دون مجالقة.. فتح كانت عرفات كما كانت ليبيا القذافي

بقلم: طلال الشريف

الشعب الفلسطيني يستخدم كلمة مجالقة بالعامية وقد تكون من أصل كردي أو تركي و المجالقة كلمة غير مفهومة يقصد بها حديث لا يستفاد منه، وما يحدث من مجالقة بين الفتحاويين في موضوع المصالحة الدحلانية العباسية هو كلام غير مفهوم وحديث لا يستفاد منه وهو مستمر منذ أربع سنوات تماما كالمجالقة الجارية بين حكام غزة الحمساويين وحكام رام الله الفتحاويين منذ ثماني سنوات وما يعانيه الفتحاويون من مجالقتهم الداخلية يعانية الشعب الفلسطيني من مجالقة حماس وفريق عباس وإن أردنا المقابل في التعبير المجالقة بين حماس وفتح رغم قناعتي أن فتح مظلومة لأنها لا تحكم.

بلاش مجالقة عالفاضي الحياة السياسية ومكوناتها في فلسطين في حالة ديناميكية مستمرة ومتسارعة تشبه إلى حد كبير تغيرات الواقع العربي إن لم تكن الحالة الفلسطينية هي من بدأت تفجيرها بالاستيلاء على السلطة بالقوة في جزء من فلسطين يسمى قطاع غزة من قبل حماس.

موضوعنا مجالقة الفتحاويين الآنية وكأننا نعيش في أيام الحمام الزاجل الذي لم تصل رسائله بعد ومازال الحمام في طريقه إلى فلسطين من مصر حتى يصل ونتمكن من فتح الرسالة التي يحملها على جناحيه لنقول للناس هناك فعلا مصالحة من عدمها وتبقى المجالقة ممن لا يعرفون ما جرى حقيقة ولا يريدون بذل جهد عقلي بسيط للتنبؤ والتحليل رغم وضوح الرؤية ولكن المجالقة هي سيدة الموقف .. لماذا يحدث كل ذلك ؟

الإجابة لأن فتح عرفات انتهت بموت عرفات ولا يريد الفتحاويين تصديق ذلك ومازالوا تحت حكم كوفية عرفات وانظر كيف يتناطحون بالإخلاص لعرفات فتتناثر يوميا صور الرمز ياسر عرفات على المواقع الاخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن القلق الذي يرقد في دواخلهم عن أن فتح انتهت بنهاية ياسر عرفات ولا يريدون تصديق ذلك وينكرونه لأن ذلك يعني اقتلاعهم من الجذور ونهاية حركتهم الكبيرة التاريخية وهنا الكارثة التي حدثت أمامهم لكنهم لا يريدون تصديقها أن يموت الأب ياسر عرفات وتموت الأم حركة فتح بعده بقليل ويصبحوا أيتام الأب والأم فهذه أكبر من كارثة للأبناء فهم استوعبوا موت الأب ولكنهم لم يستوعبوا بعد موت الأم.

كان ياسر عرفات هو فتح وفتح كانت ياسر عرفات كما كانت بالضبط ليبيا القذافي والقذافي هو ليبيا وكنا نتأكد من هذه المقارنة عندما كان أحد الأجانب في الخارج في الزمن الغابر حين لا يعرفون فلسطين ويقابلهم أحد الفلسطينيين ليعرفهم على بلده لا يفهمون فلسطين إلا عندما يقول لهم ياسر عرفات أو حطة ياسر عرفات وكذلك الأمر عرف الليبيون بالقذافي فقد كان عرفات هو فلسطين وكان القذافي هو ليبيا.

