ترددات الجيل الثالث.. هل هي أولوية فلسطينية؟ !

بقلم: جبريل عودة

توقيع وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ ,لإتفاقية الحصول على ترددات الجيل الثالث للهواتف الخلوية, مع ما يسمى منسق أعمال حكومة الإحتلال في المناطق الميجور جنرال يوئاف بولي, بمثابة تحديد المسار السياسي للسلطة الفلسطينية في تلك المرحلة الحرجة التي تمر بها قضيتنا الفلسطينية , على وقع إنتفاضة القدس والتي إندلعت إنتصاراً للمسجد الأقصى ودفاعاً عنه ضد كل مخططات التهويد والتقسيم ,ورفضاً لواقع الإحتلال المرير الذي يحكم سيطرته على مدن الضفة المحتلة , وتنديداً بتزايد عربدة المستوطنين وجرائمهم بإستهداف الفلسطينيين كما حدث مع عائلة دوابشة ,وهنا يمكن القول أن السلطة الفلسطينية عبر توقيعها البرتوكولي لازالت تتمسك بالعلاقة مع كيان الإحتلال ,حتى ولو كانت بصورتها التي ظهرت في توقيع إتفاقية الترددات , حيث أن الطرف الآخر كان ضابط في جيش الإحتلال وهو إقرار أن السلطة بمثابة إدارة فلسطينية محلية تحت إشراف جيش الإحتلال ! , وأمام هذا المشهد تسقط كل الأقوال التي تفيد بأن الإتفاقيات مجمدة حتى يلتزم بها الإحتلال كما أعلن الرئيس محمود عباس في إطار إمتصاص الغضب الشعبي الفلسطيني , ويتضح هنا عدم وجود إرادة جدية بوقف العمل بالإتفاقيات مع كيان الإحتلال, وخاصة فيما يتعلق بالإتفاقيات الأمنية, ولقد صرح الرئيس عباس بأن التنسيق الأمني مستمر ولن يتوقف , وهذا ما أكدته وسائل الإعلام العبرية عبر ضباط في جيش الإحتلال بأن قنوات التنسيق الأمني تعمل بشكل جيد ولم تتأثر بالأحداث الميدانية! .
ولعل توقيع هذه الإتفاقية في ظل إندلاع إنتفاضة القدس وإستمرارها , يؤكد أن السلطة الفلسطينية لازالت تفتح قنوات الإتصال مع الإحتلال بكافة جوانبه الإقتصادية والأمنية , ولو كان التنسيق الأمني بين السلطة وكيان الإحتلال في حالة تراجع , ما كان جيش الإحتلال ومخابراته يعطي الموافقة على منح السلطة هذه الترددات, ويكشف هذا السلوك عن حالة من الإنفصال بين مؤسسات السلطة والشعب الفلسطيني الذي يعيش حالة صدام واشتباكات مباشر مع الإحتلال ومستوطنيه, ويفضح إختلال الأولويات الوطنية للسلطة الفلسطينية , وهذا ما يجب أن يتنبه له الوطنيين والأحرار في حركة فتح , والفصائل التي لها تأثير على سياسات السلطة الفلسطينية عبر مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية, كل ما نتمناه أن تعيش السلطة وقيادتها في تصريحاتها وأدائها الحالة الفلسطينية بشمولية, وأن تعيش آلام وأمال الشعب الفلسطيني , فمن العار أن نبحث عن توقيع إتفاقية تعالج حاجة كمالية , في الوقت الذي يسقط فيها الشهداء بجرائم إعدامات ميدانية ,ويتعرض أطفالنا لعمليات إعتقال وتعذيب ومحاكمات عسكرية ,ولم نرى تحرك جدي من السلطة بإتجاه محاكمة قادة الإحتلال في محكمة الجنايات الدولية ! .
