من الفراشيح للتصاريح ياقطاع لا تحزن

بقلم: أكرم أبو عمرو

بصراحة استوقفني الخلاف الذي نشب بين وزارة الاقتصاد في قطاع غزة وبعض أصحاب المطاعم حول أسعار فراشيح الشاورما ، لكي اذهب بعيدا لأخوض قليلا في جملة المشاكل التي يعاني منها القطاع ، لان مشكلة أسعار فراشيح الشاورما ستجد الحل حتما لأنها قضية محددة ، لكن ما استوقفني واجعلها جزء من عنوان هذه المقالة هو عمق الأزمة التي يعيشها قطاع غزة بسكانه الذين بلغوا المليونين ما يجعله الأكبر كثافة سكانية في هذا العالم ، أزمات ومشاكل متراكمة لم تجد طريقها إلى الحل ، قطاع غزة أصبح قطعة فريدة من الأرض يسكن عليها أناس يتمسكون بالحياة ، رغبة منهم أن يصحوا يوما ويجدوا أنفسهم كباقي البشر في هذا العالم ، يتمسكون بالحياة رغم أن الموت والدمار والخراب يحيط بهم من كل جانب ، ويداهمهم في كل زمان ، منذ اليوم الأول لنكبة فلسطين كان قطاع غزة عنوان فلسطين والثورة والنضال ، منذ اليوم الأول للنكبة بدأت معاناة القطاع وسكانه ، من العدو تارة ، ومن الأخ الشقيق تارة أخرى ، ومن أبناء الجلدة مرة ثالثة .
استوقفني ذلك الخلاف المذكور لأنه اخرج رائحة تزكم الأنوف ، حيث الغش التجاري وانعدام الضمير والأخلاق الذي أصبح يستشري بيننا ، لا يهم صحة المواطن أو انتشار الإمراض ومنها المعدية ، المهم هو الجيوب وكيفية تعبئتها ، أقف عند هذا الخلاف لان مشكلة قطاع غزة لا تنحصر في الشاورما من حيث ارتفاع أسعارها أو انخفاضها ، المشكلة أصبحت في التركيبة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تشكلت ، القوي يأكل الضعيف ، والغني لا يبالي من الفقير ، والمتنفذ يهيمن على الجميع ، والغريب أننا جميعا نذهب إلى المساجد لنقف بين يدي الخالق القهار وعند خروجنا ننسى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته .
ليست الشاورما مشكلتنا الرئيسية ولكنها أطلت لتذكرنا أن مشاكلنا كثيرة لدرجة أن أصدرت إحدى الجهات الدولية تقريرا يفيد بأن قطاع غزة سيصبح غير قابل للسكن حتى عام 2020 أي بعد خمس سنوات فقط ، مشاكل مثل العنف بأشكاله المختلفة ، البطالة ، الفقر ، عدم قدرة المرافق الحيوية على تلبية حاجات الناس ، مثل الخدمات الصحية ، والخدمات التعليمية ، والخدمات الاجتماعية ، والنواحي البيئية الخ ، وفوق كل ذلك تفشي أزمة الأخلاق والضمير في كل مناحي الحياة ،
ما نقوله ليس تشاؤما أو يأسا أو إحباطا فما زال لدينا الأمل في مستقبل مشرق إذا لم نشهده نحن فسوف يشهده أبناؤنا ، ولكن هو محاولة لتحسس المشاكل لعلنا ندفع في اتجاه العمل على الاهتمام بها وعلاجها، لأنها جذور المشاكل فإذا عالجنا الجذور بالتأكيد من السهل معالجة الفروع .
قد يقول قائل أن أسباب ما نحن فيه من مشاكل هي أسباب سياسية أي ما نشهده من انقسام وحصار وحروب ، وأقول نعم ولكن ليس السبب الرئيسي فالأسباب لها جذور أيضا تاريخيا ومنذ أن ظهر قطاع غزة كمصطلح عسكري بعد النكبة مر عليه أربع حقب من الحكم ، الإدارة المصرية من 1949 – 1967 ، الاحتلال الإسرائيلي من 1967 – 1994 – السلطة الفلسطينية من 1994 – 2007 ، الانقسام وسيطرة حركة حماس على القطاع من 2007 حتى الآن .
