الهدف والغرض بالأساس من سايكس- بيكو الأولى والتي قسمت الهلال الخصيب،بلاد الرافدين وبلاد الشام بين بريطانيا وفرنسا،بريطانيا تحتل العراق وفلسطين وفرنسا تحتل سوريا ولبنان،وهذه العملية التقسيمية جرت بمساعدة قادة الحركة الصهيونية "ثيودور هرتسل" وآخرين الذين دعموا بريطانيا وفرنسا بالمال من اجل خدمة الهدف الذي يسعون له،وهو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين،ولذلك كان هدف سايكس – بيكو التقسيمي تسهيل إقامة دولة الإحتلال الصهيوني في قلب الوطن العربي،وبما يمنع أي إمكانية لتوحده مستقبلاً،لكون ذلك يشكل خطراً على الدولة المزروعة وعلى مصالح الدول الغربية في المنطقة.
أما سايكس- بيكو الجديد الذي يجري التخطيط له فالهدف منه واضح،هو تقسيم المقسم،بحيث يجري تقسيم وتجزئة وتذرير الجغرافيا العربية المحيطة ب"اسرائيل" ويعاد تركيبها على شكل دويلات طائفية ومذهبية تغرق في الإحتراب والعشائرية والمذهبية والطائفية،أي كيانات إجتماعية هشه،فاقدة إرادتها وقرارها السياسي،وليس لها سيطرة على ثرواتها،بل تدار إقتصادياً مباشرة من قبل المركز الرأسمالي العالمي في واشنطن،وحكامها يجري تعينهم من قبل امريكا واسرائيل،ويرتبطون معهما باحلاف عسكرية وامنية،وهذا الهدف يمهد ويسهل ويشرع القبول والإعتراف الدولي بيهودية الدولة الذي طالما سعت إليه الحكومة الإسرائيلية الحالية في ظل دويلات مذهبية وطائفية محيطة بها.
هذا المشروع،مشروع تقسيم المقسم والتشظية للجغرافيا العربية،لم يكن وليد صدفة او تفكير إرتجالي او شطحة فكرية،بل نتاج أبحاث ودراسات طويلة وعميقة لمراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية ودوائر مخابراتها واجهزتها الأمنية من بعد تفكك الإتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية،ونهاية الحقبة الشيوعية،ومن بعد إستخدام وتوظيف الجهاد الإسلام العالمي"القاعدة" لخدمة المشروع الأمريكي في ضرب الوجود الروسي في أفغانستان.
ولذلك كان ملخص تقرير وزير الخارجية الأمريكي الأسبق بيكر وهاملتون ودنيس روس وغيرهم من متطرفي البيت الأبيض،بأن المشروع الأفضل لضمان السيطرة على المنطقة العربية والشرق الأوسط وحماية الوجود والمصالح الأمريكية في المنطقة،وبقاء اسرائيل متسيدة لمئة عام قادمة،وبما يستعاض عن الإستراتيجية الأمريكية السابقة،القائمة على الحروب الإستباقية وتغير انظمة حكم الدول المعادية لأمريكا بالقوة العسكرية،بإستراتيجية جديدة تقوم على نشر وتعميم مشروع الفوضى الخلاقة في المنطقة،بحيث يجري إدخال مجتمعاتها وشعوبها في فتن وحروب مذهبية "سني- شيعي" وطائفية" مسلمون – مسيحيون، اكراد – علويين وغيرهم من الطوائف والمذاهب.
