السيف الفلسطيني والغمد الأردني

بقلم: فايز أبو شمالة

طالما كان للأردن كل هذا الارتباط بالقضية الفلسطينية، وكل هذا الحضور في القرار السياسي الفلسطيني، فلماذا لا يبادر الفلسطينيون إلى دعوة الأردن ليشاركهم في تحمل المسئولية المباشرة عن تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولاسيما أن إمكانية العدو الإسرائيلي المادية، وقدراته السياسة، وتحالفاته الدولية أكبر بكثير من طاقة الفلسطينيين وحدهم.
لقد تداركت القيادة الفلسطينية الموقف في شهر مارس من العام 2014، حين أدركت أن مصير تسعة أشهر من المفاوضات هو الفشل، وقتها وقع الرئيس محمود عباس والملك الاردني عبد الله على اتفاقية تقول: إن العاهل الاردني هو "صاحب الوصاية وخادم الاماكن المقدسة في القدس" و"ان رعاية ملك المملكة الاردنية الهاشمية المستمرة للاماكن المقدسة تجعله أقدر على العمل للدفاع عن المقدسات الاسلامية وصيانة المسجد الاقصى.
ذلك التفويض للملك الأردني قد جاء استجابة للواقع السياسي الفلسطيني الصعب، واستجابة لجملة حقائق قاسية دفعت القيادة الفلسطينية للاعتراف بعدم قدرتها على تحرير المسجد الأقصى، فاضطرت إلى تسليم الوصاية عليه طائعة إلى دولة الأردن.
وبغض النظر عن النتائج التي ترتبت على هذه الوصاية، وبغض النظر عن التفاهمات الأردنية الإسرائيلية حول حق اليهود بزيارة المسجد الأقصى، فإن مسئولية الأردن عن المكان تعني مسئولية الأردنيين في الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى تماماً مثل مسئولية الفلسطينيين، الإضافة إلى مسئولية الأردن الدينية والقومية وأخلاقية والأدبية والإنسانية.
وطالما أن القيادة الفلسطينية قد وافقت على نقل الوصاية على المقدسات الإسلامية إلى الأردن، فلماذا لا تتقدم القيادة نفسها بخطوة أخرى مبهرة، وتلقي بالمسئولية عن تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة على كاهل ملك الأردن، والإقرار بأن السبب هو قلة الامكانيات، وانغلاق الأفق السياسي، والاعتماد على المساعدات الخارجية، وما يجبيه الاحتلال من ضرائب.
إن إعادة تسليم الأمانة للأردن يشكل موقفاً ووطنياً، ولاسيما إذا آمنا بأن تحرير الأرض العربية أهم من كل الأسماء والوظفائف، وأهم من الأشخاص الذين سيحررونها، ولأن العدو الإسرائيلي موحد خلف قيادته اليمينية التي تحرص على حصر الصراع بين شعب تحت الاحتلال وقوات عسكرية مدججة بأحدث الأسلحة الأمريكية.
إن استنجاد الفلسطينيين بأهلهم وإخوانهم في الأردن لمشاركتهم المسئولية المباشرة في تحرير الأرض لهو قمة الشهامة والإحساس بالواجب الوطني، وفي ذلك تجسيد عملي لشعار الوحدة العربية الذي ينادي فيه الجميع، وفيه نبذ للتمزق والتفرقة، وإدعاء كل دكان سياسي بأن بضاعته هي الأنسب للمرحلة.
وهنا قد يقول البعض: هذا الطرح في هذه المرحلة يفقد الفلسطينيين الحق بالمطالبة بدولة فلسطينية مستقلة، تحظى باعتراف أكثر من مئة دولة. وقدمنا من أجلها التضحيات الجسام؟.
ولهذا لا بد من التأكيد على أن تحرير الأرض أهم من قيام الدولة، والشعوب تحرص على تأسيس الدولة كي تعيش تحت ظلالها بحرية وأمن وسلام، وأزعم أن الدولة الأردنية ستحفظ للفلسطينين أمنهم وسلامتهم، كما حفظت لملايين اللاجئين الفلسطيني كرامتهم وسلامتهم.
وقد يقول البعض: إن مملكة الأردن قد نفضت يدها من سكان الضفة الغربية تاريخ فك الارتباط سنة 1988، في تلك السنة التي أعلن فيها عن قيام دولة فلسطين، والأردن لا ترغب بتحمل المسئولية التي ألقتها على كاهل منظمة التحرير.
ولهذا لا بد من التذكير بأن ملك الأردن لا يمكنه التهرب من مسئولياته الوطنية والتاريخية، فهو ملزم بتحرير الأرض التي احتلتها إسرائيل من مملكته، ولاسيما إذا جاء ذلك بطلب فلسطيني، وبناءً على وفد فلسطيني شعبي ورسمي يطالب الملك بتحمل مسئوليته التاريخية عن تحرير أرض الضفة الغربية.
وقد يقول البعض: هذا الطرح ينسجم مع المخطط الإسرائيلي القائل بضم الضفة الغربية إلى الأردن، وضم غزة إلى مصر!
ولهذا لا بد من القول بجرأة: يا حبذا لو تم ضم الضفة الغربية إلى الأردن، بعد أن يتم تخليصها من 700 ألف مستوطن يهودي سيطروا على كل مناحي الحياة فيها، يا حبذا لو كان ملك الأردن هو الفاتح للقدس، فهذا لا يضير العربي الذي يؤمن أن تحرير الأرض الفلسطينية من قبضة اليهود أهم ألف مرة من قيام دولة فلسطينية، تتنفس صناعياً، وتتغذى عن طريق الوريد محلولاً ضريبياً تقدمه الخزينة الإسرائيلية في نهاية كل شهر.
أما إذا أوغل البعض في الوطنية وقال: ما حك جلدك مثل ظفرك، والفلسطينيون أحرص على تحرير أرضهم من بقية الدول العربية.
وهنا أذكر الجميع بأن القرارات الفلسطينية ليست مستقلة كما يتوهم البعض، القرارات الفلسطينية تتأثر بالواقع العربي، وهي نتاج التوافق العربي، ومنذ سنة 2009، تصدر القرارات الفلسطينية بعد اجتماع اللجنة الوزارية العربية المكلفة بمتابعة الملف الفلسطيني، ولا فرق هنا بين واجهة فلسطينية أو واجهة أردنية، طالما كان مصدر القرار هو التوافق العربي.
إن إشراك الأردن في الصراع على تحرير الأرض العربية فيه رد عملي على تصريحات نتانياهو الأخيرة التي يرفض فيها قيام دولة ثنائية القومية، ويرفض فيها قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة، ويصر على الحياة فوق أرض فلسطين على حد السيف، إن هذا التصريح المتغطرس بلسان مجتمع صهيوني جنح بأغلبيته للتطرف، ليستنهض في الفلسطينيين المنتفضين طاقتهم ليكونوا السيف الذي استدل على غمده في الأردن.

د. فايز أبو شمالة