علمتني الحياة ..ألا أقترب من الآخرين كثيرا ..وأن عليّ أن أرسم حدودا ، لا يمكني تجاوزها ..كما في علم الطبوغرافيا فكل ٍ منا له تضاريسه الخاصة بأرضه.. وجباله وكنتوراته ، وهواشيره ،ولأنه في الاقتراب الزائد تتضح دائما الصورة أكثر فأكثر ،وحينها نكتشف بأننا ، أمام بعضنا عرايا فيغادر كل منا طريق الآخر ، ليتوارى وراء أوراق التوت.!فالناس في أيامنا ..أصبحت لا تحيا إلا بالهجر ..والانقسام ..والتشتت ..والأباطيل ..والضلالة ..تفضل العيش في الظلام كنبات الظل ..وشعار البشر اليوم.. هو لا تقترب من حدودنا ،وإلا ستُكوى بنيران شذوذنا وسلبياتنا ، و ستنتهي تلك العلاقة على أقرب مفترق ...هي حقيقة مفجعة لأننا كلما اقتربنا من أي شيء أكثر تشوهت الصورة ،وتناثرت ملامحها التي رسمناها في مخيلتنا.. لو اقتربنا من شاشة التلفاز كثيرا لما رأينا سوى بقايا ومضات لبقايا صور ..وكذلك الماء مثلا ،وليس حصرا والذي فيه كل الحياة ..لو نظرنا إليه بمجهر قبل أن نتناوله ما شربناه لأننا سنبصر كائنات حية أخرى دقيقة تعيش بين مكنوناته ..ولو تأملنا مياه البحر وقت المغيب ،عندما نكون على الشاطئ لرأينا جمال المشهد ،و لبهرتنا بسحرها تلك المياه .. لكنا لو دخلنا بعمق البحر لأنطفأ.. ذاك البريق والجمال ..لذلك قد تيقنت أن في أن أتمتع بجمال الكون وبرؤية لوحاته من بعيد ففي البعد دائما النجاة ..!!
بقلم /حامد أبو عمرة