بعد خصومة وقطيعة طويلة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، والرئيس الأميركي "باراك أوباما" امتدت على مدى عام ونصف العام، كان عنوانها الخلاف حول "النووي الإيراني"، وبعد حل الخلاف مع إيران، بين الدول 5+1 وأصبح قيد التنفيذ، اضطر "نتنياهو" لإعادة علاقات إسرائيل مع البيت الأبيض، حيث التقى مع الرئيس "أوباما" في البيت الأبيض بتاريخ "9-11-2015"، بعد تجاوز مرحلة الأزمة، لإعادة بناء الثقة، لتأتي مرحلة الابتزاز الإسرائيلي، وإبقاء "حل الدولتين" على الطاولة، دون تنفيذ رغم استبعاد التوصل إلى حل مع الفلسطينيين في عهد الرئيس "أوباما"، واكتفى الرئيس الأميركي الطلب من "نتنياهو" ومن الفلسطينيين، القيام بخطوات لإعادة بناء الثقة المفقودة بين الجانبين، لتسهم في تهدئة الوضع الحالي المتأزم في الأراضي الفلسطينية، دون أي مبادرة نحو الحل، وكأن التهدئة أصبحت العنوان، وإبقاء الباب مفتوحاً أمام استئناف المفاوضات.
مصيبة الفلسطينيين، الانحياز الأميركي الكامل لإسرائيل، فأقوال الرئيس "أوباما"، أن أمن إسرائيل من أولويات الولايات المتحدة، وأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، والسؤال من الذي يهدد إسرائيل؟ فهناك اتفاقيات سلام بينها وبين كل من مصر والأردن، وأن الجبهة الشرقية التي كانت تخشاها إسرائيل في الماضي، انهارت بانهيار كل من سورية والعراق، وأن إسرائيل مدججة بأقوى الأسلحة الحديثة وتريد المزيد، وقادتها يعلنون المرة تلو الأخرى، أنها قادرة على الانتصار عسكرياً على جميع الدول العربية مجتمعة، فإن "أوباما" وغيره من زعماء الدول الغربية يعلنون أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، فهي تدافع عن احتلالها للأراضي الفلسطينية، وتعيث في البلاد ومواطنيها فساداً وإجراماً، حتى أن الرئيس الأميركي لا يشترط على إسرائيل، تطبيق مشروع حل الدولتين، الذي تقدم به "نتنياهو"، كما أن التقارير تنفي أن الرئيس الأميركي طالب "نتنياهو" بوقف البناء الاستيطاني، وهذا يعطي إسرائيل ضوءاً أخضر، للاستمرار بسياستها العنصرية لابتلاع الأراضي الفلسطينية، فـ "نتنياهو" الذي خاض صراعاً مريراً مع الرئيس الأميركي، حول النووي الإيراني، وتبادلا الاتهامات والقدح والذم ومع أن "نتنياهو" هزم في الموضوع النووي الإيراني، يقول أن لقاءه مع الرئيس "أوباما" كان من أفضل اللقاءات التي أجراها معه، ويقول:"لا يوجد لإسرائيل صديق أفضل من الولايات المتحدة، ولا يوجد للولايات المتحدة صديق أفضل من إسرائيل".
