العدوان التراجع والرضوخ للشروط الروسية – السورية للحل، حل عنوانه أن مصير الرئيس الأسد فقط الشعب السوري هو من يحدده،ولا مجال لن تكون سوريا مزرعة او اقطاعية لأحد،كما هو حال اقطاعيات ومزارع مشيخات النفط والكاز التي ليس لها أي علاقة لا من قريب أو بعيد بقيم الديمقراطية والحرية والعدالة الإجتماعية،وانه لا مكانة للقوى الإرهابية في الحل السياسي،ولا يوجد إرهاب متطرف أو إرهاب معتدل.
معركة حلب ستحسم الكثير وتقلب الموازين، ومصير المنطقة سيتوقف على نتائجها وتداعياتها،هذه معركة من رحمها سيبزغ فجر شرق أوسط جديد وعالم جديد،ليس الشرق الأوسط الذي بشرت به وزير خارجية امريكا السابق "كونداليزا رايس" أثناء الحرب العدوانية التي شنتها اسرائيل على المقاومة اللبنانية وفي مقدمتها حزب الله ،تموز/2006 ،بل شرق أوسط متحلل من القيود والهيمنة والسيطرة الأمريكية،في ظل عالم تتعدد فيه القطبية،بعد إنتهاء الإستفراد الأمريكي في قيادة العالم لأكثر من 25 عاماً.
وسيبقى الأسد وتتكرس سوريا كقوة عربية وإقليمية مقررة في شؤون المنطقة،وسيخطب ودها الكثيرون من مبعوثين عرب وإقليميين ودوليين،وسيرحل الكثير من اعداء سوريا كما رحل العديد من قبلهم.
بقلم/ راسم عبيدات