ما أشبه 13 نوفمبر بـ11 سبتمبر

بقلم: علي الصالح

ما أشبه اليوم بالأمس، وما أشبه 13 نوفمبر 2015 بـ11 سبتمبر 2001، حتى بالروايات التي حيكت حولهما، مع اختلاف الموقع الجغرافي طبعا وعدد الضحايا الابرياء.
المدبرون والمخططون للمجزرتين في الحادثتين أكيد من طينة واحدة وكذلك أدوات تنفيذ الجريمتين واحدة، عربية، وأهداف الجريمتين واحدة، شيطنة المسلمين عامة والعرب منهم خاصة، وسأكون جريئا لاقحام القضية الفلسطينية ضمن الأهداف وقد ثبت ذلك، والنتائج ستكون واحدة او بالأحرى متشابهة. أربعة عشر عاما وأكثر من شهرين يفصل بينهما، والمؤامرة لا تزال مستمرة، تشابه في الروايات، للمقارنة والتذكير فقط:
٭ في 11 سبتمبر: طائرتان تضربان البرجين التوأمين في مركز التجارة العالمي لنيويورك اللذين يصل ارتفاع كل منهما إلى 110 طوابق ويسويان بالأرض، وانهار معها البرج الثالث مركز التجارة 7 بدون اصطدام. وهذا العمل الإرهابي كلف اكثر من 3 الاف ضحية وخلف وراءه خرابا ونيرانا وحرائق، صهرت الحديد الصلب القائم عليه البرجان، وتأتي على كل ما فيهما من بشر وحجر وحديد، ولم يتبق من أنقاض الطائرتين والبرجين، او الثلاثة سوى جواز سفر لأحد الإرهابيين! وكتيب يشرح قواعد الوضوء قبل "الاستشهاد" هكذا قيل في حينها. "جهاديون إسلاميون" لا يعرفون قواعد الوضوء!
– في 13 نوفمبر: ثلاثة انتحاريين يقتحمون قاعة موسيقى ويفجرون أنفسهم ويقتلون 90 شخصا وآخرون يطلقون نيران اسلحتهم الرشاشة على أبرياء كانوا يتناولون عشاءهم في مطعم في نهاية أسبوع عمل شاق، سقط منهم 39 شخصا ضحايا. وثلاثة انتحاريين آخرين يفجرون أنفسهم أمام إستاد دي فرانس، حيث كانت تدور مباراة ودية بين فرنسا وألمانيا بحضور الرئيس الفرنسي أولاند، بعدما فشلوا في دخول الملعب، والسبب المعلن أنه غاب عن "العقل المدبر" لهذه الجريمة شراء تذاكر لهم لدخول الاستاد! ففجروا أنفسهم امام الملعب ولم يقتلوا إلا أنفسهم وسائق حافلة، وهل تصدقون أن أجهزة الأمن الفرنسية وجدت أيضا جواز سفر سوريا سليما لم يتأثر بفعل الانفجار، إلى جانب جثة احد المتفجرين المتفحمة! يا محاسن الصدف. وأطرف ما قرأت بعد الإعلان عن اكتشاف جواز السفر، تعليق من شابة سورية على موقعها في فيسبوك تقول "لا بد ان نكون نحن السوريين فخورين بجواز سفر بلدنا فهو مضاد للنيران والحرائق والأحزمة الناسفة". وتعليق آخر يقول "وهل يحتاج انتحاري عازم على تفجير نفسه لجواز سفره".
٭ في 11 سبتمبر خرج الرئيس الأمريكي جورج بوش يهدد ويتوعد الارهاب وطلع علينا بمقولته "من ليس معي فهو ضدي".
- في13 نوفمبر يطلع علينا الرئيس الفرنسي أولاند، يطالب دول العالم بالتغاضي عن مشاكلها الوطنية والتركيز على محاربة الإرهاب.
٭ في11 سبتمبر مضى حوالي 48 ساعة قبل أن يعلن تنظيم "القاعدة" تبني المجزرة، وهذا يخالف المتعارف عليه، إذ من يخطط لعملية بهذا الحجم يعد معها بيان المسؤولية والاهداف المرجوة منها الخ، لإطلاقه بعد نجاح العملية لفرك كما يقولون "بصلة في عين العدو".