إذا نظرنا بسرعة إلى الجهات المذكورة التي حكمت القطاع لنجدها لم تولى اهتماما بتنمية وتطوير القطاع فباستثناء قطاع التعليم لا نجد أي تحرك إلى الأمام من اجل نهضة القطاع ، لا اقتصاديا ، ولا اجتماعيا ، وظل القطاع أسيرا لسياسات مختلفة عبر هذه الفترة ليبقى القطاع معتمدا بشكل كبير على مساعدات المؤسسات الدولية وعلى رأسها وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين ، وعلى من حالفة الحظ من سكان القطاع في إيجاد فرصة عمل في الدول العربية خاصة الخليجية ، ولذلك كان قطاع غزة طول الوقت فقيرا ضعيف الموارد والإمكانيات . ، وعليه مواجهة مصير بمفرده .
سياسيا، فإن تقلب الجهات الحاكمة لقطاع غزة منذ النكبة ألقت بظلالها على نمط العلاقة بين أنظمة الحكم العربية وسكان القطاع ، وما ساد شهده القطاع من حراك سياسيي للحفاظ على ثوابته الوطنية ، وتعرضه لحروب عده حرب 1965 ،1967، 2008/2009،2012 ،2014 ، ناهيك عن الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة على أراضي القطاع ، وما نتج عن هذه الحروب والاعتداءات من خسائر بشرية ومادية كبيرة ، لدرجة أصبح فيها القطاع بقعة فريدة من نوعها ، وهنا اذكر ما نشره الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد رئيس التحرير السابق لجريدة الشرق الأوسط قبل أيام ، في مقال حول طبيعة تعامل الدول العربية مع الفلسطينيين من حيث الدخول والخروج من والى الدول العربية ، العمل ، الإقامة الخ ، حيث أشار إلى ضرورة تغيير نمط هذه المعاملة لان هذه المعاملة استفادت منها إسرائيل في تكريس احتلالها للأراضي الفلسطينية ، والإمعان في الممارسات القمعية ضد شعبنا ، فإذا نظرنا إلى طبيعة معاملة الدول العربية لأبناء شعبنا الفلسطيني لنجدها تكاد تنحصر في أبناء قطاع غزة ، للأسباب التاريخية التي ذكرت ، ففي عهد الإدارة المصرية للقطاع كانت حركة وتنقل أبناء القطاع تخضع لتأثيرات السياسة المصرية زمن حكم الرئيس جمال عبد الناصر وتذبذب العلاقة بين مصر وبعض الدول العربية ، كما أبناء قطاع غزة لم يتم تزويدهم بجوازات سفر قوية تتيح لهم حرية الحركة ، حتى وثيقة السفر التي منحتها مصر لسكان القطاع لم تؤهلهم لدخول حتى مصر إلا بعد الحصول على تأشيرة مسبقة ، في عهد الاحتلال الإسرائيلي خضع أبناء القطاع لحصار ولم يتمكنوا من الحركة إلا بعد أن قامت المملكة الأردنية بمنحهم تصاريح مرور إلى الأردن ما كان يعرف بتصريح الشوا نسبة إلى رئيس بلدية غزة السابق الحاج رشاد الشوا رحمه الله ، واستمر الحال هكذا حتى تم إصدار الجواز الفلسطيني بعد اتفاقيات أوسلو ونشؤء السلطة الفلسطينية .
في هذه الأيام ، أصبح التنقل من قطاع غزة إلى الخارج مرهون بتصاريح أو ما يسمى بتنسيق سواء من الجانب الإسرائيلي عبر معبر ايرز ، أو من الجانب المصري في حالة فتح معبر رفح لأيام معدودة .
وهكذا يبقى القطاع غارقا في مشاكله من مشاكل على شاكلة فراشيح الشاورما إلى التصاريح ، فهل من يلتفت إلى هذا الشعب الذي ضحى وعانى وقدم الغالي والنفيس .
أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
18/11/2015