رغم كل الإجراءات والممارسات العنصرية وما يلحق بشعبنا من أذى وظلم واضطهاد وقمع وتنكيل وجرائم من قبل الإحتلال،إلا ان مناضلينا لم يتخلوا عن قيمهم وأخلاقهم،ففي أكثر من عملية نفذت ضد المستوطنين لم يتعرض المناضلين الى الأطفال لا بالقتل او التعذيب أو التنكيل،ولعل الشواهد في هذه الهبة كثيرة ففي عملية مغتصبة "ايتمار" لم يجر التعرض للأطفال بالقتل،وكذلك في الخليل في عملية أخرى حدث نفس الشيء حيث لم يطلق المقاومين النار على الأطفال،وفي العملية التي نفذها الشهيد بهاء عليان والأسير بلال غانم،روى الأسير غانم كيف انهم قاموا بإنزال كبار السن والأطفال من الحافلة،وهذا ما رفض تدوينه قاضي محكمة الاحتلال في المحضر،لكي يوسم نضالنا العادل والمشروع بالإرهاب.
وفي الجهة المقابلة نجد إحتلال غاشم فقد وتجرد من كل معاني الإنسانية والقيم والأخلاق،ولم يتورع عن قتل الأطفال والتنكيل بهم وسجنهم وتشريع وسن القوانين العنصرية التي تجيز اعتقالهم وحبسهم وحتى قتلهم....وفي هذا السياق نورد العديد من الشواهد كما حدث مع الطفل احمد مناصرة،حيث جرى الإعتداء عليه بعد دهسه من قبل المستوطنين،وتعرض للتهديد بالقتل وإطلاق النار عليه من قبل شرطة الإحتلال،عدا سيل الشتائم وأقذع الألفاظ التي وجهت له،ومنعت سيارة الإسعاف من انقاذه،وبعد اعتقاله سرب جزء من شريط صادم لتحقيق معه حيث تعرض للترهيب والتقريع والصراخ والتهديد والسباب والشتائم من قبل محققي جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك"،ولضمان عدم خروجه من المعتقل بسبب صغر سنه،اجلت محكمته عمداً لكي يبلغ سن الرابعة عشرة وبما يتيح محاكمته وسجنه،وما تسمى وزيرة العدل الصهيونية "شاكيد" والتي علاقتها بالعدل كعلاقتي بالفلك فهي مستوطنة حاقدة وعنصرية،بدل العدل تشرع الظلم والقتل على الأصل القومي،حيث طرحت تعديلاً يجيز سجن واعتقال الأطفال من اثني عشر عاماً،وهي من شرعت فرض غرامات باهظة على اهالي أطفال لم يتجاوزوا تسع سنوات،وعقوبات تصل لعشرين عاماً لأطفال فوق اربعة عشر عاماً من ملقي الحجارة والزجاجات الحارقة،وليس هذا فحسب،بل رأينا كيف ان وحدات المستعربين تخطف الأطفال وتعتدي عليهم في أثناء ذهابهم للمدارس وحتى من داخل المدارس تعتقلهم وتعتدي عليهم.
والمسألة ليست فقط في التعذيب والتنكيل والإعتقال والتفتيشات العارية والمذلة والمهينة والماسة بالكرامة والحياء العام لأطفالنا تحت ذريعة حيازة السكاكين أو الشبهة بالنية لتنفيذ عمليات ضد جنود الإحتلال ومستوطنيه،بل العقلية الصهيونية القائمة على الغطرسة والعنصرية والنظرة الدونية للأخر وتشريع قتلة،حيث جرى سن قانون يتيح الإعدام الميداني لراشقَي الحجارة وملقي الزجاجات الحارقة من الأطفال وشبان الإنتفاضة،تحت ذريعة تشكيل خطر على جيش الإحتلال ومستوطنيه،وفي اكثر من حالة جرى إطلاق النار دون ان يكون هناك خطر على حياتهم،ولعل الجميع شاهد ما جرى من عمليات إعدام لأطفال/ات مراهقين/ات دون ان يشكلوا/ن أي خطر حقيقي وجدي،كما حدث مع الطفلة أشرقت قطناني،والتي قام رئيس مجلس مستوطنات نابلس السابق بدهسها،ومن ثم جرى اعدامها من قبل جيش الإحتلال بدم البارد،وكذلك هو الحال مع الطفلين الشهيد حسن مناصرة والمعتقل احمد مناصرة،والطفلتين الشهيدة هديل عواد والمعتقلة نورهان عواد.