"نتنياهو" يطالب الولايات المتحدة، تزويدها بمساعدات عسكرية كبيرة جداً، كذلك برفع المساعدات المالية التي تحصل عليها إسرائيل من الولايات المتحدة، من(3.100) مليار دولار سنوياً إلى خمس مليارات دولار سنوياً، وهذه المساعدات التي تطالب بها إسرائيل، تحت عنوان "تعويضاً"، عن الاتفاق النووي مع إيران، ولما لا، فالرئيس "أوباما" ومن أجل تمرير الاتفاق في الكونغرس الأميركي، التزم لأعضاء الكونغرس من حزبه الديمقراطي، مقابل تصويتهم إلى جانب الاتفاقية مع إيران، كذلك لاستقطاب أصوات الناخبين في معركة الرئاسة القادمة، التزم بتعويض إسرائيل بالمزيد من المساعدات المالية والعسكرية، فاتفاقية المساعدات الأميركية لإسرائيل التي وقعت عام 2007، ومدتها عشر سنوات، يعملون على تجديدها لعشر سنوات أخرى، وتزعم إسرائيل في طلبها المزيد من المساعدات، على خلفية برنامج إيران النووي، الذي تعارضه الحكومة الإسرائيلية، فحزمة المساعدات تقررت مبدئياً من قبل البيت الأبيض، ثم ترفع إلى الكونغرس الذي عليه الموافقة أو التعديل بالزيادة أو النقصان عليها، وتطالب إسرائيل تزويدها بـ (33) مقاتلة من طراز (اف-35) الحديثة والمتطورة جداً، التي لم يسبق للولايات المتحدة، تزويدها لأي دولة من دول العالم، بالإضافة إلى ذخائر عالية الدقة، وتزويدها بطائرات من طراز "في-22 اوسبري"، وأسلحة أخرى لضمان تفوق إسرائيل العسكري، على جميع دول الشرق الأوسط، ويذكر أن مقاتلات "اف-35"، هي الطائرة الوحيدة –حسب الخبراء الإسرائيليين- القادرة على مواجهة منظومة صواريخ "اس-300 أرض جو الروسية"، التي قد تزود روسيا بها لإيران"، والأنكى من ذلك، تطالب إسرائيل الولايات المتحدة بعدم تزويد دول أخرى في المنطقة، وخاصة دول عربية، وحسب المصادر الإسرائيلية، فإن الولايات المتحدة رفضت حتى اليوم، طلبات دول خليجية لشراء هذا النوع من الطائرات و"نتنياهو" قلق جراء تزويد أميركا دول الخليج بمنظومات أسلحة نوعية، تعويضاً لها عن الاتفاق النووي مع إيران.
الشهية الإسرائيلية لا حدود لها، طالما أن الكونغرس بشقيه ولوبياته اليهودية والأميركية، يدعم مطالبها، ولها تأثير كبير على أصحاب القرار في الولايات المتحدة، فإسرائيل تطالب بطائرات عمودية من طراز "اف-22 اوسفري"، وطائرات حديثة للتزود بالوقود جواً، وبكميات كبيرة من صواريخ "حيتس-3"، وقنابل "MOP" التي تزن (30 ألف باوند) لاختراق التحصينات، وهذا يندرج بالالتزامات الأميركية في بقاء إسرائيل وأمنها وازدهارها وتفوقها، كسياسة أميركية ثابتة ومنح إسرائيل شبكة أمان إستراتيجية حتى عام 2027، للمحافظة على تفوقها النوعي، وعلى أمنها القومي.
زيارة "نتنياهو" الحالية، تختلف عن الرحلة التي قام بها في شهر آذار الماضي، والخطاب الذي ألقاه ضد الاتفاق النووي مع إيران، في الكونغرس الأميركي، الذي اعتبر مناقضاً لسياسة "أوباما" في موضوع الاتفاق الغربي مع إيران، لكن الاتفاقية مع إيران أصبحت حقيقية، فـ "نتنياهو" أراد فتح صفحة جديدة مع "اوباما"، لامتصاص التوتر القائم بينهما، فإن المشكلة الإيرانية ما زالت قائمة، ولو ضمنياً من قبل "نتنياهو"، فهو مازال يخشى من حصول إيران على أسلحة نووية، ومن المواضيع الرئيسية التي تم بحثها بين الاثنين: 1-النووي الإيراني، المساعدات الأمنية لإسرائيل، والقضية الفلسطينية التي لم تحتل الأهمية، مع وجود قلق أميركي جراء عدم وجود حل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ومن توسيع عمليات البناء المتواصلة