منذ اندلاع " هبة الانتفاضة الشعبية " ، وحالة من الجدل الواسع يحتل وسائل الإعلام على تنوعها ومسمياتها ، وجميعها تتمحور حول دور الفصائل فيما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من مواجهات ومصدامات مع قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين في الكيان الصهيوني الغاصب ، وبأن الشارع الفلسطيني بشبانه المنتفضين في الميادين قد تجاوزوا الحالة الفصائلية ، ولم يخلو الجدل في بعض الأحيان حد التشهير والاتهام .
صحيح أن " الهبة الانتفاضة الثالثة " قد بدأت من دون توجهات أو قرار من أي من الفصائل ، لا منفردة ولا مجتمعة . وأن الشباب الفلسطيني له من المآخذ والملاحظات الشيء الكثير ، وهو الذي يتعرض للتهميش بشكل أو آخر . وأن الفصائل فشلت في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية ، لأسباب بالتأكيد لا يتحملها الشعب الفلسطيني ، إنما تتحملها الفصائل والأطراف الفاعلة فيه . وليس من باب الدفاع عن الفصائل ، ولكن إنصافاً لها ، أنه على الرغم ما يشوب أوضاعها من ترهلات ، إلاّ أنها حاضرة في الميدان من خلال الشباب الفلسطيني المنتفض ، فهؤلاء في جزء كبير منهم منطوي في أطر فصائلية ومنظمات وكتل شبابية وجامعية . وهذا لا يعني بأي شكل من الأسكال أنه يشفع للفصائل والسلطة أنها وبعد مرور ما يُقارب الشهر على " هبة الانتفاضة الثالثة " ، لم تجتمع وتلتقي أقله إذا كان من المتعذر تحقيق المصالحة الوطنية ، أن تلتقي حول عنوان هذه الهبة الانتفاضة .
وفي المقابل من المؤكد أن النقد والتأشير على مواضع الخلل في أداء الفصائل وحضورها ودورها ، من حق الجميع أن يمارسه ، ولكن أن يتم تحويل الفصائل إلى أباليس وشياطين توجب رجمها وشتمها في هذا التوقيت ، أمر فيه من الظلم ومجافاة للحقيقة الشيء الكثير ، إن لم نقل فيه الشبهة .
وما يطبع مشهد " هبة الانتفاضة الثالثة " المتصاعدة إلى الآن قد أسهم فيما أسلفت بشكل أو آخر :-
1. الفصائل حتى الآن لم تتفق على وجهة عمل موحدة لِمَ تريده من الهبة فيما لو تصاعدت واتسعت رقعتها ، نحو انتفاضة ثالثة . حتى منظمة التحرير بفصائلها لم تُحدد رؤية موحدة في هذا الخصوص .
2. إلى الآن لم تتبلور ، ولو في الحدود الدنيا هيئات ولجان محلية في المدن والبلدات والقرى ، تأخذ على عاتقها تنظيم أعمال الهبة الشعبية . على الرغم من بعض ما نقرؤه عن أسماء للجان ، لم يثبت إلى الآن صحة تواجدها وتشكلها .
3. تردد قطاع واسع من شعبنا في الانخراط حتى الآن ، أولاً بسبب عدم تبلور موقف فلسطيني موحد . وثانياً ما يُنسب من تسريبات لرئيس السلطة الأخ أبو مازن ، أنه قد أعطى تعليماته للأجهزة الأمنية أن تعمل على التهدئة من خلال الحد من حراكات الهبة الشعبية . وثالثاُ التوظيف السياسي لها ، وتثميرها في أي اتجاه ، والخشية أن تكون الوجهة معاودة المفاوضات .
الأمر الذي يُحتم على الفصائل وفي ظل انسداد أفق المصالحة وإنهاء الانقسام ، أن تشكل هذه " الهبة الانتفاضة " العنوان الوطني الجامع الذي نلتقي عنده وحوله ولأجله ، من دون أية شروط أو اشتراطات مسبقة من أي فصيل من الفصائل . خصوصاً أن هناك مؤشرات مشجعة تقع في سياق دعوات الجميع للتلاقي حول الانتفاضة وضرورة رعايتها والإحاطة بها ودعمها وحمايتها . وفي هذا السياق نجد أن ما تحدثت به ( حركة حماس ) على لسان د . اسماعيل رضوان في قوله " إذا ما توافرت عوامل النجاح تستمر هذه الهبة و ستكون بأشكال مختلفة ربما تكون اشد من الانتفاضتين السابقيتن و من عوامل نجاحها الوحدة الوطنية على اساس الثوابت و خيارات المقاومة و ازالة الانقسام الفلسطيني " . وهذا يتطابق مع ما صرحت به ( حركة فتح ) على لسان ناطقها د . فايز ابو عيطة في قوله " ان التحديات الاسرائيلية و حجم الجرائم التي تقوم بها اسرائيل ، تستوجب الوحدة والتكامل في الاهداف على المستوى السياسي ، وهذا يتطلب برنامج عمل موحد ينظم عمل الفصائل في المرحلة المقبلة ويوحد صفوف الشعب في مواجهة العدوان " .
فالمطلوب من قبل الفصائل الإسراع في العمل من أجل :-
- تحديد رؤية موحدة من خلال الدعوة إلى تشكيل قيادة موحدة للانتفاضة من الفصائل والنخب الشبابية البعيدة عن المحاصصة ، من أجل تحديد الأهداف في سياق تثميرها ، بالمعنى الوطني والسياسي الذي يصون دماء وتضحيات أبناء شعبنا وفي مقدمتهم الشباب الفلسطيني . وفي هذا السياق وعلى صفحته الدكتور ( محمد الهندي ) القيادي في حركة الجهاد الإسلامي قد حدد عدد من الأهداف التي اعتبر أنه من الممكن تسويقها دولياً وإقليمياً ، وتكون محرجة لحكومة نتنياهو . وتلخصت ب" وقف الاستيطان ومصادرة الأراضي - تفكيك المستوطنات في القدس المحتلة والضفة الغربية " .
- الخروج من حالة الجدل على توصيف ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من الأعمال بطولية ، لصالح توحيد التوصيف إن ما يجري هبة أو انتفاضة ، حتى لا يُضاف هذا الجدل إلى قائمة الخلافات وعناوينها .
- رعاية أسر الشهداء والمعتقلين وأصحاب البيوت المهدمة .
- تحشيد أكبر مشاركة جماهيرية في المسيرات المناهضة للاحتلال .
- اعتماد العلم الفلسطيني الذي تتوحد تحت رايته كل المسيرات .
- ألاّ تتم عسكرة الانتفاضة بشكل ارتجالي ومنفرد من قبل أين الفصائل ، ويُترك الأمر لاتفاق الفصائل بشكل موحد ، ومن ضمن ما يتم على التوافق حول أشكال ووسائل المقاومة .
نعم الفصائل مطالبة بأن تنخرط مع شعبها ، ولعلّ اندلاع الانتفاضة جاءت لتمثل فرصة سانحة لكي تُعيد صياغة دورها كحركة وطنية جامعة ، من خلال التلاقي والالتفاف حول الانتفاضة ، عبر إشراك أوسع قطعات شعبنا ونخبه في صياغة برنامجها ، وتحديد أهدافها الوطنية والسياسية ، والاتفاق على مشروعية وسائلها النضالية والكفاحية .
بقلم/ رامز مصطفى