٭ في 13 نوفمبر لم يعلن تنظيم الدولة "داعش" مسؤوليته عن المجزرة إلا بعد مرور ساعات طويلة، أو بالاحرى بعدما راحت وسائل الإعلام الغربية تبحث عن فاعل وتوجه التهم اليه، فمن غيره الان القادر على تحمل مثل هذه المسؤولية؟ وحتى بيان المسؤولية، وحسب ما نقلت مجلة "نيوزويك"، عن الخبير الأمني شارلي وينتر، يؤكد أن الهجمات وقعت في الدائرة 18 من باريس، بينما هي تمت في الدائرتين العاشرة والحادية عشرة وحي سانت دينيس. ويفسر وينتر الخطأ بالقول "يبدو أن القصد من البيان التضليل"! تضليل من؟ وأضاف "ليس هذا أمراً غير عادي بالنسبة لبيانات صادرة عن داعش، أو أنه ليس لمنفذي الهجمات علاقة به". وبحسب وينتر "لم يشر البيان الذي صدر عن داعش بشأن مسؤوليته عن الهجوم لهوية أي من المنفذين، كما لم يتضح بعد في ما إذا كانت الهجمات تمت بإلهام من داعش، أو بتوجيه مباشر من التنظيم الإرهابي". ولكن يبقى السؤال الأهم حول مدى علاقة المهاجمين بالتنظيم الإرهابي.
٭ في11 سبتمبر كان البحث عن ذريعة لغزو افغانستان للخلاص من طالبان و"القاعدة" وهما صنيعتا أجهزة مخابرات إقليمية ذات علاقة وطيدة بأجهزة أمن غربية، والعين بالطبع على العراق والغرض تدميره وتفتيته وفقا لخطة المحافظين الجدد في واشنطن القائمة قبل ذلك بسنوات طويلة.
٭ في13 نوفمبر الحديث يجري عن "داعش" والمقصود سوريا، والدعوات تتصاعد الان لإرسال قوات برية غربية بذريعة ملاحقة "داعش" وهو أيضا صنيع أجهزة مخابرات محلية واقليمية وأجنبية، والقضاء عليه.
يذكر في هذا السياق أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال إن الرئيس باراك أوباما قرر السماح بوجود قوات أمريكية خاصة تعمل في سوريا، من شأنها أن تزيد الضغوط على "داعش". وأضاف في تصريح صحافي "شرعنا بإقفال الحدود بين سوريا وتركيا وسنغلق ما تبقى منها بالتعاون مع السلطات التركية". وشدد على ضرورة عدم التأخر في تبادل المعلومات الاستخبارية بين الدول في ما يتعلق بـ"داعش" والإرهاب، من أجل "التحرك والتعاون لدحر التنظيم.
٭ في 11 سبتمبر وبعد 14 عاما لا يزال تنظيم "القاعدة" بقيادة ايمن الظواهري، وكذلك حركة "طالبان" حيين يرزقان ويسيطران على أجزاء كبيرة من أفغانستان والقتال متواصل، والعراق مفتت تعمه الفوضى وأعمال القتل.
٭ وفي 13 نوفمبر وبالمعايير والمقاييس نفسها، وكما بقيت "القاعدة" وطالبان سيبقى "داعش" حيّاً يرزق، بعد تدمير سوريا الشعب والأرض والوطن والتاريخ والحضارة، هذا اذا ما اكتملت حلقات المؤامرة وكلي أمل الا تكتمل.
٭ في 11 سبتمبر المنفذون كانوا معروفين لدى أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة، خصوصا مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "إف بي آي" وجمعت عنهم معلومات استخبارية دقيقة وعن مآربهم وتحركاتهم، ومنهم من إخضع للتحقيق وأطلق سراحه ومنهم من سمح لهم بالحركة.
٭ في13 نوفمبر كذلك كان الإرهابيون معروفين لدى أجهزة المخابرات الأوروبية ومنهم من اعتقل وأفرج عنه حتى من يشار اليه بالعقل المدبر للجريمة عبدالحميد أبا عود، او عوض المنتمي لابوين مغربيين ومولود في بلجيكا الذي ذهب إلى الرقة، عاد وهو مطلوب إلى اوروبا مرتين قبل أن يدخل باريس مجددا وينفذ مخططه، وكان الارهابيون يتحركون بحرية بين دول الشينغن.