جيش الإحتلال ومستوطنيه دخلوا في حالة من الهوس والوسواس القسري،وأصبح كل مستوطن يعتقد بان ظله يحمل سكيناً،ولذلك لم يعد هناك أية قيود على استخدامهم للسلاح،بل جرى تسليحهم بقرار حكومي،ويطلقون الرصاص حتى على بعضهم لمجرد الشبهة وعلى أساس الأصل القومي،ولون البشرة ولكنة اللغة العبرية كافية لإطلاق الرصاص والقتل.
الضحية تحترم قواعد المقاومة وتبدي قدراً عالياً من المسؤولية والإنسانية تجاه حياة الأطفال،فنضالنا ليس بالإرهاب،بل هو نضال مشروع كفلته لنا المواثيق والأعراف الدولية لأنها تعتبر ان صراعها ليس مع هؤلاء الأطفال،بل مع من يغتصبون أرضنا ويحرموننا من حقنا في الوجود والبقاء والعيش بحرية وكرامة،صراعها مع من يحرضون على شعبنا ولا يعترفون بوجوده،من يدعون الى تفجير رؤوس أطفاله من قياداتهم السياسية والدينية والعسكرية،مع مستوطنيه الذي يحرقون الأطفال احياء دون حساب او ردع او عقوبة،كما حدث مع الشهيد الفتى أبو خضير وعائلة دوابشة وغيرهم من اطفال شعبنا.
الجلاد يمارس كل أشكال القمع والتنكيل والقتل ضد أبناء شعبنا،ولا احد ممن يدعى بجماعات حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية ورعاة ما يسمى بالديمقراطية يتحرك لكي يدين مثل هذه الأعمال او يدعو الى محاكمة قادة الإحتلال ومستوطنيه على مثل هذه الجرائم،بل هناك من يشجعهم ويشكل لهم درع حماية ومظلة من العقوبات او القرارات التي قد تتخذ ضدهم في المؤسسات الدولية،وها هو من يطرح نفسه كوسيط في العملية التفاوضية بين السلطة الفلسطينية و"اسرائيل"،يستهل زيارته للمنطقة بإدانة الضحية والإشادة بالجلاد،الدهس والطعن اعمال إرهابية والتصفيات والاعدامات الميدانية والتنكيل والقمع،هي اعمال دفاع عن النفس،ولم نسمع منه كلمة واحدة امام نتنياهو الذي دعاه للإعتراف بشرعية الإستيطان مقابل مجموعة رشاوي إقتصادية وخدماتية للسلطة الفلسطينية اكل عليها الدهر وشرب بأن الإستيطان غير الشرعي،ويتناقض مع الشرعية الدولية، وبأن الإحتلال يدمر حياة الفلسطينيين ،وانه يجب ان ينتهي .
هم يريدون فقط إدارة الصراع وواد الهبة الشعبية وإخراج اسرائيل من مأزقها،وان يجري تخفيض اعمال المقاومة الشعبية الى أدنى حد،وبما يمكن امريكا التي إدارتها في السنة الأخيرة من ولايتها،من التفرغ للملفين السوري والعراقي وملف "داعش".
وختاماً نحن نستمد أخلاقيتنا من عدالة قضيتنا ومشروعنا الوطني،وحقنا في الكفاح والمقاومة وفق القوانين والمواثيق الدولية التي كفلت لنا ذلك،ونحن طلاب حياة وحرية،من اجل ان نبني وطناً حراً ونصنع مستقبلاً لأطفالنا بدلاً من ان يجري قتلهم وإعدامهم بدم بارد على يد جنود الإحتلال ومستوطنيه. نحن مشروعنا اخلاقي وإنساني اولاً، لم نخطف ونعذب طفلاً ونحرقه حياً،ولم نقدم على حرق عائلة وهم احياء من اجل القتل،بل تجنبنا وابتعدنا عن قتل الأطفال ،رغم أن الإحتلال يحاول قتل الإنسانية فينا بسبب جرائمه وإحتلاله.
بقلم/ راسم عبيدات