هناك من المعالم والحقائق الكثيرة التي تتشابه بين دولة عرفات الخاصة فتح وبين دولة القذافي الخاصة ليبيا ومنها - كبر مساحة دولة فتح المترامية الأطراف والحدود كما دولة ليبيا وحدودها الجغرافية ودولة فتح لها حدود مشتركة مع دول كثيرة لكن من نوع ديموغرافي من خلال ممثلي هذه الدول في دولة فتح ومنها - ثروات دولة فتح تشبه ثروات ليبيا الطبيعية الكبرى من الغاز والبترول لكنها في دولة فتح ثروات بشرية بدءً من الخبرات العسكرية والثورية ومرورا بالخبرات الصحية والتعليمية والحقوقية وإدارة المال أيا كان مصدره وانتهاءً بالمخترة والاصطفاف حول رأس المال أو المصدر المالي كما كان الليبيون حول القذافي ومن الحقائق أيضا - أن دولة ليبيا القذافي لم يكن بها أحزاب وتعددية حقيقية بل كانت بها لجان القذافي الشعبية يقربها ويبعدها حسب الحاجة والولاء له تماما كما كانت فتح ليس بها تعددية وإن كانت فهي شكلية غير مؤثرة ولكن بها مدارات حول عرفات يقدمها منه ويؤخرها عنه حسب الحاجة والولاء له ومن الحقائق أيضا – في دولة ليبيا القذافي تخلصوا من قادة الثورة حسب الولاء للقذافي وفي دولة فتح عرفات تخلصوا من قادة الثورة حسب الولاء لعرفات ومن المعالم لدولة فتح عرفات التي تتشابه مع دولة ليبيا القذافي - محاولات الوحدة الهيمنة المتكررة مع الدول العربية مثل مصر السودان تونس والجزائر وتشاد والنيجر ثم القطيعة الدامية والمتوترة وفي دولة فتح عرفات كانت الوحدة الهيمنة ثم القطيعة الدامية والمتوترة بطرق أخرى مع الاردن سوريا لبنان وأخيرا مع شعب الأرض المحتلة.

من الحقائق المتشابهة "الأخطر" بين دولة ليبيا "ما بعد القذافي" ودولة فتح "ما بعد ياسر عرفات" وهنا نود التركيز:

بعد القذافي انقسامات جغرافية وديمغرافية وصراع حاد ودموي على السلطة في دولة ليبيا القذافي دمر ليبيا وليس في المنظور القريب إمكانية استعادة وحدة ليبيا وجماعات عسكرية تهيمن على المناطق ومصادر الثروة وكل يقيم دولته القادمة بحكم الواقع والعالم يذكي ذلك ولن تحكم ليبيا سلطة مركزية كما كانت دولة العقيد -- وبعد ياسر عرفات انقسامات جغرافية وديمغرافية وصراع حاد على السلطة في دولة فتح عرفات بدأت بالخلافات الماثلة بين دحلان وعباس ولن تحدث مصالحة فالواقع أقوى ومعضلة الحل دامية كيفما كان الحل، الآن دولة فتح مشروخة بين دحلانيين وعباسيين ومادام الانقسام الفلسطيني موجود لن تكون انتخابات لتلتئم فتح ويمكن الحفاظ عليها وإذا عقد المؤتمر السابع أو مات عباس ستصبح دولة فتح مثل دولة ليبيا لكل قائد جماعة من الناس ويتحصن في منطقة جغرافية فقيادة فتح الخليلية ستسيطر على دولة فتح الخليل وقيادة النابلسية ستسيطر على دولة فتح نابلس وقيادة فتح الجنينية ستسيطر على دولة فتح في جنين وفي غزة قيادة فتح الأقوى والمحسومة لجماعة دحلان مبكرا ستسيطر على أو هي مسيطرة فعليا على دولة فتح غزة، أما دولة فتح القدس فهي محسومة أيضا بالهوية الزرقاء حين تغلق اسرائيل القدس، وفي دولة فتح رام الله فسنرى العجب في تقسيمها وستؤول في النهاية لمصادر القوة والمال ..

هذا ما لا يريد الفتحاويين تذكره لانه يذكرهم بموت فتح الأم بعد موت فتح الأب ياسر عرفات ولو كنت قائدا فتحاويا أريد مواصلة العمل السياسي ولديّ امكانيات لما أضعت الوقت الماضي والحاضر والمستقبل وأسست حزبا جديدا سموه ما أردتم فقد ضاع وقت أثمن من ثمين لاستعادة روح فتح ياسر عرفات الرمز السياسي وليس العسكرتاري ففتح العسكر انتهت ولا فائدة من عودتها فالساحة بها ما يكفيها من العسكر ولن أستطيع مجاراتها للبدء من جديد ولا فائدة في ذلك.

حزبا يحمل فكرة "ما" تقنع الأغلبية من شعبنا للصراع الديمقراطي حين يأتي .. هذه هي المجالقة الحقيقة المفيدة إذا أردنا تغيير مفهوم المجالقة السابق من عمل ونقاش غير مفيد إلى عمل ونقاش برسم المستقبل

*لمن يستشيط غضبا من موت فتح لا تغضب سيتقى عشرات الفُتُح ولكن ليست فتح التي مضت فالزمن الذي مضى لن يعود.

بقلم/ د. طلال الشريف