في المستوطنات، التي تزيد في تعقيد حل ما يسمى بالدولتين، بينما يكرر "نتنياهو" في كل مناسبة، التزامه بحل الدولتين، والحقيقة أنه غير ملتزم بها عملياً، وقول "نتنياهو" عن انسحاب من جانب واحد، ليأخذ ما يشاء، ويترك أجزاء غير هامة للدولة الفلسطينية، ومن مستجدات "نتنياهو"، قوله بأن قضية القدس والمسجد الأقصى غير قابلة للحل، بينما طالب باعتراف أميركي بضم الجولان الذي شرّع الكنيست ضمها لإسرائيل عام 1981، بحجة أن تكون رسالة لإيران، وحسب المصادر الإسرائيلية، فإن الرئيس الأميركي لم يرد على هذا المطلب الجديد، وحسب جريدة "هآرتس 11-11-2015"، فإن "نتنياهو" حاول استمزاج رأي واشنطن في ضمها للجولان، على خلفية الحرب الأهلية الدائرة في سورية، للحصول على اعتراف دولي بهذا الضم، وخلال خطابه أمام الفيدرالية اليهودية في واشنطن، "10-11-2015"، حمل "نتنياهو" الفلسطينيين المسؤولية الكاملة عن غياب السلام، زاعماً أنه يرغب بحل الدولتين، وفي نفس الوقت أعلن-بشكل مناقض تماماً- رفضه لقيام دولة فلسطينية، وأن إسرائيل ستواصل السيطرة على الحرم القدسي، زاعماً أن "أبو مازن" غير معني بالتفاوض، فرد عليه السفير الفرنسي "جيرار آرو" قائلاً: حينما نرى زعيماً إسرائيلياً على استعداد للاعتراف بالقدس عاصمة للدولتين، سيحل السلام، وواجه "نتنياهو" أسئلة صعبة من الحضور في مركز الأبحاث الليبرالي "كاب" الذي حاضر فيه، خاصة حول الاستيطان والمفاوضات مع الفلسطينيين، والتصريحات التي أدلى بها عن العرب في إسرائيل خلال الانتخابات الأخيرة، معترفاً أن أقواله عن العرب في إسرائيل كانت خطأً، وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، قال: بأن السلام سيتحقق فقط حينما نقابل زعامة فلسطينية على استعداد للاعتراف بيهودية إسرائيل، وهو يعلم أن هذا الطلب مرفوض، فهو يضعه مع أن الكثير من المسؤولين السياسيين الإسرائيليين، يعتبرون أن لا حاجة لهذا الاشتراط، بل أن وضعه لتعطيل المسيرة السياسية.
ديوان رئيس الحكومة "نتنياهو" حاول تجميل اللقاء، مع أنه كان فاتراً وقد وصفت جريدة "معاريف" أنه كان لقاءاً" اضطرارياً لزوجين بعد شقاقات ومواجهات وإهانات متبادلة، وأن كليهما مصاب ومستاء، ويأمل ألا يرى الواحد منهما الآخر وجهاً لوجه، يلتقيان ليتحدثا ويتفقا على ترتيبات مالية وتسليحية، فهذا اللقاء لم يكن سهلاً ومريحاً، فإن الرئيس "أوباما" لم ينس ظهور "نتنياهو" أمام الجلسة المشتركة للكونغرس، ولن يغفر له الخطاب الذي ألقاه هناك، وهاجم فيه بشكل فظ وجارف سياسة الرئيس "أوباما" حيال النووي الإيراني، وذلك في عقر بيت الرئيس "أوباما"، والرئيس الأميركي الذي قال للصحفيين في الغرفة البيضوية: أن الاستقرار في الشرق الأوسط، يستوجب التنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، متجاهلاً الدول العربية، معترفاً بالتدهور الأمني في الشرق الأوسط في مجالات عديدة، أما "نتنياهو"، فقد قال للصحفيين بعد اللقاء، أن الرئيس الأميركي لم يطرح قضية الاستيطان في الضفة والقدس، وأنه يرفض طرح أكثر مما اتفق عليه في المجلس الوزاري المصغر، أي السياسة الجارية حالياً، وخلاصة القول، فإن الولايات المتحدة، ورغم مساعداتها المالية والسياسية والعسكرية لإسرائيل، فإنها عاجزة عن التأثير عليها في الموضوع الفلسطيني، وبذلك لن يكون هناك تحول في الموضوع السياسي، يفضي إلى حل القضية الفلسطينية، فعلى الفلسطينيين البحث عن البدائل.
بقلم: غازي السعدي
التاريخ : 17/11/2015