فيديو التعذيب… انتهازية أوباما ووقاحة نتنياهو

بقلم: فايز رشيد

"بعرفش، مش متذكر" بهذه الكلمات فقط كان يجيب أحمد (16 عاما) وهو يضربُ رأسه تحت تأثير إصابته السابقة… وصوت صراخ المحققين عليه يعلو ويعلو، هؤلاء الفاشيين والمُجرّدين من أي إحساس إنساني، غرفة التحقيق خلت من ولي أمره أو محاميه كما ينص القانون.
أثارت قضية أحمد ضجة عارمة وصل صداها إلى المستوى الدولي، منذ لحظة إطلاق النار عليه واعتقاله في مستوطنة "جفعات زئيف" المقامة على أراضي القدس، بعد أن أظهر مقطع فيديو نُشر حينها، الطفل ملقى على الأرض مصابا، ينزف دما ومجموعة من قطعان المستوطنين يوجهون له شتائم نابية، ويقولون له: "موت موت"، فيما مرت من جواره سيارات إسعاف، بدون تقديم العلاج له. وعادت هذه الجريمة إلى الواجهة مجددا، بعد أن نشرت فضائية "فلسطين" الإخبارية مقطع فيديو قالت إنه حصري، تضمّن جانبا من التحقيق مع أحمد، بوجود عدة أشخاص ليس بينهم محاميه طارق برغوث، حيث كان المحققون يعرضون على أحمد مقطع فيديو ويقولون: إنه يظهره وابن عمه حسن أثناء ملاحقتهما مستوطنا بهدف طعنه. كان أحد المحققين يصرخ على أحمد بصوت مرتفع ويتهمه بالكذب، طالبا منه الاعتراف بملاحقة المستوطن بهدف طعنه، وتوضيح أسباب ذلك، قبل أن ينضم له محقق آخر تظاهر بالهدوء حينا، وصرخ في وقت آخر (مثل كل مسرحيات التحقيق الصهيونية- أحدهم عنيف وآخر هادئ). أما أحمد فظل يضرب رأسه على وقع الصراخ والشتم الذي تعرض له، ويجيب باكيا في بعض الوقت بهدوء أو صراخ في وقت آخر، متمسكا ببضع كلمات، "بعرفش والله مني متذكر مشان الله صدقوني مش متذكر". وبعد وقت من الصراخ والشتم، أجاب أحمد، "خلص اللي بتحكوه مزبوط أنا عملت هيك وكان معي ابن عمي حسن زي مابدكم بس أنا مش متذكر ليش عملت هيك". في الطب يرد تعبير "الضغط النفسي والصراخ العالي" للوصول بالمعني المُخاطب إلى حالة نفسية يرافقها إرهاق عصبي كبير يجعله يبدأ الصراخ والقبول بمطلب الآخر، بدون أن يكون الفعل حقيقيا… وهذا ما تمارسه دولة الكيان مع المعتقلين الفلسطينيين. المطلوب من المعتقل والحالة هذه ألا يستفز.. لا يصـــــرخ.. ويحافظ على هدوئه فيُفشل خطة المحقق معه لنزع اعتراف باطل منه، وأعصابه أيضا تصل إلى مرحلة الإرهاق الإشباعي.
أين هو العالم من هذا المشهد؟ أين هي منظمات حقوق الإنسان؟ أين هو القانون الدولي؟ هذا الذي أوجده الأقوياء لامتصاص غضب الضعفاء! هذا الذي يقولبه المتنفذون الكبار وفقا لأهوائهم. أتساءل: لو أن الشريط لطفل يهودي فماذا سيكون ردّ فعل العالم والمنظمات الحقوقية الدولية؟ ولأن الكيان يُعامل وكأنه فوق القانون لا تجري معاقبته! يذكرنا المشهد بكل المذابح التي ارتكبها الكيان بحق شعبنا وأمتنا! وبمشهد السجناء في العراق، والضابطة الأمريكية وزملاؤها يمارسون ساديتهم الفاشية ضد المعتقلين المكبلين بالقيود الحديدية في أياديهم وأرجلهم، والمرميين على البلاط في عزّ الشتاء العراقي القاسي. هذه هي "إنسانية" أمريكا وتلميذتها الصهيونية، ورغم جرائمهما لم تتلقيا عقوبة واحدة من الامم المتحدة! دَوَشتنا الحركة الصهيونية وتمثيلها السياسي الكياني بقضية الضابط اليهودي "دريفوس" من القرن الثامن عشر، رغم كونه شابا فوق الثلاثين ،وبالأسير الجندي جلعاد شاليط، و"همجية" أسره، والظروف "القاسية" له في السجن (رغم أنه عاش في ظروف فندق سبعة نجوم).
أما فاشية الكيان تجاه أطفالنا وإحراقهم بدم بارد، وإبادتهم الميدانية بإطلاق الرصاص عليهم عن سبق ترصد وعمد وإصرار ثم إلقاء السكاكين إلى جانب جثثهم، وتركهم ينزفون ساعات طويلة، بدون تمكين سيارات الإسعاف من تقديم الخدمات لهم، وتعذيبهم بفاشية متطورة… فهذ الأخير لا يراه العالم. إسرائيل قتلت مسنّة فلسطينية عمرها 72 عاما، وهي الشهيدة ثروت الشعراوي، لأن جنديا صهيونيا شكّ بها وهي تقود سيارتها.. بأنها ستدهسه! إنه الإعدام على الشك بالنوايا، أين هو القانون الدولي من هذه القضية والمئات أمثالها؟ وأين هي عدالة المجتمع الدولي.
