المؤتمر العربي العام السادس: انتصار لانتفاضة فلسطين وتضامن مع جراح لبنان

بقلم: معن بشور


       إثر الانفجار الاجرامي المزدوج الذي شهدته يوم الخميس في 12/11/2015 في شارع عين السكة في محلة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية وبالقرب من ساحة جمال عبد الناصر، تخوف القيمون على التحضير للمؤتمر العربي العام لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني في دورته السادسة ان يؤثر ذلك الانفجار الدامي على حضور المشاركين من اقطار عربية متعددة، وبدأنا باجراء المشاورات اللازمة للتأكد من موقف الذين ابدوا استعدادهم للحضور.
       كل من جرى الاتصال به قال بوضوح: بوجه الانفجار المزدوج، ستكون مشاركتنا لسبب مزدوج أيضاً هو الانتصار لفلسطين والتضامن مع لبنان معا، فما كان يصاب لبنان، ومعه سوريا، بكل ما يصيبهما اليوم لولا تمسك المقاومين وداعميهم بالحق الفلسطيني واطلاقهم مقاومة نجحت في ارباك العدو ودحره عن الارض اللبنانية المحتلة، وما كان ليصيب فلسطين ما اصابها من اغتصاب واحتلال وتدنيس مقدسات لولا ان الصهاينة، ومن وراءهم، ارادوا استهداف الأمة كلها من اجل فلسطين.
       احدهم قال: نحن نفهم ان هذه الانفجارات تستهدف فيما تستهدف صرف انظار الأمة والعالم عما يجري في فلسطين، لا سيما في ظل انتفاضة تدخل يومها الخمسين، فهل نحقق اهداف من يريد ابعادنا عن فلسطين فنتراجع عن المشاركة في تظاهرة عربية كبرى من اجل انتفاضتها.
       ولاحظ القيمون على التحضير للمؤتمر، ان عدد المشاركين قد ازداد إثر الانفجار تأكيداً على قناعتهم بأن المعركة في فلسطين ولبنان وكل أرجاء الأمة معركة واحدة، وان ما لم يتمكن الصهاينة من تحقيقه بالارهاب والاحتلال والقمع، اعتمدوا في تحقيقه على قوى الغلو والتوحش الظلامي التدميري الدموي الذي يلبس لبوس التحريض الطائفي والمذهبي البغيض الذي هو بدوره صناعة صهيونية استعمارية بامتياز…
       قد يتساءل البعض ولكن ما جدوى هذه المؤتمرات، وكيف يمكن ان تقدم دعماً ملموساً للانتفاضة، وهل لدى المشاركين فيها اكثر من الخطب والكلمات الحماسية يطلقونها؟
       في معرض الاجابة على مثل هذه التساؤلات المشروعة التي يطرحها ابرياء صادقون في مجملهم، ولكن يطرحها أيضاً خبثاء لا يريدون ان يروا عربياً يلتقي مع عربي آخر، ولا يريدون ان يسمعوا من يردد أمامهم كلمة فلسطين والانتفاضة، لكي يقولوا للفلسطينيين لا تنتظروا شيئاً من العرب ، فموقف العرب من انتفاضتكم هو موقف حكامهم المتراوح بين عجز وتردد وغرق في الحسابات الضيقة وبين تخاذل وتواطؤ يصل حدود الريبة، لا بد لنا من القول:

    ان الهدف الاساسي لمثل هذه المؤتمرات هو اعلان موقف القوى الشعبية العربية المغاير لموقف النظام الرسمي العربي، وان الأمة العربية لا يمكن اختصارها بحكامها مهما امتلك هؤلاء الحكام من وسائل وامكانات ورغبات في تصفية القضية الفلسطينية.
    ان مهمة مثل هذه المؤتمرات التي يتحمل المشاركون فيها، وعددهم بالمئات، تكاليف سفرهم واقامتهم، هو اعادة تسليط الاضواء على فلسطين كقضية مركزية للامة، وكبوصلة تحدد سلامة الاتجاهات والمواقف والمعايير، لا سيما ان كل العقود التي مرت على الأمة امتلأت بالصراعات والحروب والتوترات الرامية إلى تصفية هذه القضية والانتقام من كل من حملها صادقاً وجعلها محوراً لسياساته.
    ان هذا المؤتمر انعقد في ظروف بالغة الخطورة تمر بها الأمة في معظم اقطارها حيث الاحتراب الاهلي السمة الطاغية على عدد من المجتمعات، وحيث الغلو والتطرف والتوحش الظلامي يحرك عدداً من الجماعات ، وحيث التأزم في العلاقات البينية العربية يصل إلى حدود عدوان بلد على آخر، وحيث بلغ التفتت الشعبي مداه، وتبادل الاتهامات أقصاه، بعد ان كانت الأمة كلها تتحرك مع كل انتفاضة في فلسطين، وإثر كل عدوان على لبنان، وقبلهما كانت الملايين تملأ الشوارع في مواجهة الاحتلال الامريكي للعراق وفي دعم مقاومته التي انهكت الدولة الاقوى في العالم واربكت حساباته الاقليمية والدولية.

