سندوتشات سريعة في قطار التواصل الاجتماعي الحلقة ( 3 )

بقلم: طلعت الصفدي

العالم الذي نحياه تعيش فيه فكرتان: الأولى تنظر بتحد وبشجاعة وبجرأة إلى الغموض والأسرار المحيطة بها، وتسعى إلى حل هذا الغموض، والثانية تعترف بأن هذه الأسرار لا يمكن حلها ولهذا تخاف منها وتعبدها. تؤمن الأولى بأن العالم لا يمكن أن يكون مجهولا إلى الأبد، والثانية تؤمن بأن هذا العالم مجهول إلى الأبد. الأولى تخوض معركة المعرفة وتتعرض للمصاعب في طريقها، لكنها تزداد صلابة وقوة، وعلى قاعدة الصراع الذي لا يميتك يمنحك القوة والصلابة، والثانية ترتعب وتفشل وتحاول تبرير فشلها. الأولى تضع نفسها في خدمة الجماهير وتسلحها بالمعرفة لمقاومة الاحتلال والاستبداد والظلم والاستغلال، تتصدى لقطاع الطرق والانتهازيين والفكر ألظلامي وكل الفاسدين وناهبي خيرات الشعوب، تقدس العمل الذي حول القرد إلى إنسان، والثانية تضع نفسها في خدمة نفسها وطبقتها، وتعيش باستمرار على امتصاص دم الآخرين ونهب قوة عملهم، وتخاف من ثورة الفقراء والجياع والمستضعفين ومن الثوريين. الأولى تؤمن بفلسفة التغيير والتطور لتغير من واقعها وتفقد أغلالها وبقاء الحال من المحال، والثانية تؤمن بفلسفة الثبات والجمود لتحافظ على امتيازاتها وسرقاتها ونهبها للشعوب، وتضفي عليها شعوذات وكأن الرب حاميها.

الهبة الجماهيرية السلمية الفلسطينية، بصدورها العارية وحجارتها المقدسة، وتمردها الطبيعي على الظلم والقهر، وتحديها للواقع المرفوض، جاءت ردا طبيعيا على الممارسات الإرهابية التي تنفذها حكومة اليمين المتطرفة في إسرائيل، وحكومة نيتنياهو الفاشية، وغلاة المستوطنين ضد قضيتنا الوطنية، وإصرارا على الوجود التاريخي للشعب الفلسطيني في فلسطين، والتشبث بأرض الأجداد والآباء، وضد ممارسات التطهير العرقي، والإبادة الجماعية، واستسهال القتل والتدمير، ومحاصرة وتضييق الخناق على أهلنا في القدس والمسجد الأقصى رمز الشعب الفلسطيني، وعاصمة دولته العتيدة، والاعتداءات المتكررة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي 48. هذه الممارسات الإرهابية الفاشية، تشكل تحديا للشعب الفلسطيني والعربي والدولي، ولكل المنظمات الدولية القانونية والحقوقية وللأمم المتحدة، ولمجلس الأمن والرباعية، ولكل المجتمع الدولي الذي بات عاجزا عن تحقيق العدالة السياسية للشعب الفلسطيني. ومع استمرار عجز القوى الوطنية والإسلامية في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وغياب إستراتيجية سياسية وكفاحية موحدة، تقودها منظمة التحرير الفلسطينية، قائدة نضاله برغم تراجعها، وتعثرها، سيبقى الوضع الراهن متدهورا، ولن تحقق هبته الباسلة حتى الهدف المباشر لها، في مقدمتها وقف الاستيطان، والاعتداءات اليومية للجنود والمستوطنين على المسجد الأقصى وفرض واقع لتقسيمه كما حدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل، ووقف زعرنة غلاة المستوطنين على المزارعين والفلاحين والطلبة، والنسوة، وحرق المزروعات وأشجار الزيتون مصدر الحياة والوجود.
وما لم تتوفر الإرادة السياسية للقيادات الوطنية، وتعمل على توحيد الموقف السياسي، والإسراع بتنظيم وحماية وصيانة الهبة الشعبية، وتحديد شعارها وهدفها الواضح بعيدا عن المزايدات والتصريحات الهوجاء لبعض المتنفذين، الذين يسعون إلى زجها في معركة عسكرية مباشرة غير متكافئة، فان الضغوط الأمريكية والأوربية وربما بعض تدخلات دول إقليمية وعربية، ستحاول إعادة العجلة إلى الوراء بحجة العودة إلى الهدوء وضبط النفس، ووقف الهبة الشعبية دون تحقيق أي مكسب للقضية المباشرة، مما يدفع الجماهير المنتفضة إلى فقدان الثقة بالقيادات الفلسطينية الوطنية والإسلامية، ويخلق حالة من الإحباط والقلق خصوصا بين عنصر الشباب الذين قدموا دمهم دفاعا عن الأرض، والأقصى والإنسان الفلسطيني، كما يعكس إلى أي مدى وصل الاستهتار بالدماء الزكية التي سالت من الشهداء، والجرحى، والمعاناة التي يتكبدها المعتقلون وأسرهم وشعبهم .

طلعت الصفدي
غزة- فلسطين
26/10/2015
[email protected]