حتى مع تشككنا في صحة إعلان الشاباك الإسرائيلي عن اعتقال ما وصفه بخلية لداعش، من سكان جلجولية في المثلث، خاصة وان الإعلان يتزامن مع التفجيرات التي تبنتها داعش في باريس يوم الجمعة الماضية، بما يؤكد محاولات إسرائيل المتواصلة، لوضع نفسها في الخندق ذاته الذي توجد فيه دول أوروبا وأميركا، وكانت إسرائيل، قد قالت عام 2001 إنها تقاتل " الإرهاب " كما هو حال الولايات المتحدة التي كانت قد تعرضت في الحادي عشر من أيلول من ذلك العام لما سمي بعمليات البرج التوأم، التي استهدفت فيها القاعدة برجي التجارة العالمي.
نقول حتى مع التشكك في ذلك الإعلان، في صحته وفي محاولة توظيف توقيت الإعلان عنه سياسيا، إلا أن ذلك لا يمنع من معاودة طرح السؤال، الذي سبق لنا وان طرحناه أكثر من مرة، وهو لماذا لا تستهدف جماعات أو تنظيمات "الجهاد العالمي" إسرائيل، والتي لا يختلف عربيان أو مسلمان على أنها العدو الأول للعرب والمسلمين، وليست عدو الفلسطينيين فقط ؟!
كثيرا ما تشدق أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، وكذلك فعل سلفه أسامة بن لادن، على أن إسرائيل عدو الإسلام والمسلمين، لكن التنظيم، الذي وصل إلى الحكم في أفغانستان بالشراكة مع طالبان، والذي تمكن من إيقاع القتل بآلاف الأميركيين، في برج التوأم بنيويورك، لم يسجل انه، وحتى الآن، استهدف إسرائيل، لا في جيشها ولا احتلالها، ولا مصالحها، ولا حتى سفاراتها، لا من قريب ولا من بعيد، ولا في أي مكان في الدنيا، ويبدو انه حين اخطأ واستهدف برجي التوأم، وهذا جاء فيما يبدو في لحظة ارتباك أو خلط للأوراق، هنا أو هناك، فان ذلك كان سببا في " شطب " التنظيم، من قبل من سبق له وان رعاه من صباه، لكن هذا الراعي، ولأنه لم يستكمل بعد أهدافه، وربما لأنه استمرأ اللعبة _ لعبة توظيف المتطرفين لتحقيق أغراضه السياسية _ سرعان ما انشأ وريث القاعدة، ولمن نسي نذكر قائلين، بأن داعش ظهرت أولا كأحد تنظيمات القاعدة، في بلاد الرافدين والشام، ومن ثم ابتعدت عنه، أو أنها ورثته بمعنى أدق وأوضح.
سمح لداعش أن تملأ الفراغ الناجم عن الاقتتال داخل سورية بين نظام الأسد ومعارضيه، ومن ثم أن تجتاز الحدود بين سورية والعراق، لتحطم خط سايكس / بيكو، الذي لم يعد مقدسا عند الأميركيين على وجه الخصوص، وكما سبق وان فعلت تنظيمات الجهاد في أفغانستان، التي أنشئت بمعرفة ودعم ورعاية المخابرات الأميركية لمحاربة السوفييت في أفغانستان، بحيث كانت النتيجة الاقتتال بين تلك الجماعات وتحطيم الدولة الأفغانية وإفقارها، يبدو أن الهدف من دعم وتشجيع ما يسمى بجماعات الجهاد الإسلامي، هو تحقيق النتيجة ذاتها في الدول العربية بالشرق الأوسط، فبعد أن تبنت داعش تفجير الطائرة الروسية بعد أن أقلعت من مطار شرم الشيخ، استهدفت باريس، بعمليات انتحارية راح ضحيتها نحو مئة وثلاثين قتيلا، والحجة هي الرد على التدخل الروسي في سورية، كذلك معاقبة فرنسا على مشاركتها في الحرب على داعش في سورية!
أولا _ معظم التدخل الروسي عبارة عن قصف بعيد المدى لمواقع المناوئين لنظام الأسد، وليس لمواقع داعش تحديدا، كما أن التدخل الروسي لم يمض عليه سوى بضعة أسابيع، فيما " الحرب الأميركية " على داعش في شمال سورية وشمال غرب العراق مضى عليها نحو عامين، وإذا كانت داعش تعاقب فرنسا، فليست باريس، إلا مشاركا في تلك الحرب، التي تقودها الولايات المتحدة .
وإذا كانت الحجة هي أن منفذي العمليات في باريس هم من المهاجرين من الأصول العربية، تحديدا الشمال / أفريقية، فان الولايات المتحدة مليئة بالمهاجرين العرب والمسلمين، وفيها من المتشددين أكثر مما في فرنسا، كما انه من الطبيعي أن لا تقتصر " القدرة " الأمنية الداعشية على حدود مصر، لتزعم الرواية بان أثنين من موظفي الحرس الرئاسي السابق ممن كانوا ينتمون للإخوان ثم " تدعشنوا " هم من دسوا الحقيبة الموقوتة في الطائرة بحجة أنها مرسلة من القصر الرئاسي لموسكو !
ليس خفيا على ان هنالك متعاطفين مع داعش ومع حالة التطرف في المنطقة، ومن ضمن هؤلاء بعض الشباب الفلسطيني، الذي رأى في حماس والقسام، وفي الجهاد، ثم في أسامة بن لادن، وفي أبو مصعب الزرقاوي، ومن ثم في داعش ضالته في الخلاص، ومن كان يصل بتنظيم الخلايا، حتى لو كانت نائمة إلى جلجولية في المثلث، يمكنه، بل من غير المستبعد أن يصل إلى غزة وجنين والخليل والقدس، لكن المستغرب جدا، هو ما يتابعه تقرير الشاباك بالقول بأن أعضاء تلك الخلية كانوا ينوون الذهاب إلى سورية للجهاد في صفوف داعش، وكأن هؤلاء يعيشون في ستوكهولم أو في لندن، وليس في المثلث الفلسطيني / العربي / المسلم!
لا يبدو _ مع الأسف الشديد _ أن هذه الثقافة جديدة أو هجينة، فقد سبق " لجماعات الجهاد العالمي " أن تجندت الى أفغانستان قبل أكثر من ثلاثين سنة، وأرسلت أعضاءها من العرب، بمن فيهم فلسطينيون، إلى آسيا الوسطى، في حين أن عقل الطفل الصغير يقول بان فلسطين أولى !
لكن ليس الجهاد الإسلامي العالمي فقط هو فعل سياسي عابر للحدود، وليس وطنيا ولا ديمقراطيا، بل يبدو أن كل الإسلام الجهادي السياسي، ليس انه غير ديمقراطي فقط، بل هو يقيم المجتمع الموازي ولا يبدي أي استعداد للكفاح الوطني ما لم يكن بالمحصلة له وفي جيبه.
رجب أبو سرية
2015-11-20