٭ في11 سبتمبر كما في13 نوفمبر كان لدى جهاز "الموساد" الاسرائيلي وباعترافه، معلومات استخبارية مسبقة حول الجريمتين وادعى ابلاغ الطرفين بهذه المعلومات. كما ادعى بوجود معلومات لديه عن القنبلة أصبح شبه مؤكد أن الطائرة سقطت جراء قنبلة وليس خللا فنيا، التي وضعت في الطائرة الروسية المدنية التي فجرت في الجو بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ على البحر الأحمر وراح ضحيتها اكثر من220 إنسانا بريئا.
٭ في 11 سبتمبر كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو ما تعرف بانتفاضة الأقصى التي تفجرت بعد تدنيس ارييل شارون للحرم القدسي الشريف، في أوجها، وحاول الإسرائيليون ربطها بتفجير البرجين.
٭ وفي13 نوفمبر، كانت الهبة الفلسطينية التي انفجرت جراء تدنيس اليهود المتطرفين للحرم القدسي الشريف قد بدأت تأخذ زخم الانتفاضة. ويحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي أيضا ربطها بجريمة باريس. وأذكر تصريحا لأييلت شاكيد وزيرة القضاء الإسرائيلية من حزب "البيت اليهودي" حول قرار حظر الحركة الإسلامية الجناح الشمالي في إسرائيل، للإذاعة العبرية العامة قالت فيه إن "تزامن القرار مع هجمات باريس ليس صدفة، علاوة على اعتبارات أخرى أخذتها الحكومة في الحسبان ولم تفصح عنها". وكان قرار الحظر قد اتخذ في الشهر الماضي.
٭ في11 سبتمبر كانت "القاعدة" تحظى بدعم مالي من دول حليفة لامريكا ووكالة "سي أي آيه".
٭ وفي13 نوفمبر، وحسب ما قاله الرئيس الروسي بوتين في مؤتمر مجموعة العشرين في تركيا فإن40 دولة بينها دول من مجموعة العشرين تمول "داعش"، لم يسم هذه الدول بأسمائها، ولكنه أضاف "قدمنا لرؤساء قمة العشرين معلومات عن قنوات تمويل الإرهاب، وعرضنا على المشاركين في القمة صوراً للاقمار الاصطناعية عن تجارة داعش بالنفط".
وقبل أن أصل إلى ختام المقال أذكر فقط بأن "سي اي آيه" تمكنت عندما أرادت، اقتفاء اثر الجهادي جونز البريطاني الشهير بقطع رؤوس ضحايا غربيين ويابانيين وقتله بصواريخ أطلقتها طائرات بلا طيار عليه في الرقة وتقطيعه اربا اربا، ونجحت المخابرات البريطانية في قتل اثنين من "الجهاديين" من مواطنيها وفتت جثثهم أشلاء،
اجهزة جمع المعلومات الاستخبارية في أوروبا والولايات المتحدة التي تتصنت على كل المكالمات وتتابع كل ما يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي من "فيسبوك" و"تويتر" وانستغرام وغيرها، تعجز أمام مجموعة صغيرة بحجم "داعش" التي بالغوا بحجمها وخطرها لغرض في نفس يعقوب، هل يعقل أن تعجز أجهـــزة المخابرات وجمع المعلومات عن التقاط الاتصالات بين "العقل المدبر" البلجيكي الجنسية المعروف لديهم بأفراد الخلية الارهابية التي نفذت المجزرة او مشغليه؟
هذه ليست إلا خواطر داهمتني، وأنا أتابع تفاصيل المجزرة في باريس التي راح ضحيتها حوالي 130 بريئا من19 جنسية ومئات الجرحى، وإسهاب قنوات الاخبار البريطانية في تقاريرها عن الإرهابيين الذي ارتكبوا الجريمة المروعة، اتشاطرها معكم وأترك لكم الاستنتاج.

٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"

علي الصالح