هذا المشروع ما كان له ان ينفذ ويفعل فعله المدمر في المنطقة العربية،لولا تزاوج المصالح ما بين فقه البداوة وفكر ابن تيميه والبترودولار الخليجي،الذي غرزت في أذهان قادته امريكا بان الخطر على ممالكهم وإماراتهم قادم من ايران،ولذلك يجب تحويل وحرف الصراع عن أساسه من صراع عربي- اسرائيلي الى صراع عربي- فارسي،وبما ينقل الفتنة المذهبية من المستوى الرسمي الى المستوى الشعبي،وليس هذا فحسب فهناك طرف بقصد او دونه شارك في تنفيذ هذا المشروع،ألا وهم الإخوان المسلمين الذي سهلت لهم امريكا السيطرة على السلطة في اكثر من بلد عربي،ودرات عجلة هذا المشروع قتلاً وذبحاً وإستباحة للجغرافيا العربية من خلال التدمير والتخريب والتفكيك ونهب الخيرات والثروات،والترحيل والتطهير العرقي بحق الأثنيات والطوائف (المسيحيين السوريين في الرقة والعراقيين في الموصل واليزيديين في العراق)،ناهيك عن تدمير الآثار والحضارات الإنسانية القديمة السومرية وآثار تدمر وحلب وغيرها،وتهجير مئات الألآف،بل الملايين من السوريين والعراقيين.
هذا المشروع التدميري كاد ان يطيح بكل ركائز المشروع القومي العربي،ويمنع إمكانية أي نهوض قومي عربي لمئة عام او اكثر،حيث جرى تدمير ليبيا وتحويلها الى دويلات عشائرية وقبلية تتصارع على المصالح والإمتيازات والسلطة والثروات،تحكمها عصابات ومافيات ومليشيات،وتغيب الدولة المركزية هناك وخطر الإرهاب يتصاعد ويتمدد من الجماعات التكفيرية امثال "داعش" وغيرها من متفرعات القاعدة.
والعراق وسوريا واجهت نفس المخاطر،وخصوصاً بأن القاعدة ومتفرعاتها من "داعش" و"النصرة" و"جيش الفتح" و"اجناد الشام" وغيرها من التنظيمات الإرهابية،كان يقف خلفها حلف دولي وإقليمي وعربي واسع في المقدمة منه أمريكا ودول الغرب الإستعماري ومشيخات النفط والكاز (السعودية وقطر) بالذات وجماعة التتريك واسرائيل.
الصمود السوري للقيادة والشعب والجيش السوري لخمسة سنوات تقريباً،والدعم من الأصدقاء والحلفاء وتحديداً روسيا وايران وحزب الله،أفشل هذا المخطط والمشروع ومنعه من تحقيق اهدافه في سوريا والعراق،ومن بعد التحول النوعي في الدعم الروسي العسكري لسوريا والمشاركة المباشرة في الحرب على التنظيمات الإرهابية،وجدنا بأن هناك فرص كبيرة بأن تحقق سوريا والعراق نصراً على التنظيمات الإرهابية وتهزم هذا المشروع المعادي للأمة العربية،والرئيس بوتين صديق سوريا والعراق دعاهما لتوحيد جيشيهما من اجل هزيمة هذا المشروع المعادي،ألم يحن الوقت لقادة الجيوش العربية المركزية الثلاث سوريا ومصر والعراق التوحد من أجل إسقاط سايكس – بيكو الجديد ؟؟واذا ما قلنا سايكس – بيكو القديم،ربما يقول البعض بان هذا الرجل منفصل عن الواقع،او أصابته لوثة جنون،ولكن أقول بان الصهاينة بدأوا مشروعهم لإقامة وطن قومي لهم على أرض شعبنا الفلسطيني وإقتلاعه وإحلال المستوطنين مكانه بحلم ،وخلال خمسين عاماً إستطاعوا تحقيق هذا الحلم،وحلمهم هذا كان منذ السبي اليهودي الثاني على يد الإمبراطور الروماني تيطس سنة 70 ميلادي،وبعد ألفي عام هذا الحلم الذي قام على الزيف والكذب وتوظيف الميثولوجيا والأساطير والخرافات والغيبيات نجحوا في تحقيقه، فكيف نحن لا ننجح رغم ان مشروعنا وحلمنا قائم على حقائق تاريخية واجتماعية وحقوقية، فهل ما يمنع من البدء بالعمل على تحقيق هذا الحلم في توحيد بلادنا التي مزّقها الاستعمار والاستيطان اليهودي أولاً، والعمل بكلّ الوسائل لاستعادة ما خسرناه جنوباً وشمالاً من أرضنا ثانياً.
بقلم/ راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين