معادلة القدس وخلط الأوراق

بقلم: وسيم وني

يمضي واضعو المخططات الصهيونية أوقاتهم وجهودهم في رسم سياسات التّدخل في محاولة لتشكيل المجتمع الفلسطيني تحت الاستعمار لخدمة أمن المستعمرة التي بنوها من أعواد الثقاب . أبحاثٌ كثيرة هنا وهناك، أيامٌ دراسيّة تحت عناوين "القضاء على أماكن الضعف والثغرات بين شرقي القدس وغربها". تفاصيل عن كلّ حيّ وقرية ومدينة فلسطينية في القدس، رسمٌ لملامح الشّخصيات التي قد تعمل وسيطاً بين المجتمع وبين الاحتلال. في لمح البصر ، يتحول كلّ هذا إلى مجرد هباء منثور لا أثر له. في اللحظة التي يقرر فيها شاب فلسطيني من القدس أن يُشغل دعسة البنزين باتجاه قطعان المستوطنين، أو أن يغرز سكيناً في أجسادهم ورقابهم ، تتداعى هذه الدراسات والسّياسات وتبدأ خيوطها بالتفكك شيئاً فشيئاً، بينما يرتبك واضعو هذه السياسات وتنكشف عن وجوههم الأقنعة التي يختبؤن ورائها وهي تتساقط. في لحظة الارتباك هذه التي يعيشها العدو الصهيوني ، يعيش شعبنا الفلسطيني لحظة الحقيقة، يعيدُ توازنَ الرعبِّ و يقلب المعادلة بينه وبين العدو الصهيوني . بينما يعود العدو الصهيوني إلى أساليبه القديمة يقلِّبُها، عله يجد "حلاً" أكثر جدوى رغم أنه قام بمحاولة قمع شعبنا ألاف المرات ولم ولن يستطيع كسر عزيمته ، هل يفرض المزيد من العقاب على شعبنا الفلسطيني ؟ أم يسترسسل في "الكلام الناعم والاحتواء"؟ يبدأ العدو الصهيوني في ترتيب أوراقه، ووضع المزيد من الخطط الشيطانية النازية ، ثمّ البدء بالتنفيذ، لكنّ سكيناً أو حجراً تكفيان بإعادة الأمور إلى المربع الأول ونقطة الصفر التي تقلب المعادلة وتفرض معادلة الخوف على المستوطنين والجيش الاسرائيلي . قبل اندلاع ثورة الشّهيد محمد أبو خضير بأيام فقط، قامت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالمصادقة على خطّة لتعزيز سيطرتها على القدس تمتد ما بين الأعوام 2014 وحتى 2017. وقد جاءت هذه الخطّة حصيلة اجتماعات مكثفة لمحاربة "إلقاء الحجارة" في القدس ليظهر نوع جديد من المقاومة يسمى حرب السكين . وكما هو واضح حسب الرؤية الاسرائيلة التي تسعى إلى تحقيق هدفين؛ الأول هو تعزيز ما أسمته "الأمن الشّخصيّ المنشود " في القدس (والمقصود به طبعا أمن المستوطنين الشخصيّ من عمليات أبطال شعبنا )، عن طريق نشر المزيد من أفراد شرطة الاحتلال ونشر الجيش الاسرائيلي للمحافظة على أمن المستوطنين المفقود الذي بات مقاومة شعبنا لهم تشكل لهم رعبا حيثما كانو . استهداف الحاضنة الشّعبية للمقاومة الفلسطينية شهور قضاها المخططون الإسرائيليون لرسم ملامح هذه الخطّة، ربما لم يسمع الكثير من المقدسيين وخاصّة الشّبان منهم بهذه الخطّة، لكنهم كانوا خلال أقل من أسبوع من الإعلان عنها منتشرين في شوارع المدينة يضعون أمامها أول التحديات. فبعد استشهاد الطفل أبو خضير،هنا قلبت الطاولة وبدأ العدو الصهيوني بالترنح وبدأت هنا يد البطش الاسرائيلي تمتد إلى شعبنا الفلسطيني و توسعت دائرة المواجهات مع شرطة الاحتلال في مختلف أحياء المدينة، وطاولت أحياءً لم تكن في دائرة الحسبان بوقوع مواجهات فيها مثل شعفاط وبيت حنينا. وهنا توسعت دائرة الممارسة الثورية الرافضة للاحتلال والمدافعة عن حرمة الأقصى ، لتشمل إلقاء الحجارة، والمفرقعات والزجاجات الحارقة، وصولاً إلى عمليات الدهس بالسّيارات، وإطلاق النّار على المستوطنين وحرب السكاكين ، الذي أثار الرعب في قلوبهم. وهنا كان الرد من العدو الصهيوني اباستهداف الحاضنة الشّعبية للفعل الثوريّ بمحاولة يائسة لكسر المقاومة الشعبية . شمل ذلك مخالفات وإغلاق المحال التّجاريّة في مناطق المواجهات، وتعزيز

