مرّة أخرى، فتح النائب محمد دحلان نافذة جديدة أمام فرص المصالحة الفتحاوية الداخلية والمصالحة وبين حركتي فتح وحماس، وأعلن عن طي صفحة سوداء من تاريخ التجربة السياسية الفلسطينية، تجربة كلفت الشعب الفلسطيني غالياً، وأغرقته في تفاصيل الملهاة والتشظي عدة سنوات، أثرت على مجمل حياة الفلسطينيين سياسياً وإقتصادياً واجتماعياً، وصنعت أزمة ثقة كبيرة ما بين المواطنين والأحزاب السياسية جرى التعبيرعنها بشكل واضح في استطلاعات الرأي الفلسطينية، وفي ميادين الإنتفاضة الفلسطينية ضد الإحتلال، التي يخوض غمارها جيل جديد ضاق ذرعاً بكل ما يجري، وخرج منتفضاً محطّماً جدران اليأس الذي أحاط بمجمل القضية الوطنية الفلسطينية.
المصالحة الفتحاوية ليست شأناً داخلياً فتحاوياً كما يعتقد البعض، بل هي مسألة وطنية تهم كل أبناء الشعب الفلسطيني، وتمتد إلى الإقليم العربي وفي المقدمة منه جمهورية مصر العربية، بإعتبار أن فتح حركة تقود النظام السياسي الفلسطيني، وما يجري بداخلها يلقي بظلاله على كل الحالة السياسية الفلسطينية، سلباً أوإيجاباً، فالجميع يتأثر بالحالة الفتحاوية، والجميع يتحمل مسؤولية مهمة الإنقاذ، دون تباطؤ في دفع أي مبادرة وحدوية للأمام وعلى أي صعيد.
مما لا شك فيه أن الخلاف الفتحاوي الداخلي، والخلاف ما بين حركتي حماس وفتح، قد خلق مجموعات مصالح مستفيدة، فكرة المصالحة تقض مضاجعها، وتكشف عورتها، وتهدد مصالحها التي نمت وترعرعت في بيئة غير قانونية، غابت خلالها مختلف أشكال الرقابة والقانون، لهذا سنجدها حادّة وجاهدة في رفض مبادرات المصالحة، وتلقي بثقلها من أجل إفشال الجهود المصرية والعربية والفلسطينية، على أمل أن تحقق المزيد من المغانم الشخصية حتّى لو أدّى ذلك إلى غرق المركب بمن فيه.
وحدة حركة فتح وتماسكها تؤسس لمصالحة وطنية شاملة، مع حركة حماس وكل منظمات العمل السياسي الفلسطيني، وتساهم في إعادة ترميم النظام السياسي الفلسطيني الذي أصابه العطب والشيخوخة، وستقود بالضرورة لمصالحة أوسع مع جماهير الشعب الفلسطيني التي عانت الأمرين خلال سنوات الإنقسام البغيض، أصبحت خلالها الغائب الأبرز والمتضرر الأكبر من كل حالة الشرذمة والتعدي على الحقوق والحريات، وفي مقدمة هذه الحقوق هي الشراكة السياسية الكاملة لكل ما يتعلق بمصيرها ومستقبلها.
الخيارات أمام القيادات السياسية ليست كثيرة، بعد أن أَوصدت الأبواب أمام فرص التسوية السياسية العادلة، وبعد جملة من الفشل والإخفاقات في إدارة الشأن الداخلي الفلسطيني، وكل من يراهن على إستمرار الحال مجرم ستعقابه جماهير الشعب الفلسطيني، لن يشفع له التاريخ، ولن تحميه جماعات المصالح التي عطّلت كل فرص التطور أمام الشباب الفلسطيني، وصنعت واقعاً مأزوماً كارثياً أساء للشعب وقضيته.
الجماهير المنتفضة دفاعاً عن كرامتها وأرضها ومقدساتها في كل مدن ومخيمات وقرى الأراضي المحتلة، بحاجة إلى نظام سياسي موحد، يتبنى انتفاضتها، يقف حارساً أميناً على وصايا الشهداء، قيادة تنخرط يومياً في الملحمة الوطنية الرائعة التي تخوضها أجيال لا تفهم لغة المصالح الخاصة، قيادة تدافع بجسارة عن هدف التحرر والإستقلال، تحمل دون خوف رسالة الشعب الفلسطيني إلى العالم، قيادة تصنع الإستقلال ولا تستجديه، قيادة صلبة لا تخضع للإبتزاز المالي والأمني والسياسي، ترفض أن يتحول الشعب الفلسطيني إلى عبيد في خدمة الإحتلال.
بقلم/ محمد أبو مهادي