السلطة والفصائل تلاحق الحدث ولا تصنعه

بقلم: راسم عبيدات

في هذه الهبات الشعبية المتلاحقة منذ عملية خطف وتعذيب الفتى ابو خضير حياً في 2/تموز/2014،والتي نرى بأنها تتموج في عمليات اندفاع كبير ثم ما تلبث ان تتراجع،وفي كل مرة او هبة جديدة يحدث تراكم في الفعل وابتكار وسائل المقاومة والتصدي للعدوان على شعبنا الفلسطيني،العدوان نتاج لسياسات وإجراءات وممارسات إحتلالية قمعية وجرائم تمارس من قبل المحتل وادواته التنفيذية مستوطنين وجنود وغيرهم بقرار وموافقة من قمة الهرم السياسي،وهنا التشديد لا فرق بين المستوطنين والحكومة،فالحكومة هي منقادة من قبل المستوطنين واليمينين القومي والديني،والجميع منهم متفق بأن الظروف الحالية هي التي توفر لهم الحلم الصهيوني بمواصلة الاستيطان والإحتفاظ بالأرض واخضاع الشعب الفلسطيني بالقوة،ولم يعد المحرك الرئيسي للسياسة العامة الصهيونية الأمن،بل الإستيطان هو الجوهر والمحرك.

هذه الهبة الجماهيرية التي جاءت مباشرة بعد إقتحام وزير الزراعة الصهيوني المتطرف "اوري ارئيل" في 13/9/2015 مع ثلاثين من المتطرفين الصهاينة للمسجد الأقصى،جاءت لكي تحقق منجزات صنعتها الجماهير والحراكات الشبابية وليس السلطة المستثمر الرديء للإنتفاضات والهبات الشعبية الجماهيرية،فهي اعادت القضية الفلسطينية الى رأس اجندات الإهتمام الدولي،بعد أن غابت كلياً عن المناقشات وحتى الذكر والحديث عنها في الدورة السبعين للجمعية العامة،وكذلك هي وحدت الشعب،واعادت الإعتبار للمقاومة،وأثبتت بان جيل اوسلو يحفر قبر اوسلو عملياً،وليس ب"الجعجعات" والهراء و"الهرتقات" واللغو الفارغ،وقالت بشكل واضح للعدو بانه لن يكون هناك إحتلال بدون دفع ثمن،وهذا واضح من حالة الإرباك والتخبط والهوس والذعر وانعدام الأمن التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي من هذه الهبة،وكذلك كانت رداً حازماً على بن غورين وغولدا مائير وشارون وغيرهم من قادة ومؤسسي دولة الإحتلال،بان الوعي الفلسطيني غير قابل ل"الكي" و"الصهر" والتطويع،وبأن مشاريع الفصل والتذويب قد سقطت الى غير رجعة.

