تواضروس في القدس

بقلم: أسامه الفرا

ما أن أعلنت الكنيسة المصرية عن قرارها بارسال وفد من الأساقفة للمشاركة في قداس مطران القدس الأنبا ابراهام، حتى عادت وأكدت على أن البابا تواضروس هو من سيرأس الوفد القبطي إلى القدس، شكل تصريح الكنيسة المصرية مفاجأة كبيرة كونها الأولى من نوعها لبابا الاسكندرية منذ حرب حزيران 1967، وتمثل خروجاً عن قرار المجمع المقدس عام 1980 والذي بموجبه منع المجمع سفر المسيحيين للحج في الأراضي المقدسة، كان البابا السابق "شنودة" قد تبنى موقفاً رافضاً بشكل مطلق زيارة القدس طالما الاحتلال الاسرائيلي جاثماً على صدرها، وعندما رفض مرافقة السادات في زيارته إلى دولة الاحتلال شب الخلاف بينهما والذي انتهى بإبعاد البابا إلى وادي النطرون.

الكنيسة المصرية لا تريد لزيارة البابا تواضروس إلى القدس أن تخرج عن سياقها في المشاركة في قداس مطران القدس، خاصة وأن مطران القدس يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية في المجمع المقدس بعد بابا الإسكندرية، يضاف إلى ذلك أن البابا تواضروس أشار في أكثر من مناسبة أنه تعلم الكثير من الأنبا ابراهام، لكن الزيارة حتى وإن اقتصرت على طابع المشاركة في القداس، إلا أنها أحدثت ضجيجاً وسط مصر، ففي الوقت الذي حاول البعض أن يبقيها في إطار الزيارة البروتوكولية، راحت بها بعض الأقلام إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث تناولت صحيفة المصري اليوم على صدر صفحتها الرئيسية الزيارة بعنوان "شرخ في جدار مقاطعة اسرائيل"، فيما إعتبرتها بعض الصحف المصرية بمثابة المفاجأة المدوية، في الوقت الذي تجاهلتها بعض الصحف الرئيسية.

لعل التباين في وجهات النظر حول زيارة البابا تواضروس إلى القدس للمشاركة في قداس الأنبا ابراهام لم يقتصر على الجانب الاعلامي، بل أن القيادات المسيحية المصرية تباينت مواقفها بين مؤيد لها إنطلاقا من كونها زيارة جنائزية لا تحمل شيئاً من الطابع السياسي، وبين معارض لا يجد مبرراً لها وبين من اعتبرها خروجاً عن قرار المجمع المقدس وهو ما يمكن أن يؤشر إلى تراجع في موقف الكنيسة.

المؤكد أن زيارة تواضروس ستعيد الجدل من جديد حول زيارة العرب المسلمين والمسيحيين إلى القدس، حيث يرى البعض أن مثل هذه الزيارات تسهم في التأكيد على عروبة القدس وتشكل دعماً وإن كان معنوياً للسكان الفلسطينيين في القدس، فيما يرى البعض الآخر أن مثل هذه الزيارات لا يمكن لها إلا أن تكون تحت يافطة التطبيع مع دولة الاحتلال، وهو ذات الجدل في الساحة الفلسطينية بين مرحب بذلك وبين معارض لها، أعتقد أنه بات لزاماً علينا اليوم أن نحدد بشكل دقيق مفهومنا للتطبيع، فهل رفضا لزيارة العرب والمسلمين الى القدس فيه مقاطعة لدولة الاحتلال أم أننا بذلك نقاطع القدس وأهلها؟، وكيف يمكن لنا أن ندين ونستنكر سياسة الاحتلال القائمة على تهويد المدينة المقدسة وفي الوقت ذاته نقفل ابوابها أمام العرب والمسلمين بحجة التطبيع؟، بالأمس جاء منتخب الامارات لكرة القدم للعب في فلسطين فهل كانت الزيارة تطبيعية؟، الا يجدر بنا اليوم وضع الفواصل بين ما يفيد القضية الفلسطينية وما يلحق الضرر بها؟، ألا يخدم هاجس الخوف من التطبيع سياسة حكومة الاحتلال القائمة على عزل القدس عن محيطها العربي والاسلامي؟، وهل زيارة السجين فيها إعتراف بالسجان؟.

بقلم/ د. اسامه الفرا