في هذا المؤتمر، الذي يضم تنوعاً عربيا من تيارات وقوى وشخصيات فرقت بينها الرؤى والحسابات والتقديرات الخاطئة لما يجري في هذا القطر أو ذاك، واعتقد بعضها انه يستطيع الانفراد بالسلطة والاستئثار بالحكم والاستغناء عن شركاء الهم والمصير، تبرز فلسطين قضية وشعبا وانتفاضة كعامل توحيد في امة كتب عليها التجزئة والتقسيم والتفتيت .
فنحن بحاجة اليوم إلى فلسطين وانتفاضتها لتوحدنا  اكثر بكثير من حاجة فلسطين وانتفاضتها إلى دعمنا ومساندتنا.

    ان هذا المؤتمر ينعقد في ظل محاولات محلية واقليمية وعالمية لتقزيم واحدة من اخطر قضايا العلم واهمها، وتحويلها إلى مجرد مفاوضات “عبثية” لا تنهي جولة منها إلا لتبدأ الثانية، فيما سرطان الاستيطان يفتك بالجسم الفلسطيني، وفيما تدنيس المقدسات يتواصل متطاولا على القدس واقصاها وقيامتها، وفيما جرائم الحرب تتمادى بحق شعبنا في كل اماكن تواجده داخل فلسطين.

ومن هنا فهذا المؤتمر ينعقد في وهج الانتفاضة  ليعيد الامور إلى نصابها، فالصراع في فلسطين وحولها هو صراع وجود لا صراع حدود، والطريق اليها طريق المقاومة لا المفاوضات، ومسؤولية تحريرها هي مسؤولية الشعوب لا سياسة انظمة وحكام، وان هدفها التحرير لا التحريك أو التحسين في شروط المفاوضات.

    ان هذا المؤتمر هو إطار لكي تتدارس القوى الحية المؤمنة سبل دعم الانتفاضة وهي تدخل يومها الخمسين، سواء على المستوى الشعبي العربي حيث الامكانات المتاحة كبيرة، أو على المستوى الرسمي العربي حيث التقصير والتواطؤ يتفاقمان، أو على المستوى الدولي حيث تباشير الانتصار للحق الفلسطيني تزداد في كل البلدان والقارات، بل في كل المجالات الاعلامية والقضائية والاقتصادية والاكاديمية.

ان استراتيجية شعبية عربية واسلامية ودولية لنصرة الانتفاضة باتت اليوم مطلوبة، والقوى المؤهلة لوضع هذه الاستراتيجية هي القوى الحية المناضلة المشاركة في هذا المؤتمر.

    ان هذا المؤتمر الذي يضم في اطاره ممثلين عن القوى والفصائل الفلسطينية كافة هو تجسيد للوحدة الوطنية الفلسطينية التي هي ركيزة الانتفاضة ودعامتها الاساسية، وانه إذا كان ممكنا ان تلتقي اطراف الانقسام في مؤتمر في بيروت فلماذا لا تلتقي الاطراف نفسها على ارض فلسطين وفي ميادينها الملتهبة.
    ان هذا المؤتمر، بحكم تكوينه الجامع، وأهدافه الوطنية والقومية الثابتة، يقدم نهجاً مناقضاً لنهج الغلو والاقصاء والاجتثاث والالغاء والسائد في العلاقات السياسية والمجتمعية، بالتالي يشكل دعوة إلى كل فريق عامل في الساحة العربية ان لا يغلّب الاعتبارات الذاتية على الاعتبارات الوطنية والقومية والاسلامية الجامعة، وان لا ينحو منحى الاقصاء والالغاء للشركاء في الوطن على حساب منحى التكامل والتفاعل والحوار.
    ان هذا المؤتمر، بانعقاده في العاصمة اللبنانية، وعلى مقربة من جرحها الاخير في ضاحيتها الجنوبية، هو فعل إسناد للبنان بوجه كل اعدائه والساعين إلى تدمير دولته وكيانه وصيغة العيش بين ابنائه، وبينهم وبين اشقائهم الفلسطينيين واللبنانيين، لذلك لا غرو ان العديد من المشاركين كان مصراً على زيارة الضاحية الجنوبية ليشهر تضامنه مع اهلها وذوي الشهداء.

معن بشور