في كل الإنتفاضات والهبات والحروب التي خاضها شعبنا الفلسطيني،كان الرد ياتي من الشعب رداً على محاولات تصفية القضية والمشروع الوطني والمس بحقوقه وثوابته الوطنية،والتطاول على رموزه الوطنية والدينية ومقدساته،الشعب يتقدم الصفوف،يتقدم ويضحي ولا يلتفت لكل إجراءات الإحتلال وممارساته ولا فداحة الثمن الذي سيدفعه،وهو لم يقف يوماً حجر عثرة امام قيادات الأحزاب وفصائلها من اجل ان تكون مستثمرا جيداً لنضالاته وتضحياته وان تكون صانعة للحدث وليس لاهثة خلفه،وبالملموس ثبت ان بأن الإستثمارات السياسية لهذه الانتفاضات والهبات وحتى الحروب العدوانية التي شنت على الشعب الفلسطيني (ثلاثة حروب)،لم تكن بحجم هذه التضحيات،بل هي كانت تشكل عامل"خصي" وإجهاض لنضالات الشعب الفلسطيني،وإدخال الشعب في حالة عميقة من فقدان الثقة واليأس من القيادة والسلطة والأحزاب،حتى بتنا نشعر بان القيادة في واد والشعب في واد آخر،فالإنتفاضة الأولى الإستثمارات السياسية المتسرعة لها،جلبت لنا كارثة اوسلو،حيث قسم الشعب والأرض،وترك مصير القدس في مهب الريح ومن ثم الإنتفاضة الثانية،كانت جدران الفصل العنصري واحكام السيطرة على القدس، والحروب التي شنت على شعبنا في قطاع غزة،لم تنهي الحصار ولم تعيد الإعمار،واليوم هبات القدس المتلاحقة،وهذه الهبة الممتدة والمتواصلة منذ 13/9/2015،وحتى هذه اللحظة،الجميع متفق بان الأحزاب والفصائل لم تصنعها ولم تبادر الى قيادتها،بادر لها الشعب وبالذات الحركات والمجموعات الشبابية،وحتى اللحظة ثمن هذه الهبة أكثر من 64 شهيداً وقرابة الفي جريح،عدا مئات المعتقلين،ولم نرى بان الأحزاب والقوى السياسية على مختلف مشاربها السياسية قد بادرت الى قيادة هذه الهبة الشعبية،او تأطيرها وتنظيمها وصياغة شعار ناظم لها وحددت لها هدف او مجموعة اهداف،فليس من المعقول أن يكون ثمن هذه الهبة والتضحيات التي قدمت وتقدم هو،الفخ الذي نصبه كيري ونتنياهو للأردن والسلطة في قضية المسجد الأقصى،فبدلاً من ان يكون الإتفاق بتأكيد الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى من خلال المسؤولية المباشرة والكاملة للأوقاف الإسلامية عن المسجد الأقصى،من حيث السيطرة على كامل أبوابه والتحكم في السياحة للأقصى من قبل الأجانب والإسرائيليين وغيرهم،وجدنا نتنياهو يقول بان سيسمح للمسلمين بالصلاة في المسجد الأقصى واليهود والأجانب بزيارته،وبدل الأقصى يتحدث عن جبل الهيكل،ويذهب أبعد من ذلك عندما منع الأوقاف من تركيب كاميرات على باب المغاربة،بمعنى لا يريد للأوقاف ان تكون مسؤولة عن الأقصى،ولا يريد ان تنكشف الجماعات المتطرفة وما تقوم به من زعرنات وعربدات في المسجد الأقصى ،او ما يسمى بالطقوس التلمودية والتوراتية.

بإختصار إتفاق يكرس السيادة الإسرائيلية على الأقصى ويعمل على تقسيمه زمانياً ومكانياً.

ولذلك في هذه الهبة الشعبية والزخم الجماهيري المتصاعد،بات من الضروري والملح،ان لا تذهب تضحيات شعبنا هدراً،وان نستفيد من ونتجاوز اخطاءنا في الماضي،وان نعمل بعقل جمعي وموحد في أن تتحول تضحيات شعبنا الى منجزات وطنية ملموسة،من خلال التركيز على اهداف تكتيكية تصاغ في قالب سياسي تصب في مجرى الهدف الإستراتيجي،فصراعنا مع المحتل متراكم،ومن المستحيل في ظل ميزان قوى مختل كثيراً لصالحه،وحالة فلسطينية ضعيفة ومنقسمة على ذاتها،وغياب الحاضنة العربية،بسبب حروب التدمير الذاتي والفتن المذهبية والطائفية،وتعطل الإرادة الدولية،يستحيل أن ننتصر على هذا الإحتلال بالضربة القاضية،ونجبره على الجلاء عن أرضنا وقدسنا وتحقيق العودة للاجئينا،نركز على تحقيق أهداف تكتيكية بأفق سياسي تخدم وتصب في الهدف الإستراتيجي،وهذا يتحقق بوحدة وطنية حقيقة تقود هذه الهبات،تصوب مسيرتها،وتضع لها اهدافها،وتشكل درع حماية لها حتى لا يجري استغلالها او وادها من قبل المتسلقين والمنتفعين.

الآن الان على الفصائل والقوى الفلسطينية،وبالذات السلطة الفلسطينية،ان لا يستمروا في ملاحقة الحدث،او إستثماره في الإطار التكتيكي،بل على هذه الفصائل التقدم لقيادة هذه الهبات،وتحديد شعار ناظم لها واهداف من اجل تحقيقها في ساق خدمة الهدف الإستراتيجي،ولا نريد ان تذهب دماء وتضحيات شعبنا بدون أية انجازات وطنية ملموسة.

بقلم/ راسم عبيدات