من زاوية أخرى في اجتماعه الأخير بنتنياهو، اعتبر أوباما اللقاء مع نتنياهو "فرصة للانخراط في نقاش واسع بشأن القضايا الامنية الاكثر الحاحاً التي نواجهها معا". وأضاف "كما قلت دائماً، فإن أمن اسرائيل هو من اولوياتي في السياسة الخارجية، وقد عبرت عن ذلك ليس فقط بالكلمات وإنما بالأفعال". واستطرد قائلا "لدينا تعاون وثيق على المستوى العسكري والاستخباري لم يسبق أن شهدنا مثله خلال الإدارات السابقة". وقال اوباما أيضا "أريد أن أكون واضحاً في إدانتي بأشد العبارات وضوحا العنف الفلسطيني ضد المواطنين الإسرائيليين الابرياء، وأود أن أكرر القول بأنني مؤمن بأنه ليس من حق إسرائيل فحسب، وإنما من واجبها أن تحمي نفسها".
أيضا أبدى نتنياهو عزمه على إيجاد تسوية للصراع في المنطقة وتحديدا مع الفلسطينيين… قائلاً "لم نتخل عن آمالنا في السلام، ولن نفعل ذلك أبدا". وأكد التزامه "حل الدولتين"، لكنه اشترط أن تكون الدولة الفلسطينية "منزوعة السلاح تعترف بالدولة اليهودية".
من ناحية أخرى، كُشف النقاب مؤخرا، عن مشروع استيطاني ضخم، أقرته سلطات الاحتلال في الايام الأخيرة، ويقع على طول المنطقة الممتدة من غرب مدينة رام الله، إلى غرب مدينة بيت لحم جنوبا، يتم تنفيذه تدريجيا حتى عام 2030، ويشمل آلاف الوحدات الاستيطانية، وتثبيت بؤر استيطانية وضمها إلى المستوطنات القائمة. نسأل ..أهي حقيقة أن نتنياهو ينوي إعطاء الفلسطينيين دولة؟ لو كان صادقا فلماذا المشاريع الاستيطانية الجديدة؟ نتنياهو وأوباما لم يقوما بتنفيذ أي من وعودهما منذ سنوات طويلة! تذكّروا خطاب أوباما في جامعة القاهرة، تذكروا وعوده، أما نتنياهو فهو يقول "نعم" في مناسبات معينة لكنه ينسفها بسياسته المغايرة لوعوده وباستيطانه وبجرائمــــه واشتراطاته التعجيزية مثل، الاعتراف بيهودية إسرائيل، هذا الاشتراط يقوّض أسس بناء الدولة العتيدة ويؤسس لترانسفير مستقبلي لكل فلسطينيي منطقة 48 ومناطق 67، خاصة أنه يسمي الضفة الغربية "يهودا والسامرة" باعتبارها "أرضا إسرائيلية".
هو يريد اعتراف الفلسطينيين بيهودية كيانه وفي الوقت ذاته لن يسمح بإقامة الدولة وسيلجأ إلى ترحيل أهلنا في الضفة الغربية إلى قطاع غزة، المحاصر منذ 8 أعوام والذي سيظل محاصرا لأنه يقع بين فكي كماشة.
أما هؤلاء الذين يتحدثون عن تناقض بين نتنياهو وأوباما، فإنهم يراهنون على سراب، هؤلاء صدّقوا وعود أوباما إلى الحد أنهم أطلقوا عليه لقب "أبو حسين" باعتبار اسمه باراك حسين اوباما.. راهنوا على لون جلده وإسلام عائلته وأصوله الأفريقية. لكنهم أُحبطوا في النهاية أمام حقيقة تاريخية وهي أن العلاقات الأمريكيةالإسرائيلية وزعيمي الدولتين في كل المراحل، على درجة من التحالف الاستراتيجي، الذي يقع خارج إطار دخوله مرحلة الأزمة المؤثرة فعليا على العلاقة بين الطرفين، وهي خارج إطارالتدخل الفعلي من قبل أي إدارة أمريكية والتسبب في عوامله الأزموية. قد ينشأ بعض التعارض أحيانا حول هذا الموقف أو ذاك، أو حول هذه السياسة أو تلك… لكنه التعارض الآني، الثانوي الذي لا يؤثر على استراتيجية العلاقة القائمة بين الطرفين. يتوجب ألا ننسى أنه في عام 2004، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية إبّان رئاسة بوش الابن، رسالة ضمانات استراتيجية جديدة لإسرائيل قرأها ارييل شارون رئيس الوزراء آنذاك من على منبر مؤتمر هرتسيليا الخامس، فحواها التزام الولايات المتحدة الكامل ببقاء إسرائيل والمحافظة على أمنها.عدم الضغط على إسرائيل ورؤاها للتسوية مع الفلسطينيين والعرب.

٭ كاتب فلسطيني

د. فايز رشيد