يكثر الحديث حول أهمية بناء استراتيجية وطنية ...استراتيجية فلسطينية مجمع عليها ...ومتوافق حول أركانها واليات فعلها ....استراتيجية كفاحية بكل مقوماتها ووسائلها السياسية والكفاحية ....وعلي الرغم من أهمية كل ما قيل وسوف يقال ....الا أن السؤال الأهم والذي يطرح نفسه هل فصائل الثورة الفلسطينية لا يوجد لها استراتيجية وطنية جامعة ؟؟!!....ام أن الاستراتيجية الوطنية القائمة أصبحت مثار جدل واختلاف ...وحتي وصلت الي واقع الانقسام ؟؟!!.
الثورة الفلسطينية ومنذ انطلاقة حركة فتح بالعام 65 ...وعبر مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني والاطار الجامع منظمة التحرير الفلسطينية ممثلنا الشرعي والوحيد ...تم اعتماد خيار الكفاح المسلح كأولوية نضالية لتحرير الأرض ...واعادة الحقوق ...وايصال رسالة للعدو الاسرائيلي أن الشعب الفلسطيني لم... ولن ...ينتهي ....وأنه لا زال علي عهده وقسمه باستمرار نضاله حتي تحقيق النصر .
فصائل العمل الوطني الفلسطيني المنضوية باطار منظمة التحرير.... وقد أجمعت علي خيار الكفاح المسلح من خلال فعلها الميداني المقاوم داخل وخارج الاراضي الفلسطينية ..ولم تشهد ساحة العلاقات الفصائلية ما يؤسس لانقسام أو خلاف ... وحتي في ظل بعض التباينات والاجتهادات كانت المحافظة علي الاطار الجامع منظمة التحرير .... والفعل الكفاحي الوطني للثورة الفلسطينية وخيار الكفاح المسلح في ظل أوضاع عربية لا نحسد عليها ....وواقع دولي لم يكن في تلك الفترة مجتمعا علي دعم قضيتنا ومساندة حقوقنا .
كانت المعنويات عالية ...والامال كبيرة ...ولم نلمس في تلك الفترة ما يثير الاشمئزاز... وما يوفر عوامل الاحباط .....كانت الثورة الفلسطينية تتألق وتنمو وتزداد شعبية وحيوية وفعل نضالي.... حتي ما بعد الخامس من يونيو 67 والاحتلال الاسرائيلي لما تبقي من فلسطين وبعض الاراضي العربية .... أفسح المجال للفعل الوطني الفلسطيني من خلال الخلايا داخل الاراضي المحتلة للمزيد من العمليات الفدائية والتي كبدت العدو الاسرائيلي خسائر فادحة ...حتي أنها الخلايا التي كانت تسيطر علي الشارع في الليل ....وقوات الاحتلال في النهار... في ظل التفاف شعبي كبير ...وحاضنة جماهيرية لا تشوبها شائبة .
محطة الكرامة في 21 مارس 68 وانتصار فصائل الثورة الفلسطينية علي العدو الاسرائيلي مما أعاد الكرامة وروح الانتصار .
فصائل المقاومة الفلسطينية وقد اختارت طريقها في تلك الفترة واعتمدت خياراتها ..واسلوب نضالها ....باعتماد الكفاح المسلح ...واستمرت المقاومة علي هذا النحو حتي الخروج من بيروت بالعام 82 بعد حرب طاحنة استمرت ما يقارب 88 يوم ....اثبتت المقاومة الفلسطينية صمودا اسطوريا ...كما أكدت القيادة الفلسطينية قدرة فائقة علي الصمود والتحدي برغم كبر المؤامرة وخيوطها المتعددة .
بدأت التغيرات في مجمل الظروف الذاتية والموضوعية ...مما فرض تغيرا في خيارات ووسائل الاستراتيجية الوطنية... باعتماد خيار النضال السياسي ...ومن ثم التفاوض السياسي... لتحقيق خطوات متقدمة علي طريق احقاق الحقوق ...وتحقيق الاستقلال الوطني .
كان المؤتمر التاسع عشر للمجلس الوطني بالجزائر واعلان وثيقة الاستقلال ... في ظل انتفاضة شعبية تحرك فيها الشعب الفلسطيني بكل فئاته وشرائحه ضد المحتل الاسرائيلي ...مما وفر أرضية ومناخ التحرك السياسي ...كان مؤتمر مدريد للسلام في العام 91 وما تمخض بعد ذلك من اتفاقية أوسلو بالعام 93 ...لتشكل بداية للتباين والخلاف ...حول الخيار والنتائج المترتبة عن هذه الاتفاقية ...بالرغم من ان الجميع قد وجد نفسه في اطار السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها واطرها... باستثناء حركة الجهاد الاسلامي التي لازالت خارج نطاق المشاركة .
أي ان الانتقال من استراتيجية الكفاح المسلح ....الي استراتيجية العمل السياسي ...قد تم اعتمادها والعمل بها ...وقد جاءت ترجمة عملية لمجمل قرارات الشرعية الدولية ...وقرارات المؤسسات الفلسطينية ...المجلس الوطني... والمجلس المركزي .
وصلنا الي نتيجة مفادها ....أن الكفاح المسلح لم يحقق لنا كل ما يريد ....كما وصلنا الي ذات النتيجة... أن العمل السياسي والتفاوضي واتفاقية أوسلو لم تحقق لنا كل ما نريد ايضا ....أي أننا وصلنا الي نقطة عدم الانجاز الكامل.... لما نأمل بالوصول اليه ...وهذا لا يعني الفشل الذاتي ....ولكنه فشل الخيارين في ظل المعطيات السياسية والاوضاع الاقليمية والدولية ....مما يفرض علينا كقوي سياسية وطنية واسلامية أن نحدد الخيارات والوسائل ...كما نحدد الاهداف في اطار استراتيجيتنا الوطنية التي نسعي لتحديد معالمها والأسس والركائز القائمة عليها .
المشهد الفلسطيني الحالي... يعتريه الكثير مما يفقدنا الكثير من مقومات قوتنا وصمودنا .....من خلال ما تشهده الساحة الفصائلية من تباينات واجتهادات تصل الي حد الخلاف والمناكفة والتجاذبات السياسية والاعلامية ...حتي وصلنا الي واقع الانقسام ...وما ترتب عليه من مصائب وكوارث ندفع ثمنها من دماءنا.... وعذابات أبناء شعبنا ...مما يفرض علينا انهاء هذا الانقسام وفتح صفحة جديدة من العلاقات الفصائلية علي أرضية الاتفاق والتوافق حول خياراتنا ووسائلنا المعتمدة... وحول أهدافنا الوطنية التي نصبو الي تحقيقها ..وأن نترك من ورائنا الكثير من المزايدات والمجادلات ومحاولة كسب المزيد من الجماهيرية بصورة وقتية ..فالخيارات النضالية ووسائلها الكفاحية ليست وليدة اليوم ...أو الأمس ...بل يستمر العمل بها منذ عقود طويلة ....وتوقف العمل بها في السنوات الماضية نتيجة الالتزامات والتعاقدات والاتفاقيات ..لكن هذا لا يعني انهاء الخيار في ظل ما يجري من مقاومة شعبية ....وصلت الي مرحلة المواجهة والهبة الجماهيرية ضد الاحتلال ..والاتفاق الفصائلي علي أن تكون الهبه الشعبية سلمية ...وليست عسكرية ...أي أن ما كان يقال أصبح متوافق عليه .
خيار المقاومة الشعبية ..كما خيار النضال السياسي ..كما كافة الخيارات مفتوحة.... بحسب مصالحنا الوطنية... وليست وليدة موقف فصيل ..فالقضايا الوطنية والمصالح العليا تكون دائما في اطار التوافق والاتفاق... بعيدا عن الخطوات الانفرادية .
خلاصة القول ....أن الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية يجب أن تحدد في الاطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية... وبمشاركة حركتي الجهاد الاسلامي ...وحماس ..وأن يكون الاطار القيادي لاستكمال ما هو قائم ...والدفع بالحصاد السياسي وما تم انجازه ....وليس محاولة البدء من جديد لاعتبارات سياسية ووطنية.
عقود مضت من الانجازات التي لا يستهان بها ..كما أن هناك العديد من الاخفاقات والسلبيات التي يجب اجتثاثها ....لأن بناء استراتيجية وطنية جديدة... لا يعني انهاء الاستراتيجية الوطنية القائمة ..ولكن البناء عليها وتطويرها ....والاجماع عليها .
الكاتب: وفيق زنداح