المشهد الذي وقعت فيه إتفاقية ترددات الجيل الثالث , التي من المتوقع تنفيذها في النصف الأخير من العام 2016م , - بعد موافقة جديدة أيضا من الإحتلال للسماح بإدخال المعدات اللازمة - , يوحي بأن الأوضاع في فلسطين هادئة ومستقرة , وهذا ما حاول الإعلام العبري تسويقه عبر نشر صور لمراسم التوقيع على الإتفاقية , ونشرها عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية , في رسائل خطيرة يحاول الإحتلال نشرها وترسيخها لذا الرأي العام الدولي , بأن الإحتلال يوفر الإحتياجات والتسهيلات للفلسطينيين بالرغم مما يتعرض له " الإسرائيليين " من عمليات قتل يقوم بها الفلسطينيين , كما تروج الدعاية الصهيونية لذلك , وأن عمليات القتل التي يمارسها جيش الإحتلال هي ضد " الإرهابيين" وليس ضد الشعب الفلسطيني, وهاهي قيادة السلطة بإعتبارها ممثلة للشعب الفلسطيني , توقع مع الإحتلال إتفاقيات في مجال التكنولوجيا والإتصال , من أجل منح مزيداً من الرفاهية للفلسطينيين , وهذا الهدف النبيل تساهم فيه حكومة الاحتلال بالتعاون مع السلطة الفلسطينية ! ويكون الإحتلال بذلك قد حقق الإنطباع الإيجابي للعالم حول العلاقات الفلسطينية مع الإحتلال , بعيداً عن المشهد الحقيقي في فلسطين حيث الشهداء والإعدامات الميدانية .
لماذا يتغافل البعض أننا كشعب فلسطيني نقع تحت إحتلال ؟ ,وأن أولويتنا هي الإنعتاق مع هذا الإحتلال البغيض , وأن لا حياة مريحة ولا عيشة هنية في ظل سيطرة الإحتلال على أرضنا ومقوماتنا وثرواتنا, وهل نتجاهل أن شبابنا يتعرضون للقتل اليومي والإعتقال التعسفي ؟ , أو نتناسى الإقتحامات الليلية اليومية للمدن الضفة الفلسطينية وممارسة البلطجة والسرقة والقمع من قبل جنود الإحتلال ضد عوائلنا الكريمة ؟ ,وهل ننسى القدس العاصمة والمسجد الأقصى في أوج حملات التهويد الخبيثة ؟ أين حق عودة اللاجئين ؟ وأين العمل على تحقيق حق العودة وتحرير الأرض ؟ فلا زلنا شعب يرزح تحت الإحتلال وفي حالة إنتفاضة وطنية ضد الإحتلال ,أولويتنا الوطنية إنهاء الإحتلال بكافة الوسائل وفي مقدمتها الفعل الإنتفاضي والعمل المقاوم الذي يؤمن به المجموع الفلسطيني .
قد يقول قائل من حقنا أن نستخدم هذه التقنية ومواكبة التطور التكنولوجي , نقول نحن نحتاج إلى أكثر من ذلك ,شعبنا بحاجة إلى الحرية والإستقلال والخلاص من الإحتلال ليمارس حياته الطبيعية , حيث أن الإحتلال يطارد شبابنا وفتياتنا وأطفالنا لمجرد كلمات يشاركون فيها عبر صفحات التواصل الإجتماعي , التكنولوجيا التي يعطينا الإحتلال رخصة إستخدامها , والتقنية التي يمنحنا الإحتلال تردداتها ,هي منتوج احتلالي يخضع لمعاييره ومراقبته , ويضفي على إحتلاله مسحة أخلاقية بإدعاء توفير نافذة تكنولوجية متطورة للفلسطينيين للتواصل مع العالم, والحقيقة الراسخة أن جيش الإحتلال إذا أجاز تقنية حديثة للفلسطينيين , يكون قد أعد كافة الأدوات والوسائل والخبراء للإستفادة من ذلك على الصعيد الأمني لحماية كيانه وإستمرار إحتلاله .

بقلم : جبريل عوده*
كاتب ومحلل سياسي
23-11-2015م