الفلسطينيون والعرب و"التطبيع": خليط من المرفوضين والرافضين وتبادل الادوار!

بقلم: عماد شقور

في الصحف الاسرائيلية هذه الايام، انباء عن بدء تنفيذ قرار حكومي اتخذ منذ عام ونصف تقريبا، يقضي باستقدام الف وخمسمائة عامل اردني للعمل في فنادق مدينة ايلات الملاصقة لمدينة العقبة الاردنية، والمقامة على انقاض واراضي ام الرشراش الفلسطينية.
هذا الموضوع جدير بالاهتمام والمعالجة السريعة، بحنكة ودراية، لما قد يوصل اليه من نتائج سلبية على عدة اصعدة، ولما يمكن ان يلحقه من اضرار.
لكلمة "التطبيع"، في قاموس سياسة المناصرين النشيطين في الدول العربية للحق الفلسطيني، سمعة سيّئة. هي في الواقع جديرة بها. وقد بلغ التقزز من تلك الكلمة، في الدول العربية عموما، وفي الاردن ومصر، اللتين تربطهما باسرائيل اتفاقية سلام خاصة، درجة نحت شتائم من احرفها، حيث اصبحت كلمة "مُطبِّع" تهمة، يسعى من توُجّه اليه إلى التبرؤ منها.
ليس من مصلحة الوطنيين الفلسطينيين، كما ليس من مصلحة القوميين العرب، العمل للتغطية والتستُّر على ما في ايحاءات كلمة "التطبيع" من معانٍ وابعاد سلبية ممجوجة. لكن هذا الموقف المبدئي السليم، في اعتقادي على الأقل، لا يبرر السكوت عن الضرورة البالغة، في التمييز بوضوح بين تطبيع وتطبيع. وللتوضيح نقول: في مسألة "التطبيع" التي نحن بصددها، ثلاثة عوامل: الفلسطينيون، العرب الآخرون ( وخاصة في الأردن ومصر)، والاسرائيليون. واي معادلة من ثلاثة عوامل او عناصر، تستدعي رويَّةً وتبصُّراً وصدقا مع الذات وثقة عالية بالنفس، تقود إلى الموقف الوطني والقومي الصحيح والسليم، اي إلى الجواب الصحيح في حلّ المعادلة.
أهم وأول ما تسعى اليه اسرائيل، هو "التطبيع" مع الدول العربية، بقفزة واحدة من الضفّة الاسرائيلية للنهر إلى الضّفة العربية منه، لإلغاء وتجاوز "الجسر" الفلسطيني. ولقد عجزت اسرائيل، لحسن حظ الفلسطينيين والعرب عموما، عن انجاز هذا الهدف العنصري الظالم.
وأهم وأول ما يسعى اليه الفلسطينيون الوطنيون العاقلون، والقوميون العرب الصادقون، هو إفشال المحاولات الاسرائيلية بالقفز فوق الجسر الفلسطيني، والوصول إلى الدول العربية، متجاوزين "جسر" الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني. وهذا ما تم انجازه، حتى الآن، لحسن حظ الوطنيين الفلسطينيين والقوميين العرب.
المعادلة إذن هي: اسرائيل ترفض التطبيع مع الشعب الفلسطيني، ولكنها في ذات الوقت تسعى للتطبيع مع العرب غير الفلسطينيين. والعرب يرفضون التطبيع مع اسرائيل، طالما هي تتجاوز الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة. وهذا ما يصلح لأن يكون تلخيصاَ للمبادرة العربية في مؤتمر القمة في بيروت عام 2002، التي قالت ما معناه: اعطوا الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، تُفتح لكم ابواب الدول العربية، وكذلك ابواب الدول الاسلامية. بكلمات أُخرى: طبّعوا مع الفلسطينيين، نطبّع معكم.
من كل هذا نخلص إلى نتيجة واضحة: تطبيع اسرائيل مع الفلسطينيين، هو مطلب وطني فلسطيني، وقومي عربي. واسرائيل هي الرافضة. والتطبيع بين اسرائيل والدول العربية، متجاوزين حقوق الفلسطينيين المشروعة، هو مطلب اسرائيلي.
هنا يصبح لتعبير "التطبيع" قيمتين متناقضتين: فهو مطلب وهدف وطني فلسطيني، ترفضه اسرائيل، عندما يكون معناه إعتراف اسرائيل بحقوق الفلسطينيين المشروعة، وهو في ذات الوقت مطلب اسرائيلي، يرفضه شرفاء العرب، عندما يكون معناه تجاوز الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وللتوضيح اكثر واكثر أُعطي امثلة: من الذي يمنع اعطاء فرصة لأُستاذ جامعي فلسطيني متخصص في تاريخ الشرق الاوسط من جامعة بير زيت الفلسطينية مثلا، من اعطاء ثلاث محاضرات لطلاب كلية التاريخ، تخصص الشرق الاوسط في جامعة تل ابيب او بئر السبع مثلا، مقابل اعطاء استاذ اسرائيلي من جامعة تل ابيب ثلاث محاضرات عن تاريخ الشرق الاوسط لطلاب ذات التخصص في جامعة بير زيت او جامعة النجاح في نابلس مثلا؟. الجواب: اسرائيل.
ومثل آخر: في الغالبية العظمى من الصحف العربية ذات القيمة، ومنها " القدس العربي" التي انشر فيها هذا المقال، صفحة كاملة على الاقل مخصصة ومقتصرة على مقالات مترجمة حرفيا من الصحافة الاسرائيلية، فيها الغث وفيها السمين، في حين لا وجود لاي صفحة، او حتى زاوية مشابهة، في اي من الصحف الاسرائيلية. واكثر من ذلك: في اسرائيل مؤسّسة مدنية واحدة فقط، علامات ارتباطها باجهزة امنية اسرائيلية عنصرية واضحة، متخصصة في ترجمة الأسوأ والاكثر عنصرية وتخلفاً من المقالات في صحف الدول العربية، وتوزيعها لزيادة تسميم الجو العام في اسرائيل، المشبع اساسا بالعنصرية.
لا يغيب عن الذهن ونحن نتطرق إلى مسألة "التطبيع" بين العرب واسرائيل، ان هناك شططا مؤلما، في تصرفات كثير من رافضي ومناهضي التطبيع في الدول العربية، يخلط الحابل بالنابل، ويرى في العلاقة مع الفلسطينيين حاملي بطاقة الهوية الاسرائيلية، من الفرق الفنية وحتى طلاب الجامعات، وما بينهما من قطاعات، نوعا من التطبيع مع اسرائيل، يقاومونه ويدينونه، وهم بذلك لا يخدمون الا مصلحة اسرائيل وسياستها العنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين فيها. وسواء كان ذلك عن حسن نية او سوء نية، فانه يوصل إلى النتيجة ذاتها. ان المدى الكبير للتشابك بين عناصر وعوامل معادلة "التطبيع" مع اسرائيل، يجعلها معادلة غاية في التعقيد والحساسية. ولهذا السبب بالذات ينبغي التعامل والتعاطي معها بعقلانية وعمق ودقة، منعا لتفريخها اشكالات يمكن لها ان تلحق اضرارا آنية ومستقبلية، بمجمل المصالح الفلسطينية والعربية.

٭ كاتب فلسطيني

عماد شقور