الرقابة على البناء غير المرخص، وهدم بيوت الشّهداء، وفتح ملفات كلّ من يثبت توّرط ابنه أو أحد أفراد عائلته بأي "قضية أمنية" ضدّ الاحتلال، وغير ذلك ظنا منهم أنهم يستطيعون انتزاع حق المقاومة من شعبنا الفلسطيني . لكن القدس وكل فلسطين تثبت مرة أخرى أنها عصيّة على الترويض أو أن تدنس من كيان غاصب يسمي نفسه اسرائيل . وهنا تتخبط الوجوه الإسرائيلية أمام هذا المشهد مرة ثانية وثالثة، ويبقى السؤال حائراً بدون إجابة : "متى يتحقق الضبط الكامل والتامّ لهؤلاء الفلسطينيين؟ متى تنجح الخطط؟" دون جدوى لانهم يحتلون أرضا تسمى فلسطين ولا يعلمون اننا لا نمل ولا نهدىء حتى استعادة كامل أرضنا الفلسطينية من النهر إلى البحر وعودة كافة فلسطيني الشتات الى أراضيهم لا تهجريهم ونسيان قضيتهم وتحريف بوصلتهم . أما الجواب، فيبدو واضحاً من تشابه الإجراءات والعمليات الارهابية التي يقوم بها المستوطنين والجيش الاسرائيلي ، إذ لا خيارات جديدة تُذكر في هذه السياسات، حتى بات الفلسطينيون يعرفون ماذا سينتظرهم بعد كلّ هبة وانتفاضة يقومون بها في وجه هذا المحتل ،كان آخر هذه القرارات عزل وحصار الأحياء والقرى المقدسية بالمكعبات الإسمنتية والحواجز العسكرية، وهل هذا جديد او هل هذا سيفيد من كسر شوكة شعبنا الفلسطيني في انتزاع أرضه المغتصبة ؟ لقد جُرّب قبل ذلك مرات ومرات،ولكن بدون جدوى وهذه الممارسات تزيد من اصرار شعبنا الفلسطيني يوماً بعد يوم . وأمام هذه الاجواء والممارسات المتكررة من الهدوء والتصعيد، يثبت جديا أن هناك ما هو عصيّ على الضبط والترويض، وأن محاولات الاحتواء والتعايش تنسفها أول قطرة دم، وينقض غزلها أول حجر وزجاجة مولوتوف. بالنسبة لشعبنا الفلسطيني ، فهم لم يعلّقوا يوماً أملاً على المحتل الاسرائيلي المغتصب للارض ، يعيشون يومهم ويبحثون ويرددون دائما سنتنتصر ونطردكم من أرضنا التي قمتم باحتلالها وحاولتم طمس معالمها لاننا اصحاب الحق وأصحاب الأرض .

بقلم الأستاذ / وسيم وني